منتديات دواوين الثقافية و الفنية منتديات تعنى بالأدب والثقافة والفن.
 

 

 المنفيون أو رحلة معلم إلى للاعزيزة - الجزء 2-

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
عبد المجيد الدهبي
مشرف الرواية
مشرف الرواية
عبد المجيد الدهبي


المدينة : مراكش
عدد المساهمات : 247
معدل النشاط : 349
تاريخ التسجيل : 07/01/2011
العمر : 55
الموقع : www.da-wawin.com

المنفيون أو رحلة معلم إلى للاعزيزة - الجزء 2- Empty
مُساهمةموضوع: المنفيون أو رحلة معلم إلى للاعزيزة - الجزء 2-   المنفيون أو رحلة معلم إلى للاعزيزة - الجزء 2- I_icon_minitimeالجمعة 21 سبتمبر - 19:05

حينها بدأت تتعاقب عشرات الصور والأسماء على ذهنه المحاصر، فانسابت غيبوبة باردة على عينيه، فتكسر كل شيء أمامه، وغاب عنه كل شيء، فلم يحس إلا وهو في المنزل وأمه تبكي بالجوار، وتطلق اللعنات والشتائم اللاذعة.
هكذا ظل صابر فاقد البصر لمدة أربعة أيام، ومنذ ذلك الوقت وهو يحمل في قلبه عتابا قاسيا لكل من يجعل من الصغار و من أجسادهم الهشة محطات لتفريغ مكبوتاته وعقده ومرضه.
كانت كل هذه الهواجس أكبر من أن يتحملها قلب واحد أو صدر واحد، فكان لابد أن يفضي إلى غيره، وأن يحدثه عن خططه في التدريس، وأن يشرح نظرياته في طرق التدريس طبقا لما يروج في الساحة التربوية، من تجديد وتغيير، كانت كل هذه الأشياء صالحة كي تدون في كتاب حتى تبقى حية لا يمحوها الزمان، أخذ صابر ورقة ثم شرع في تدوين ملاحظاته ونواياه بكل مهنية واحترافية، ومن خلال ما عاشه في أيام تكوينه بالمركز، فكان يركز على كل كبيرة وصغيرة، فيطنب في الشرح، ويكثر في الأمثلة، ويقترح الحلول والبدائل، وفي لحظة نسي نفسه، فامتدت يده إلى أبعد نقطة في الورقة، فجأة توقف عن الكتابة وكأنه تذكر شيئا مهما:
--- آه صف الكسالى، لن أكرر هذه المهزلة، صف الكسالى، هذه الخرافة التي لابد من استئصالها، فقد أضرت بالتعليم أكثر من اللازم، فالتلاميذ سواسية وإن اختلفت قدراتهم وذكاءاتهم، فلا بد من وجود طرق بديلة نصحح بها الوضع، بدل تلك الطرائق القديمة والتي تعتمد على الوعد والوعيد.
فصابر لازال يذكر عندما أجلسه المعلم في أحد الصفوف المغضوب عليها، صف الكسالى، أحس صابر حينها بالمهانة والظلم الشديدين وهو يرى في أعين زملائه نظرة سخرية واستصغار، أجبره المعلم على الجلوس دون أن ينظر في وجهه قائلا:
--- من اليوم سوف تجلس في هذا الصف.
لازال يذكر كل هذه الأحداث، والتي غيرت مجرى حياته، فبعد تلك الحادثة العارضة والمؤلمة، وبعد أن عاد إليه بصره وانتهت المحنة التي كادت تعصف بكل الأحلام، تلك الأحلام التي كانت تعيش على إيقاعها الأسرة، وتفرح كلما لمحت نموا في جسد ابنها، فكانت أم صابر للامحجوبة ترى في ابنها ذلك الفارس المنقذ من براثن الفقر والضياع، إنه الحلم الوردي الذي تعيش على دبدباته كل الأسر، خصوصا المعوزة منها، فكانت للامحجوبة تعتبر صابرا الأمل الوحيد لتغيير وضعها، كانت تقول دائما:
--- لا بد أن يصبح صابر أفضل ولد في الدرب، أفضل من ولد اللافطومة الشلحة، الذي أصبح "جدرمي"، وعندما أصيب صابر بتلك الحالة العابرة، وفقد على إثرها بصره، أصبحت أمه للامحجوبة كالمجنونة، لاتكف عن البكاء، لا ليلا ولا نهارا، ولم تغف لحظة حتى صارت تصاب بحالة من الصرع، فكلما نظرت إلى ابنها إلا وضربت فخذها مولولة باكية:
--- خرجوا عليك أولاد الحرام، أغصبوك في حياتك أولدي.
كان يومها مقسما بين البكاء والشتائم، فلم تعد للامحجوبة كعهدها، غابت تلك الحيوية وذلك النشاط التي عرفت به بين سكان الدرب، فقد تفتق حلمها أشطرا، ولا تعرف كيف تجمعه، لكن تدخل القدر في لعبة الأحلام جعل كل شيء يتبخر، أو يؤجل إلى حين، فقد غادرت الابتسامات وجه صابر وأمه، ولم يبق إلا الدعاء.
لكن في صباح ذلك اليوم، الذي لن ينساه صابر أبدا، كان يوم الخميس، حيث كان الجو ممطرا، في ذلك اليوم البارد استيقظ صابر وهو لا يصدق ما يقع:
--- أمي.. أمي.. لقد عاد لي بصري، إني أرى .
لم تصدق للامحجوبة ما سمعت، فجرت كالتي بها مس إلى غرفة ابنها، وبدأت تدعك عينيه بيديها المبللتين، كانت تطرح عليه أسئلة كثيرة، لا أول لها ولا آخر، فيتيه صابر بين فرحته ومتاهة الأجوبة:
--- بماذا تحس؟ هل ترى هذا؟ ما شكل هذا؟
كانت الدموع لا تحمل شكلا، تسيل في كل الاتجاهات، صار وجههما كالنهر يفيضا ماء مالحا، كانت تزداد دموعهما قوة وانهمارا كلما أيقنت أن أجوبة ابنها صحيحة، وأن صابرا عاد إليه بصره، وأن المحنة التي ألمت بالأسرة قد انتهت، وأن الحلم التاريخي لم يمت كما ظن الجميع، وأن صابرا سوف يعود إلى سابق عهده، وسيتابع دراسته من جديد، وسيحقق حلم أمه بأن يصبح أفضل من ابن جارتها اللافطومة الشلحة، كانت للامحجوبة لا تمل الكلام عنها وعن ابنها " الجدرمي" ، وماذا أحضر من آخر سفر له؟وماذا اشترى؟ وكيف أصبح سمينا؟ بعدما كان نحيفا أخف من وزن ذبابة.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
سعيد محمودي
المدير العام
المدير العام
سعيد محمودي


