الباحت والزجال علي مفتاح

نظم المرصد الوطني للشباب و التنمية بتنسيق مع الاتحاد المغربي للزجل المهرجان العربي الثاني للزجل تحت شعار " الزجل و الهوية الثقافية " فكان لزاما على بعض الاخوة في المكتب التنفيذي الحضور قبل موعد الافتتاح و ذلك لتهييء عقد الشراكة التي سيوقعها الاتحاد مع كل من الرابطة المغاربية للأدب الشعبي و كذا المرصد الوطني للشباب و التنمية ،و هكذا فقد حضر يوم الثلاثاء الى مدينة ازمور كلا من الاخوة رئيس الاتحاد محمد مومر و الكاتب العام علي مفتاح و المستشار ادريس بن العطار و ذلك لمناقشة عقد الشراكة التي كان قد هيأها السيد علي مفتاح و قد حضر من جانب الرابطة المغاربية كل من السيد رئيس الرابطة توفيق ومان و الأمين العام السيد أحمد لمسيح .و قد استمر النقاش لساعات خرج الجمع بتهييء عقد شراكة حدد و بشكل قانوني الغاية و الاهداف منها .شراكة من شأنها أن تدلل المسافات بين الشعبين الشقيقين ، الجزائري و المغربي ،كما أنها ستفتح جسورا من التواصل الثقافي و الادبي ،فكان افتتاح المهرجان يوم الخميس 19 يناير 2012 بحضور السيد عامل صاحب الجلالة على اقليم أزمور و عدة فعاليات اقليمية و وطنية ، التي حضرت من أجل تأثيث فضاء المركب الثقافي بدعمها الفاعل في ترسيخ مبدأ المثاقفة بين الشعوب العربية الممثلة في المهرجان بخيرة زجاليها ،فمن سوريا حضر يحمل عشق هذا الوطن الكبير المسافر في تربة هويتنا ،الشاعر و الكاتب الكبير شاهر خضرة و من لبنان ،الشاعر و الباحث جورج زكي الحاج ،و من مصر الشاعر الجميل طارق أبو النجا كما حضر توفيق ومان و قاضا دحو و ياسين أوعابد من الجزائر وعبد اللطيف بلقاسمي من تونس .و من الجانب المغربي ،فقد حضرت ثلة من الأسماء الزجلية الوازنة ،و التي لها حضورها الفاعل داخل الحقل الزجلي المغربي ،الزجالان ادريس أمغار مسناوي و احمد لمسيح و محمد عزيز بنسعد و ادريس بن العطار و عدة أسماء أخرى أتت و في قلبها لوعة الحرف عندما يلبس جبة لغته الأم .
و هكذا فقد تعاقب على منصة الحفل الافتتاحي الذي أدارته باقتدار كبير الاستاذة الناقدة لطيفة الأزرق التي اعطت في البداية الكلمة للسيد نبيل فهمي بصفته المدير الفني للملتقى ،و قد رحب في كلمته بضيوف المغرب الذين قدموا من لبنان و سوريا و الجزائر و تونس ،كما ثمن الحضور الوازن للأسماء الزجلية المغربية ،ثم اعطيت الكلمة بعد ذلك إلى السيد رئيس المرصد الوطني للشباب و التنمية سعيد الخاتيري ،ثم جاءت كلمة السيد عامل صاحب الجلالة على اقليم ازمور ،الذي طلب في مستهل كلمته قراءة الفاتحة ترحما على كل من الفنان الشعبي محمد ارويشة و الفنان المشاهبي محمد السوسدي ،ثم أعطيت الكلمة لرئيس الاتحاد المغربي للزجل السيد محمد مومر الذي جاءت كلمته داعمة للمسار الذي قطعه الملتقى و هو يرتقي بنفسه من المحلية إلى العربية ،كما توجه بالشكر الى الاخوة في المرصد الوطني على كل ما بذلوه من جهود في سبيل الرقي بالزجل المغربي من خلال سعيهم للإرتقاء بأدبنا الشعبي و اصرارهم على تنظيم ملتقى عربي عرف كيف يأخذ مكانته على الخارطة الثقافية الوطنية و العربية ،ثم أعطيت الكلمة للشاعر و الزجال الجزائري الذي ألقى كلمة باسم الرابطة المغاربية للأدب الشعبي و الذي ركز بدوره في كلمته على أهمية تكثيف مثل هذه الملتقيات لفتح جسور التواصل بين شعوبنا العربية ،فالتقاء ثقافاتنا الشعبية من شأنه أن يدلل المسافات ،و أن يقرب الرؤى بين كل شعوبنا العربية .
