.... أذكر جيدا كل هذا الكلام، رميت بالمجلة بعيدا وكأني أتخلص من شيء نجس، كانت تفاهتها جلية من خلال غلافها وصور سيداتها العاريات، تمددت على السرير، ثم وضعت يدي تحت رأسي وألصقت نظري بسقف غرفتي المحتجب بغلاف البلاستيكي أزرق كي أتحاشى التراب المتساقط من أعلى كل ليلة، كان الفراغ هو سيد اللحظة، حاولت أن أبحث في الذاكرة لعلي أجد ما ألغي به هذا الصمت وهذا الفراغ الممل، لكني لم اجد ما يستحق الانتباه، ولدت بطريقة عفوية تكسوها رغبة في الجنس لمدة دقائق وعناق شاحب يتوسد عنق أمي، كانت الطفولة شكلا من أشكال الهزائم التي بدأت بها حياتي، سألت أمي يوما:
--- هل تحبين أبي؟
قالت في خجل:
--- كن ما كان هو ، كن شحال هاذ كالونا ذياب
--- ومن هي الذئاب يا أمي؟
--- الناس، الآخرين يا ولدي
--- أليس أبي منهم؟
بسرعة البرق كسا الغضب وجهها، واحتجب بلعنة جعلتني أقوس ظهري لاستقبال أي ضربة ممكنة من يد هذه المرأة العظيمة، لا أدري كيف كان اللقاء، لقاء أبي بأمي، هل كانت قصة حب عارمة، أم اللقاء كان من وراء حجاب، او كما يقولون " خذها كالرمانة وفركها وحدك في البيت"
كانت لهذه الأسئلة حرقة دامية في سيلان مستمر لا ينتهي، لكني كنت متأكدا من أن الشهود قد حضروا ليلة الزفاف، حيث كان لقاء فلكلوريا، تجمع فيه فقهاء الدرب، وانتصبت أعلام الأكل والشرب ، وليمتان جاهزتان، لأبي واحدة داخل غرفة مظلمة قد أحكم إغلاقها من الداخل والخارج خوفا من أي انتفاضة غير متوقعة، مادامت المرأة كانت تتحسس ذبحها في شيء من الصمت والرضى والأسى، وللآخرين ما تشتهي البطون، لحما محمرا مكسوا ياللوز والحامض، ودجاجا مبخرا يلغي العياء والكدر، وقتها كان أبي يشده الحرج إليه، يفرك يديه على غير عادته وابتسامته لا تفارق شفتيه الرقيقتين الجافتين، في الغرفة المجاورة عائلة أمي التي لا تقتصر إلا على خالتي " رقية" ذات التجارب العديدة حيث تزوجت أكثر من مرة وكانت تطلق في كل مرة بسبب عدم الإنجاب، ولهذا كانت مضرب المثل ومحج السائلين، الكل مشدود إلى الغرفة المظلمة، يحيطون بها وكأنهم في صلاة لا يفهم طقوسها غيرهم، كانت خالتي "رقية" تحاول أن تهدئ من روع أمي بشتى الطرق وتشجعها:
--- لا تبكي يا أختاه، لا تخافي، لست أول امرأة يدخل عليها عريسها، إنها لحظة زئبقية تمر دون أن تحسي، تنتهي قبل أن تبدأ، هيا يا أختي تشجعي قليلا وارفعي رأسنا عاليا.
يتبع....