امتنعت عن الكلام، كان الضوء في عناده يكابر سهو المكان، يجابه سطو الليل، يحارب الظلمة القابعة داخل هذه الغرفة الصغيرة، كان جدارها الموالي للباب الخشبي وحده جريدة غنية تحتوي على مئات الصور وخرائط العالم القديم، كانت تحدثك عن الماضي عندما كانت كل القاؤات متوحدة متماسكة توحي بالسلام والتعايش والتوحد والاستمرارية، تخبرك عن العالم الغير المسكون، الفراغ الساقط من نظريات تابعت سطوتها على نضج جسدي النحيف، كان سريري المتعب المحايد يتجدنب الحائط الأبيض المتسخ من كثرة الاحتكاك، بجانبه بعض الأوراق المتناثرة هنا وهناك، وبعض الكتب و المجلات، ومنضدة حاضرة غائبة تتحدى المكان الممسوخ بوقفة جامحة تؤكد لنفسها ولي ولكل الزائرين أنها كالأخريات، رغم كل هذه البقع السوداء وكل هذا القيء النقرف، أنها لم تأت هنا رغبة في المجيء، بل وضعت قسرا وقهرا...
كانت غرفتي كقاعة مسرح لم يدخله جمهور قط، هناك مسرحيون، لكن لم يمثلوا قط، هناك إنارة لكنها لم تضيء أبدا، دخلت الغرفة وأنا أتحاشى ما وضع على الأرض سهوا، ثم جلست لأفتح إحدى المجلات، كنت أسابق حروفها وأعارك صور سيداتها العاريات، لفت انتباهي موضوع عن الحظ، حيث كتب: " لإن شئت أن تصبح من ذوي الحظوظ السعيدة، فعليك أن تترك الخسائر وراءك، وأن تصنع من هزائمك لونا آخر للانتصار، وأن تجعل الانتظار لحظة تأمل جديدة"
ابتسمت لقرائتي هذا الكلام، ثم تذكرت ليلى لحظتها وهي تكلمني عن الحظ والسعد:
* والله يا حسن من يراك هكذا بصمتك وهدوئك لظنك قد تجاوزت الأربعين
ابتسمت مجيبا: فقط لأنهم كرماء
* كيف ذلك يا حسن؟
لأني فعلا تجاوزت آلاف السنين، لم أستطع أن أكون واحدا منهم، لم أستطع أن أعيش عيشتهم، فأمرهم غريب يا ليلى،فهم يملكون قناعات غريبة جهنميم لا تزحزح انتماءهم إلى زمان لا ينتبه إلى راكبيه.
* أنها مسألة حظ يا حسن وليست قناعة أو انتماء
* حظ؟ بربك اسكتي ياليلى، حظ أم ثورة يا عزيزتي، فهذا زمان الثورة والعمل، أما الحظ فهو كلام المخبولين والجبناء والمتقاعسين.
يتبع