و بلغة تعرف كيف تنفذ إلى قلوب كل من سمعها ألقى الكاتب و الشاعر السوري شاهر خضرة كلمة باسم الوفد العربي المشارك في الملتقى ،فكانت كلماته تنسل إلى كل قلب يعشق ترجمة الجمال إلى كلمات .و بما أن هذه الدورة الثانية قد خصصت للإحتفاء باسم زجلي مغربي أعطى الشيء الكثير لهذا اللون الأدبي ،إنه الزجال و المسرحي الكبير احمد الطيب العلج ،فقد أعطيت الكلمة للزجال الكبير احمد لمسيح ليلقي شهادة في حق المحتفى به ،و قد كانت شهادة اعتراف لقيمة المحتفى به و المكانة التي تبوأها احمد الطيب العلج طيلة حياته الأدبية و الفنية ،فكانت بحق شهادة تقديرية جمعت ما بين الطيب العلج الزجال المبدع و الانسان الذي عرف كيف ينفذ بكرم و سخاء إنسانيته إلى قلوب كل من عرفه و على رأسهم احمد لمسيح ،فيكفينا أن نسمع عنوان الشهادة " يا أبانا الذي في الزجل " لنعرف مدى صدق الشهادة التي زكت بمحتواها الثقافي و الانساني ثقافة الاعتراف بالآخر، فكانت بحق لحظة الوفاء للكلمة و هي تنتشل من تراكمات السنين وفاءا و إخلاصا لرجل أفنى حياته لخدمة الزجل و الرقي به .
و من بين الأنشطة التي كانت مدرجة في جدول اليوم الافتتاحي مراسيم توقيع شراكات بين كل من المرصد الوطني للشباب و التنمية و الرابطة المغاربية للأدب الشعبي ،وقعها عن جانب المرصد السيد رئيس المرصد سعيد الخاتيري و السيد توفيق ومان بصفته رئيسا للرابطة المغاربية للأدب الشعبي ،و من جانب آخر تم توقيع عقد شراكة ما بين الاتحاد المغربي للزجل ممثلا بالسيد الرئيس محمد مومر و الرابطة المغاربية للأدب الشعبي ،كما وقع الاتحاد المغربي للزجل شراكة أخرى مع المرصد الوطني للشباب و التنمية .شراكات من شأنها أن تعزز و تقوي حضور الزجل بمختلف المحافل الثقافية مغاربيا و وطنيا . شراكات كانت في جوهرها انتصارا للكلمة المزجالة و هي تجد لنفسها طرقا أخرى لتصريفها عبر فضاءات تتخطى حدود المحلية .
فكان الزجل هو الملاذ الأخير ،و كانت الكلمة بكل حمولاتها الثقافية و التراثية خير ما تسكن إليه النفوس فكان الحرف في بعده العربي ينصت لهويته،يستقرئ في عذوبة كل الحروف العربية الأخرى ،و عبر المدى الممتد من الثالوث المكون لشعار الملتقى " الزجل و الهوية الثقافية " إلى اكتساح كل مساحات النفس المتيمة بعشق الزجل ،استمع الحضور لأصوات عرفت كيف تنسل إلى القلوب بانزياحاتها الآسرة الزجال الكبير ادريس أمغار مسناوي و قصيدته العميقة و الراقية " مراية الزروقية " الزجال المميز محمد عزيز بنسعد و قصيدته " الطنز العكري " التي عكست في بعدها الدلالي واقع الكتابة الزجلية بالمغرب ،الزجال المتألق ادريس بن العطار و قصيدته الباذخة " خاص لمداد بحر " اكتسحت الوجدان ،و عرفت كيف ترسم على خارطة التلقي موقعا خاصا لا يعرف أبجدياته سوى ادريس بن العطار و طريقته المتفردة في إيصال خطابه الشعري ،الزجالة الجميلة نهاد بنعكيدة التي طفا صوتها الأنثوي بعذوبته على سطح عشقنا لكل ما هو جميل ،الزجال المميز توفيق ومان ،الذي أضفى على الملتقى في يومه الافتتاحي مسحة و لا أروع . أسماء و أسماء ،يوحدها الحرف العربي العامي و الصورة الراقية .
