تراكمت كل الخيبات علي، وفاض السخط في شكل دموع بركانية تدفع حممها اللامتناهية نحو الفراغ، كنت أحتمي في مثل هذه اللحظات بوجه ليلى المىئكي، حين يومئ لي بوميض أخاذ، كانت ليلى لا تفارق ذهني، تسكنه على الدوام، كنت أحاول ألف مرة أن أحرق كل الذكريات التي لا تزال تضرب موعدها معي، مع ذاكرتي المتعبة، المهترئة، وفي كل مرة أجد نفسي و بدون وعي أفتح رسالة من رسائلها الأسطورية، حيث أبني فجوة أخرى بين حروفها وكلامها السحري، كنت أطلب لحظة هدوء بين حروفها لعلي أطمئن قليلا... فأرسو على بياض الأوراق، كانت رائحتها لا تزال بكل قوتها تنبعث وكأنها بنت البارحة، كلامها كالسحر، كالشعر، تدلت رسالتها أمامي، فبدأت عيناي تسابق حركات أصابعي، إنها إحدى الرسائل المفضلة لدي، والتي لطالما أمعت عيني وأنا أقرأها:
--- حسن عزيزي، لا أدري كيف أبدا رسالتي، لأني وكما عرفتني كثيرة الحيرة في شكل حبي، في مصير حبي، أخاف يا حسن أن يقتله هذا الزمان النفعي، أنت الآن بعيدا كل البعد، عبر كل هذه المسافات اللعينة التي تفصل بيننا، والتي أبت إلا أن تحكم شغفنا بالانتظار وترسم حدود اللقاء المؤجل.
كانت هذه من أحب الرسائل وأقربها إلى قلبي، فقد كنت أرى فيها حبنا، وكيف نما، وكيف عارك السهو والغياب ونظرة الآخرين لنا، ونحن نجوب الدروب والأزقة باحثين عن مؤوى ندفن فيه حبنا الممنوع، كنت أرى دمائي وهي حبلى بكل هذا الوفاء والصدق والحب، كل هذه الأشياء لازالت محفورة في ذاكرتي، أجل إنه حدث وذكرى، والحدث والذكرى لا يفترقان، ثم تستطرد كلامها وتقوزل في جزء آخر من نفس الرسالة:
---- عزيزي حسن، عندما أراك قلقا أفعل ما يرضيك، وعندما أراك فرحا أتجنب مالا يرضيك، وعندما لا أراك أغار ممن يفعل ما يرضيك.
كان كلامها مثل الماء يطفئ النار التي كانت تتأجج داخل صدري، تلغي كل الأسئلة الحائرة وهي تدمي الذاكرة، كان كلامها كالفضاء الواسع حين يحضنك فيمسح الدمع عنك، ويجرك غلى عالمه السحري، فقد تعودت أن تجفف دمعي كلما امتلأت قنوات عيوني.
* يتبع*