الزمان غير الزمان..والمكان تشكلت قسماته ألوانا باهتة كأوراق خريفية..صعد البرج القديم للمدينة..وأطلق بصره نحو الشاطئ متأملا ملامحه الغاضبة..وأمواجه الجامحة..محاولا الغوص في أسراره الضاربة في أعماق التاريخ ..يستقرئ أحداثه..فاتحا المجال لمخلوقاته البحرية استحضار ذاكرته المهجورة..المثخنة بشتى الذكريات المتقوقعة داخل صدفات السنين..وصخور الأيام
دهن سيجارته المنتحرة في شرود غريب..وعيناه مسمرتان نحو أفق تحتضر شمسه..مسترجعا صور واقعه المزري ..المشوب بسويعات الفرح المجهض..في انتظار بزوغ خيوط أمل تلاشت بين الحلم واليقظة..يستعيد ذكرياته بدفء طفولي طالما حن لأيامه الغابرة بعداحالته على التقاعد..ليجد نفسه في بحر لا قرار له من الضياع والتيه والتشرد
استحضر جولاته اللامتناهية بين قوة الشباب ووهن الشيخوخة التي تمارس عليه ساديتها في كل الاتجاهات..حيث المدينة تؤرق فكره بشتى صنوف الغربة المغرقة في مستنقعات الانحلال..مدينة نهارها شمس حارقة..ولقمة عيش مضنية..وليلها يفرز مزيدا من الأشباح الآدمية المقززة ..انها غول يلتهم كل شئ ..ويصادر كل شئ..ويدوس على كل خرائط الكرامة..خصوصا أولئك الذين فقدوا القدرة على التعايش والوقوف في وجه الاعصار الغاضب الذي يجرف الضعفاء والشرفاء
كان يمني نفسه باقتراب أمله الضائع وسط زحام المارة نهارا ..وضياع آدميته ليلا..في محاولة ايجاد ثفب يستنشق من خلاله انسانيته المفقودة واثبات وجوده عن طريق الوعي بها
الوعي بالأشياء بالنسبة له زيف..وضرب من العبث..واثبات وجود الذات ضرب من واقع غير الممنطق واللامعقول
يسير كل يوم في اتجاه صخور البحر..بحثا عن مكان ..عن مرفأ لجسده المثخن بتجارب متضاربة المواقف ..ليلقي بشبح جسده فوق ظلال السنين ..يعد أيامه المتبقية ..بل بعد سويعاته بين مد وجزر..في رحلة البحث عن ذاته الصامدة ..الرابضة على الأرصفة والممرات المترامية هنا وهناك على حدود جغرافية انسانيته المتجدرة داخل رحم أحلامه المجهضة بعلامات قف واشارات المرور الحمراء..حيث أمله يغتال على مرأى من الجموع
يسائل خطاه مسافات يطول مداها بحثا عن بريق أمل متجدد..عن شعاع لابتسامته الضائعة
تسلل نحو نفسه ..خط أمانيه وهما في صراع بين الموت والحياة..ناشدا خيوط ألامه المحتجبة بسحب أيامه المغمورة..تبسم ..ضحك..قهقه ملء شدقيه راسما فرحا مصطنعا
أقبع بسمته وأعاد سيناريو أيامه قائلا :
عارية هي صدورنا
وجبروت الصمت يغازل أفكارنا
يفجر فينا الارتعاش
حيث الشروق يلغي مواعيده
لم نستطع الترجل
مادام النهار عميل الظلام
والأجساد كتخشبة
وهمية هي عقولنا
حين تجتر كينونتها
ننام عبى صفائح الأيام
داخل زنازن الاحتلام الفكري
وبؤر السغب المفاهيمي
لمتناقضات الوجود واللاوجود
الكينونة عبث مفضوح
يثير فينا الاشمئزاز
من واقع متبرز ومتغوط
لا يؤمن بالرأي والرأي الآخر
تهجرنا أرواحنا حين تضيف المسالك
وهاته الشطحات الهمجية تلاحقنا
وسخرية القدر
وبين الحقيقة والوهم
يتجلى عشق المشانق لرقابنا
انه غبش الحياة الحالك
يروض أحلامنا المعتقلة
داخل دهاليز ميلاد موؤود
نناجي ظلالنا البائسة
حيث الرماد
يعبق بأفول أمانينا
تلغينا الذكريات
نصادرنا خيالاتنا
ويصادر العمر بنكهة نرجسية
للمهسترين والمهووسين بعرينا
المستمنين بجوعنا وآلامنا
لحظات يطالها الاغتيال
ويتيه فينا الغياب
انه النشظي في أفصى مداه
نجوب الشوارع والآزمنة هوسا يسكننا
وعقارب الساعة في ارتباك
لتستباح أجسادنا نشوة وانتعاشا
وادمانا
هكذا كان يهذي محموما على اسفلت البرج العتيق..وبكلام مبهم تابع حديثه ..بعدها غاب عن الوعي..
انها لحظات احتضار..احتضار الكرامة ..احتضار العزة ..احتضار الانسانية

