لم يكتف بتلميع حذائه بكل عناية ودقة، وكأنه عريس الليلة الغامضة، بل ارتدى أفضل قميص لديه، والأقرب إلى قلبه، لما يحمل من ذكريات جميلة، إنه القميص الأخضر الذي ارتداه ليلة زفاف أخته الوحيدة لطيفة.
لقد اعتاد صابر أن يرتدي أفضل ما لديه في المناسبات المميزة، وهذا اليوم، ليس فقط مميزا بل هو أعظم يوم في حياته، انتظره طيلة العمر، إنه يومه الأول في العمل، فقد راسلته النيابة الإقليمية في أواخر أيام العطلة الصيفية، وأخبرته بمقر عمله، فقد تم تعيينه في منطقة قريبة من مدينة إيمنتانوت والتي تبعد عن مدينة مراكش بعشرات الكيلومترات،
كان صابر يحس بنوبة عصبية تجتاحه من حين لآخر، ورعشة خفيفة تغلب على أصابعه، فتتغير ملامحه كلما تذكر نوع التلاميذ الذي ينتظره في أعالي الجبال، كان يبحث في داخله عن أنسب الطرق لاستقبالهم، فكان حديثه مع نفسه لا ينقطع:
ـ ـ ـ لا بد من استقبالهم بوجه بشوش، وابتسامة عريضة، ولا مانع من إعطاء بعض الهدايا، فالهدية تفتح القلوب وتلغي المسافات.
لكن سرعان ما كانت تقفز إلى ذاكرته تلك الوصايا التي سمعها أثناء مرحلة التكوين:
ـ ـ ـ عندك تولفهم الضحك، راه غادي يركبوا عليك، حمر العين من النهار الأول، باش يخافوا منك.
كان صابر لا يتوقف كثيرا أمام هذه الذكريات، بل سرعان ما يتركها وراءه كلما تذكر أنه سيقف أمام أطفال صغار لا حول ولا قوة لهم، سوى تلك الابتسامة الدافئة التي تظهر كالنسيم العليل. فصابر لازال يتذكر ذلك الصباح، عندما كان صغيرا، يتابع دراسته بإحدى المدارس الابتدائية، بأحد الأحياء الشعبية بمدينة مراكش، ، في ذلك اليوم طلب منه المعلم استظهار سورة من القرآن الكريم، كان صابر يحفظها عن ظهر قلب، لكن الطريقة الوحشية التي طلب بها المعلم ذلك، جعلت كل شيء يتبخر و يفور، فغابت عنه آيات تلك السورة القرآنية، حيث بدأ المعلم في الصراخ والسب والضرب والبصاق يتطاير من فمه:
ـ ـ ـ عرض الحمار، مالك ما حفظت السورة؟، اهضر الكلب.
كان يعض شفتيه بطريقة غريبة، ثم يهوي بعصاه الغليظة على جسد صابر الصغير، والذي لازال يحمل آثار ذلك اللقاء المغولي، كان صابر يرتعد بين يدي معلمه كالطائر المبلل في عاصفة ثلجية.
لازال صابر يتذكر كيف تقلصت آيات تلك السورة الكريمة في ذاكرته، وكيف انكمشت ذاكرته على نفسها حتى صار لا يتذكر أي شيء، حتى اسمه ضاع منه في زحمة هذا الهياج، حينما سأله المعلم بسخرية دامية وقهقهات الصغار تملأ المكان:
ـ ـ ـ حتى اسميتك محال واش عرفتها؟
صابر يتلعثم، يبحث عن الحروف التي تكون اسمه، لكن بدون جدوى، فكل الحروف قد غادرت ذاكرته، ولم تعد ترغب في العودة.
ـ ـ ـ اسمي... اسمي... هو... هو
ظل صابر يبحث عن اسمه من بين كل الأسماء، فلم يجد واحدا صالحا يكون هو حامله، ولو لهذه اللحظة الحرجة فقط، نفق كل شيء في ذاكرته الصغيرة، ولم يبق غير صورتين سوداوين، تتحركان ببطء في ضبابية تجرح عينيه وقلبه، صورة الصغار وهم يضحكون، وصورة معلمه التي بدأت تتقلص شيئا فشيئا حتى انطفأ كل شيء، ولم يعد يرى منهما سوى نقطة صغيرة سرعان ما اندثرت هي أيضا في الهواء، تاركة فراغا في ذهنه، وإحساسه بماء دافئ ينسحب في صمت من بين رجليه، تلاه صراخ الصغار، وضحك هستيري ضجت به قاعة الدرس، وأصوات تنادي بجنون:
ـ ـ ـ و البوال.. والبوال.

كالعادة ابداع رائع وطرح يستحق المتابعة شكرا لك اخي الفاضل الاستاذ عبدالمجيد الدهبي
الف مبروك لك الاصدار الجديد .المنفيون أو رحلة معلم إلى للاعزيزة.
بانتظار الجديد القادم
دمت بكل خير

تعلم اخي سعيد بالعيدون أنك تشرفني في أي لحظة وفي أي مكان، وشهادتك تزيدني شرفا ومسؤولية، دمت صديقا فاضلا.

تحياتي أخي الفاضل سعيد المحمودي
شكرا على مرورك الطيب، وأشكرك على حسن طبعك وكلامك وتشجيعاتكم، دمتم دائما بالقرب

اخي الفاضل الاستاذ عبدالمجيد الدهبي
بداية ابارك لك المولود الجديد
فالف ..الف مبروك الاصدار
واسمح لي ان اقول لك كالعادة : ابداعك رائع وطرحك يستحق المتابعة
موفق اخي

والله عند قراءتي المتواضعة لإصدارك الأخير
أعجبني حكيك عن هذا الصابر
وخصوصا عندما دخلت تلك الطفلة الوحيدة التي جرها والدها بالضرب المبرح
وعندما مسح صابر دمعاتها إلى آخر النص
كانت فكرة مليحة ، سرد للواقع المرير بطريقة ذكية
مبارك لنا وجودك معنا احترامي استاذي العزيز

فبالبداية تحياتي وشكري الخاص للأستاذ الحسن ولد المسكين، أسعدني مرورك الطيب
دمت أخي سعيدا على الدوام

أخي محمد تحياتي المتميزة لك ولك أفراد أسرتك الطيبة
شكرا على شهادتك التي تجعلني أمام مسؤولية أظنها أكبر مني، أحس بالسرور عندما أجد قارئا محبا
دمت أخي محمد طيبا كما عرفتك

أتمنى لك كل الخير وكل التقدم
لا زلت صغيرا على الشكر