و أما يوم الجمعة فقد كان الحضور على موعد مع الندوة النقدية التي كان موضوع بحثها شعار الملتقى " الزجل و الهوية الثقافية " و قد أدارها باقتدار الناقد عبد الاله الرابحي و شارك فيها نخبة من النقاد الأكفاء : الأستاذة نعيمة الواجدي و الأستاذة الباحثة لطيفة الأزرق و الزجال الباحث توفيق ومان من الشقيقة الجزائر ،و بعد الندوة مباشرة كان الموعد من جديد مع الزجل ،بحيث استمع و استمتع الحاضرون بأصوات زجلية لا تجيد سوى لغة الحفر و التنقيب على الجمال الراقي ،و قد كانت الأمسية من تنشيط الزجال المغربي المقتدر احميدة بلبالي الذي كان بحق ذلك رابط الحكمة الذي يمنح التوازن ما بين الصوت الزجلي |الزجال و ما بين المتلقي .
و أما صبيحة يوم السبت فقد انتقل الزجالون إلى إحدى المؤسسات التعليمية ،كي يؤدوا مهمتهم التأطيرية من جهة ثم لإشراك الطلبة في المسابقة التي نظمت لفائدة الشباب ،فكان " المتبارون " كلهم من طينة اختارت أن يكون لها طعم الإبداع ،هنيئا لنا بهؤلاء الشباب الذين اختارتهم القصيدة أن يكونوا سفرائها في مستقبل مشرق بها و بأسمائهم : ادريس فكري ،يونس تهوش ،مليكة سيف الإسلام ،عبد الكريم اليانوس ،عادل لطفي .
و أما بعد الزوال فقد كان الزجل في حضرة الوادي .أم الربيع برومانسية ضفافه الشاهدة دوما على ذلك العشق الأبدي الذي جمع و يجمع حفدة المجذوب بفن القول،نصبت الخيام و امتزج الكلام بالكلام ،و تدفق ماء الوادي ينسل في عذوبته كي يمتزج بالصوت الزجلي،إيقاع جميل و المشهد و من صنعه لا يمكن أن يخرج عن دائرة صناع جنون الكلمات ،هكذا عرفناك يا أزمور برجالاتك و حفرياتك القديمة ،بشبابك في المرصد الوطني ،الذين عرفوا كيف يصنعون مجد الكلمة ،عرفوا كيف تُحمل الكلمة في شموخها و سموها،نصبوا لها الخيام حتى يبقى وادي أم الربيع شاهدا على أن الزجل اختار طوعيا أن يشرب من نبع العشق التعبيري و أن يرتوي و يروي مريديه بحب هذه المدينة الصغيرة في حجمها لكنها كبيرة برجالها و عشاقها .
وفي ختام الملتقى ، خرج المشاركون بمجموعة من التوصيات و التي حتما سيكون تحققها فاتحة خير على الزجل و الزجالين ، أهمها اعتزام الرابطة المغاربية للأدب الشعبي، تنظيم ملتقى للشعر الشعبي تحتضنه الجزائر مطلع شهر أبريل المقبل، يتم فيه بلورة اتفاقيات الشراكة من خلال استضافة عدد من الشعراء المبدعين المغاربة، و في المقابل سينظم الاتحاد المغربي للزجل مهرجانه المغاربي سيحدد تاريخه بعد مهرجان الجزائر ،كما ستتكفل الرابطة المغاربية للأدب الشعبي بطبع ديوان جماعي للشباب المشارك في المسابقة و قد تم تكليف الزجال احميدة بلبالي و الزجال علي مفتاح بتجميع القصائد في ديوان ،و من جهة أخرى فقد تم الاتفاق بين الاتحاد المغربي للزجل و الرابطة المغاربية للأدب الشعبي بإصدار ديوان جماعي يجمع بين دفتيه بعض التجارب الزجلية في كلا البلدين .
هنيئا لنا هذا الملتقى الذي كان بحق انتصارا للكلمة الزجلية ،انتصارا لثقافتنا و لهويتنا ،هنيئا للإخوة في المرصد الوطني للشباب و التنمية بما حققه هذا الملتقى من نجاح ،و بقلوب اختارت السمو بالكلمة ،سنظل نترقب أن يمنحنا وادي أم الربيع فرصة الارتواء من ماءه من جديد ،نقول لكم : شكرا لكرمكم و سخاء تضحياتكم .