جميل هو ذلك القلب الصافي الطاهر اخي الفاضل الاستاذ البوهالي الذي تتفجر ينابيع الابداع منه
لا حرمنا الله روعة مواضيعك ايها الغالي
وبانتظار جديدك القادم محبتي وتقديري

الأستاذ الجليل والصديق الرائع والأخ الفاضل سعيد محمودي..دائما كما عهدتك تشجع كل مبتدئ مثلي والأخذ بيده وتوجيهه ليصل الى بر الأمان ..بورك فيك أخي الجليل وبورك في يراعك المتميز ودمت علما بدواوين التي نعتز بها ..مع أجمل التحيات وأعطر الآماني


الشيخ العجوز البوهالي

[b]
مثل هذا الإبداع الشامخ لا يصدر إلا عن مبدع متمرس ،صارع الأمواج العاتية وخرج منها
برصيد ثمين من الرؤى الفلسفية العميقة والمواقف الإنسانية النبيلة.
دمت سيدي رمزا للقلم الراقي والفكر النظيف
تحيتي.

الأستادة الجليلة الفاضلة أمينة أغتامي..شكرا لك على هدا الاثراء الجميل رغم أنني لازلت في بداية الطريق ..كلماتك نيشان فوق صدري ..شكرا مرة أخرى أستادتي ..مع كامل المودة والآماني لشخصكم المحترم



الشيخ العجوز البوهالي

رحم الله عبدا عرف قدر نفسه وتواضع لله فرفعه
دمت متألقا ورفيع الفكر .جميل العبارة ومؤنسا في الحكي مبدعا في اختيار المواضيع
مواضيع تجمع بين الرقة والعذوبة وصلابة المواقف دون نسيان فنية ورصانة التعبير
لا حرمنا الله من عطائك المتميز رغم كونه يحمل مآسي وظلام الواقع وضيق الأفق
في تمرد يصرخ في وجه الصمت رافضا أشكال الذل وكل التلوينات المنافقة والواهية
وشم العمر حُفرَ على صفحات منتدانا فأنتج لوحة تعرض عمرا ليس ككل الأعمار
مهما قلت حول هذا النص المتميز فلن أوفه حقه .احتراماتي لقلمك المبدع لو تقرضني
مداده فأسطر ما يمتع أهل دواوين,

أستاذتي الجليلة وبنيتي المتمردة حفيظة نسيم ..وقوفك وردك ليس أقل مما سطره قلمي كعصارة تجربة عمرية واقعية.. فأنت يا بنيتي بكل صدق لا أجاملك لك من مقومات المبدعة ما يغنيك عن اقتراض مدادي العجوز الذي بين الوقت والآخر يعلوه الخرف وهستيريا الحمق فيخط ما يخط ..انه قلم يتمرد علي بين الفينة والأخرى ..يحاسبني ..يسائلني ..يعتقلني ليعصرني أفكارا وتجارب طالما حاولت اخفاءها ووأدها .. لكن وسائل التعذيب التي تمارس علي من طرف هذا القلم تجعلني أنزف وأنزف لدرجة فقدان الوعي وبالتالي الاعتراف بما يقرأه المتلقي ..شكرا بنيتي وأعترف لك بشئ أخر هو أنك بردودك تضعينني في قفص لمزيد من الاعترافات ..مع أجمل وأخلص المتمنيات


الشيخ العجوز البوهالي

فمزيدا من الاعترافات والتخفيف عن النفس
ما كان البوح إلا للراحة النفسية ورفض القيود
ننتظر المزيد إن شاء الله من هرم يدعي كونه هرم وشاخ

أستاذتي الفاضلة والابنة الصامدة حفيظة نسيم ..أشكرك على ردك الجميل وأعدك بمزيد من الاعترافات وهي خلاصة لتجارب سالفة ..مع متمنياتي الخالصة لك ودي ومحبتي الصادقة



الشيخ العجوز البوهالي