شخت ولون شعري لم يغير سواده. صرت ذلك الغريب الذي امتطى السفينة دونما اتجاه. اغتربت عن الدار وما زلت أسكنها. وهمي تمادى ليخنق العطر الجميل الذي أنعشني غيرما مرة. أناجي ملائكة الظلام، وأستفيق على سخط الأيام الباهتة التي أرقتني. أتحدث إلى الكرامة، كرامتي التي داستها الأقدام. هي أقدام أقزام تطاولت وعششت وتحكمت في دواليب الدنيا. أتحدث بنبرة الخائف الوجلان عن الماضي الذي احترقت أوراقه فينا. كل ورقة كانت تحمل عنوانا، كانت تحمل قصة، كانت تحمل تعبيرا ممزقا فقد حروف الوجدان. أجلس منكسرا متحسرا وعيني تدمع لرؤية الألوان. بت أرى لونين في كل مكان. أحمر يدوي ويصعق، يبعثر الحقائب، يساوم الحقائق، ويستكين مستسلما ليروي الأرض الجرداء التي لم تنبت إلا خجلا. رمادي يمحو الزمان، يتطاير بشظايا آدم كما يتوزع جيفة هنا وهناك. في بعض الأحيان يكون سمري مع نفسي التي سجنت وراء القضبان. وأي قضبان سوى ذلك الصندوق المعتوه الذي يضخ الخبر الزائف. ويمرر الرسائل الساقطة. أسامر نفسي متحديا إياها بلا أنافة، بلا سلطان. أرى القتل، والتعذيب والتعتيم وأرى الهوى سلطان. أشاهد الحدائق المختنقة، والدمى المحترقة، والكرامة التي نسبت إلى الشيطان. أشاهد الرقص وأي رقص، تتمايل فيه أجساد فارعة، فارغة، بقناطير مقنطرة من المساحيق، وأمواج جثث تتعالى ضحكاتها وتتهافت غمزاتها لتعلن احتضار الحقيقة وانتصار الإفك المترامي في كل مكان. صعب علي التحليل، ورأيت فلسفتي تذوب وتسكن أرقي، بل أضحت فلسفتي سما كأفعى تلسع التفكير لترديه قتيلا كما قتلت من قبل كرامتي. فكيف يحلو الشعر ويحلو السمر وعدستي مملوءة بشظايا إنسان...