عثمان حسيني " زجال الصحراء " طالب في علم النفس واعلوم التربوية .
الطفل والمدرسة
ـ إذا كان المنطق الموضوعي يعتبر المدرسة استمرار لوظيفة الأسرة والشارع فان أطفال الفئات المحرومة سواء كانوا في القرية أو المدينة يعيشون حالة من التغريب والاستلاب ، تجعلهم لا يشعرون بالهوية والانتماء، مما يجعلهم يعانون من التهميش والعزلة، وبالتالي سوء فهم لطبيعة العلاقة التواصلية داخل المدرسة مما يؤدي إلى اضطراب في العلاقة التربوية .
1 العلاقة التربوية داخل المدرسة
الإنسان هو تفاعلي تشاركي باعتبار أن سلوكاته محكومة بمجموعة من الاعتبارات العلائقية الناتجة بالأساس عن هذا الدافع الإنساني إلى التفاعل والمشاركة مع الآخرين لكن النتائج المترتبة عن هاته العلاقة يمكن أن تكون ايجابية، كما يمكن أن تكون سلبية؛ النسبية هي التي تطبع العلاقة البين إنسانية، وبالتالي تطرح هنا مجموعة من النقاشات يدور مضمونها حول المعايير التي يمكن بها تقييم العلاقة.
إن النقاش هنا عن العلاقة التربوية داخل المدرسة، حيث أنها تهدف إلى تهذيب السلوك الإنساني وتعديله من الاندفاع والسلوك الغريزي الفطري، إلى سلوك أكثر إنسانية ينبني بالأساس على مفاهيم التربية بكل حمولاتها الإنسانية، مع العلم أن المجال المدرسي لا يقتصر على المجال المدرسي بل إن هذا المجال هو محصلة لتفاعل الطفل التربوي بأسرته أولا وبالشارع ثانيا، والمدرسة هنا هي المحك الذي يتمكن الطفل من خلاله من تقييم العلاقة التربوية التي أنشئها واستدخل معطياتها في الأسرة والشارع، لكن ما يهمنا أكثر هنا هو علاقة أو علاقات الطفل التربوية داخل المجال المدرسي وطبيعة الإشكالات التي تطرحها والمعوقات التي تحول دون المأسسة الايجابية لها بين الأطراف المشاركة أو الفاعلة في هذه العلاقة .
صحيح أن المجال المدرسي ونسقه العلائقي في بعده السيكوتربوي يمارس نوعا من الإغراء على الباحث وانه البوابة التي تدخل من خلالها إلى الاطلاع على النسيج العلائقي الذي يجمع ما هو نفسي و سوسيوـ ثقافي عائلي وحتى ما هو اقتصادي وسياسي، لكن هذا لا يعني خلوه من الصعوبات المنهجية والأكاديمية؛ المؤسسة المدرسية ليست مجال محايد أو منعزل عما هو بيئي خارجي، ضف إلى ذلك قلة الدراسات في هذا المجال، اللهم إن استثنينا بعض اسادذتنا الباحثين وعلى رأسهم الأستاذ الغالي احرشو والأستاذ احمد اوزي والقائمة ليست طويلة.
2 دور المدرسة في حياة الطفل
ان الحديث عن العلاقة او بالأحرى العلاقات التربوية للطفل داخل المدرسة، يطرحنا أمام العديد من العوامل المتغيرة، يكون الطفل محورها الأساس واحد ابرز العناصر الفاعلة و المتفاعلة فيها، بالنظر إلى كون العملية التربوية داخل المجال المدرسي تدور في فلك الطفل، وربما هته النظرة الأحادية الجانب تعطي بعض الانطباعات المتعلقة بمدى تقدير الجميع ــ الفاعلين التربويين ــ لهذه المسألة؛ مدى تقبلهم فكرة أن "الطفل المتمدرس هو محور العملية التربوية"، وبالتالي عليهم أن يبدلوا كل الجهود لخدمة هذا الطفل المتمدرس على المستوى المعرفي على الأقل.
وأمام تعدد الإطراف المؤثرة والمتأثرة في هذا النسق العلائقي، يجد الباحث في هذا المجال، صعوبة في تقمص الإطار المرجعي سواء كان نظري أو تطبيقي، يمكن من خلاله مقاربة هذه العلاقات نظرا لتداخل بعض العناصر ترتبط بالأساس بما هو نفسي في مظاهره الثلاث المظهر العقلي/ المعرفي، والمظهر العاطفي/ الوجداني، والمظهر الحسي /الحركي .. ثقافي ـ اقتصادي ـ اجتماعي ـ سياسي ...
ّهذا الأمر يعطي فكرة مبدئية عن طبيعة الموضوع الذي نقاربه في هذا المستوى، ويحدد ــ ولو بشكل جزئي ــ الصعوبات، خاصة وأننا أمام متغير البلد/ المغرب الذي له تأثير كبير على نتائج الدراسة؛ فالطفل المغربي والمدرسة المغربية ليس هما الطفل الفرنسي والمدرسة الفرنسية. وأنا تعمدت عنوة تقديم هذه المقارنة/ طرح هذا المثال الفرنسي، كون المغرب كأحد دول العالم الثالث أو البلدان السائرة في طريق النموــ كما يحب الساسة الاصطلاح على ذلك ــ ما يزال يعاني التبعية لفرنسا، ويستند إليها في وضع البرامج والمقررات التعليمية التي أثبتت فشلها هناك، ليجربها على فئران الاختبارات التجريبية لديه، دون مراعاة خصوصياته الاجتماعية والثقافية .