المدينة : الدار البيضاء
عدد المساهمات : 7236
معدل النشاط : 12091
تاريخ التسجيل : 08/12/2009
الموقع : www.da-wawin.com

المنفيون أو رحلة معلم إلى للاعزيزة - الجزء 2- Empty
مُساهمةموضوع: رد: المنفيون أو رحلة معلم إلى للاعزيزة - الجزء 2-   المنفيون أو رحلة معلم إلى للاعزيزة - الجزء 2- I_icon_minitimeالإثنين 24 سبتمبر - 22:43

شكرا أخي العزيز الاستاذ عبدالمجيد الدهبي على نشر الجزء الثاني من رواية المنفيون اورحلة معلم الى للاعزيزة
كل الشكر والامتنان على روعة بوحك
لك جل تقديري واحترامي
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
المنفيون أو رحلة معلم إلى للاعزيزة - الجزء 2-
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» المنفيون أو رحلة معلم إلى للاعزيزة... ـ الجزء الأول ـ
» المنفيون أو رحلة معلم إلى للاعزيزية - الجزء 3 -
» عبد المجيد ادهابي يصدر مجموعة قصصية تحت عنوان: "المنفيون أو رحلة معلم إلى لالة عزيزة"
»  قصة المنفيون الجزء 4
» إصدار جديد للإستاذ عبد المجيد الدهبي" مجموعة قصصية المنفيون"

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات دواوين الثقافية و الأدبية :: خلجات سردية (بإدارة مولاي علي درار) :: الرواية-
انتقل الى:  
أركان منتديات دواوين الثقافية و الأدبية