والمدرسة المغربية تظل غير محايدة، بل إنها تميل إلى تكريس الفوارق داخل الواقع الاجتماعي بين مختلف الفئات المكونة للمجتمع، وهي بذلك تكون أداة لخدمة بعض المصالح المتحكمة في المجتمعّ.
إن التركيب الذهني للطفل داخل الفئات المحرومة ــ الفقيرة ــ يعاني من قصر التعبير اللغوي وبالتالي الافتقار إلى التفكير المجرد والنظري، ونظرا لذلك فان هته الشريحة من الأطفال غالبا ما تميل إلى التعبير الحركي عن انفعالاتها ومشاعرها داخل الفصل الدراسي، هته الفئات غالبا ما يسود بداخلها ضعف الحوار والتواصل. بالتالي فتفهم المدرس لوضعية هؤلاء الأطفال تدفعه إلى إبداء أساليب أكثر علمية في التعامل معهم باعتبار أنهم تركيبة نسقيه ناتجة بالأساس عن المؤثرات البيئية الموضوعية، وان ذهابهم إلى المدرسة كان بالضرورة من اجل إكسابهم مهارات تهذيب السلوك.
إن المدرسة لم تعد ذاك المجال أو المؤسسة التربوية التي هي سلم الرقي الاجتماعي، هذا المعطى جعلنا نأخذ الدراسة في جانب تطبيقي بالإضافة إلى الجانب النظري حتى نستطيع أن نكوّن صورة أوسع واشمل عن العلاقة التربوية وطبيعة الإشكالات التي تطرح أمامها .
فمند ثمانينات القرن الماضي عرفت المنظومة التربوية تحولات هامة نتيجة للرّجّات العميقة التي إصابتها بفعل الانفجار الإعلامي والمعلوماتية، والثورة التكنولوجية، المصاحبين لظاهرة العولمة، بل وأحدثت هذه التغيرات تحولات جذرية في طريقة التفاعل والتعامل مع الآخر، والمجال المدرسي ليس بنمنئا عن هذا التحول؛ أصبحت العلاقة التربوية السائدة في المدرسة معقدة، استجابت، طبعا، لطبيعة التغير المنظوماتي المذكور بالنظر إلى تنوع العوامل المؤثرة في هذه العلاقة التربوية إلى الدرجة التي يمكن فيها أن نتكهن بعجز المعنيين بالشأن المدرسي عن التناغم والتكيف مع هذه التحولات التي تجلى في العجز عن الإدارة والتأطير التربوي داخل الفصل، وكذلك في تقديم التفسيرات العلمية الموضوعية لبعض الظواهر التي بدأت تُمشكل العلاقة، خاصة في مقاربتها بالجوانب النفس تربوية، والنفس اجتماعية، وهذا حاصل كما سبق الإشارة إلى ذلك نتيجة مجموعة من التراكمات والإخفاقات المنهجية التي مازالت مستمرة، فإذا أخدنا مثلا التغيرات وسوء الفهم وتقدير السلطة في العلاقة التربوية، نجد مجموعة من المفارقات والتفسيرات اللاعلمية، حيث بدا ينظر إلى السلطة من جانب سلبي، نتيجة إلى ربطها الواعي واللاواعي بالعنف كآلية لازمة للعمل التربوي داخل المدرسة، وهذا المنظور هو السائد في المجتمعات التقليدية، خاصة إذا علمنا أن نسبة مهمة من المجتمع المغربي ما زال تعاني من الفقر والأمية والجهل، ضف إلى ذلك، اتساع مفاهيم حقوق الطفل الذي بات هو الأخر متغير أساسي في العلاقة التربوية، هذا إذا لم نتحدث عن تغييب المفاهيم السيكوتربوية والاهتمامات والميولات الدافعية... هذه كانت بعض العوارض الأفقية من خلاله نحاول بنينة الصورة القاتمة للعلاقة التربوية واهم إشكالاتها.
كل هذه المعطيات تفاعلات تتمخض لنا عن اشكلات عجز الفاعل في المجال التربوي في المجال المدرسي عن التعامل معها، إن لن نقل تشخيصها، وبالتالي سوء الإدارة والتدبير. ومن خلال الدراسة الميدانية التي قمنا بها في المجال المدرسي من اجل تشخيص الأسباب الذاتية والموضوعة لإشكالات العلاقة التربوية فيها، تبين لنا حقا أن هناك إشكالات في هته العلاقة التربوية، وبالتالي وجدنا أنفسنا أمام عملية التشخيص وتقديم بعض المقترحات، السيكوبيداغوجية انطلاقا من التشخيص العلمي والموضوعي لهذه الإشكالات، وقبل ذلك وجب تحديد المسؤوليات، أي الأطراف المشاركة في هذه العلاقة والمسؤوليات التربوية المنوطة بها .
يتبع