الرجل الصفر
أسباب السلبية ودنو الهمة
ثم إني أسوق إليك أيها المحب! أسوق إليك أيضاً أسباباً للسلبية ودنو الهمة، لماذا الرجل الصفر أصبح رجلاً صفراً؟ لماذا كثير من المسلمين والمسلمات أصبحوا فعلاً أصفاراً لا قيمة لهم على هامش الحياة، لا معنى لهم، لا قيمة لهم، لا يقدمون شيئاً لأنفسهم فضلاً على أن يقدموا شيئاً لعقيدتهم ودينهم وهدفهم ومبدئهم؟ لماذ؟ اسمع إلى هذه الأسباب التي اجتهدت فيها وأسأل الله أن يوفقني للصواب. ......
الجهل والغفلة عن الغاية التي خلق من أجلها
أول هذه الأسباب: الجهل أو الغفلة عن الغاية التي من أجلها خلق. فأقول لكل إنسان ولكل إنسانة: ألست مسلماً؟ أو لستِ مسلمة؟ ألم ترض بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً رسولاً؟ ألا تعلم أن الغاية التي من أجلها خلقنا هي تحقيق العبودية لله عز وجل في الأرض؟ هذا هو الهدف الذي من أجله خلقنا: عبودية الله، تحقيق العبودية لله تعالى على هذه الأرض. ألا تعلم أن العبادة هي الغاية التي من أجلها خلقت أيها الحبيب؟! إن بعض الناس قد يجهل الهدف الذي من أجله خلق، وبعض الناس قد يعلم ولكنه يغفل وتغفله شهوات الدنيا ولذاتها عن ذلك الهدف. ألا تعلم أن المعنى الصحيح لذلك الهدف الذي من أجله خلقنا وهي عبادة الله عز وجل كما عرفها أهل العلم، لا كما يريدها أعداء الله عز وجل. إذاً: فالغاية التي من أجلها خلقنا هي عبادة الله؛ ولكنها ليست العبادة فقط في المسجد، و ليست الصلاة والصيام والحج والزكاة، لا وألف لا، وإنما العبادة التي يريدها الله عز وجل: العبادة بمفهومها الشامل، العبادة التي عرفها أهل العلم يوم أن قالوا هي: اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة. هكذا يريد الله عز وجل أن تكون العبودية، يوم أن تكون العبودية في كل شأن من شئون حياتك أيها المسلم! تكون العبودية لله عز وجل في مسجدك، وفي بيتك، وفي وظيفتك، وفي شارعك، وفي تجارتك، وفي كل مكان قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الأنعام:162] هكذا هي العبودية، هكذا هو الهدف الذي من أجله خلقنا، وهكذا يريده الله عز وجل، عندها يعلم الإنسان أن كل حركة وكل سكنة وكل نفس، كل شيء يعمله، يؤجر عليه إن أخلص النية لله عز وجل فيه، ويصير عبادة لله عز وجل، حتى وأنت تجامع أهلك، ألم يقل صلى الله عليه وسلم: (وفي بضع أحدكم صدقة).حتى وأنت تمارس الرياضة، ألم يقل صلى الله عليه وآله وسلم : (وإن لجسمك عليك حقاً) حتى وأنت تخرج مع إخوانك وأصدقائك للجلسات والاستراحات، فإنه لإدخال الراحة والاستجمام والانبساط إليهم، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (ابتسامك في وجه أخيك صدقة). المهم.. أخلص النية في ذلك لله عز وجل، واحتسب ذلك عند الله سبحانه وتعالى، والمهم أن يكون ذلك العمل مُرضٍ لله عز وجل، أن يكون الله سبحانه وتعالى راض عن هذا العمل. إذاً: بعد ذلك اعمل ما شئت، وقل ما شئت بهذين الشرطين: أن يكون خالصاً لله، وأن يكون الله عز وجل راض عنه، اعمل وتابع في ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذه هي العبادة. ألا تعلم أن العبادة غاية الذل لله مع غاية الحب له، فأي حب لله هذا الذي أقعدك؟ أين البينة على هذه المحبة؟ فلو يعطى الناس بدعواهم لادعى الخلي حرقة الشجي، فلا تقبل الدعوى إلا ببينة: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ [آل عمران:31] فإذا غرست شجرة المحبة في القلب وسقيت بماء الإخلاص، ومتابعة الحبيب صلى الله عليه وسلم، أثمرت أنواع الثمار، وهذا ما نريده. اسمع لأمنية ربيعة بن كعب الأسلمي رضي الله عنه وأرضاه قال: (كنت أبيت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتيته بوضوئه وحاجته، فقال لي: سل، فقلت -يقول ربيعة رضي الله تعالى عنه- فقلت: أسألك مرافقتك في الجنة) انظر للأمنية وانظر للهمة العالية، فإن ربيعة رضي الله تعالى عنه وأرضاه كما يقول أيضاً الحديث في لفظ عند أحمد في مسنده يقول ربيعة : (أنظرني يا رسول الله! حتى أنظر في أمري، يقول: ففكرت في نفسي فعرفت أن الدنيا منقطعة زائلة، وأن فيها رزقاً سيكفيني ويأتيني، فقلت: أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم لآخرتي، فإنه من الله عز وجل بالمنزل الذي هو به، قال: فأتيت رسول الله، فقال لي:ما فعلت يا ربيعة ؟ فقلت: أسألك أن تشفع لي إلى ربك فيعتقني من النار، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أمرك بهذا يا ربيعة؟ -وقد كان ربيعة شاباً- من أمرك بهذا يا ربيعة؟ قلت: لا والذي بعثك بالحق ما أمرني به أحد، ولكنك قلت سلني أعطك، وكنت من الله بالمنزل الذي أنت به، ففكرت في أمري وعرفت أن الدنيا منقطعة زائلة وأن لي فيها رزقاً سيكفيني، فقلت: أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم لآخرتي. قال: فصمت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: إني فاعل فأعني على نفسك بكثرة السجود). هذه هي أمنية ربيعة، وهذا هو الهدف الأول عند ربيعة رضي الله عنه وأرضاه. إذاً: فالهدف دائماً يكون في مخيلة كل مسلم، الهدف الذي من أجله خلقت هو الفيصل في كل أعمالك وأقوالك وأفعالك وتصرفاتك، فلا بد أن يكون الهدف واضحاً لكل مسلم فهو الضابط له في أعماله، وهو الضابط لحبه وبغضه، لأكله وشربه، لشكله ولبسه، لذهابه ومجيئه، لقيامه وجلوسه، لزوجه وأولاده، لأصحابه وخلانه، لكل شئون الحياة صغيرها وكبيرها، دقيقها وجليلها، أما إذا ضاع الهدف أولم يتضح له فإن الإنسان يتخبط، فمرة في ضياع، ومرة في هموم، ومرة في صلاح، ومرة في شقاء، وهكذا لا يدري من يرضي ذلك المسكين، حتى وإن كان له عقل وبصر، هكذا إذا ضاع الهدف من الإنسان. إذاً: فأول أسباب السلبية ودنو الهمة هو ضياع الهدف، أو الجهل بالغاية التي من أجلها خلقت أيها الأخ الحبيب!
صحبة ذوي العزائم الواهية والهمم الدنيئة
السبب الثاني: صحبة ذوي العزائم الواهنة والهمم الدنيئة: وهذا السبب من أكثر الأسباب تأثيراً، فالإنسان سريع التأثر بمن حوله، ولهذا كان التوجيه النبوي: (الرجل على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل) والحديث أخرجه الترمذي في كتاب الزهد وأحمد في كتاب الأدب وقال الترمذي عنه حسن غريب وحسنه الألباني كما في صحيح الجامع. أقول: إن هذا من أهم أسباب السلبية ودنو الهمة حتى وإن كان أصحابك من الصالحين، لا تعجب! نعم. حتى وإن كان أصحابك من الصالحين ومن أهل الخير، فما داموا أصحاب همم ضعيفة وعزائم واهنة ولا يهمهم إلا مصالحهم الشخصية، والأنس والضحك وقضاء الأوقات بدون فائدة فلا خير فيهم، بل إن صلاحهم حجة عليهم يوم أن يقفوا بين يدي الله عز وجل، فعلى العاقل ألا يغتر بصحبة الصالحين تاركاً عيوب نفسه، بل هذه حيلة نفسية يجب التنبه لها. قال عمر بن عبد العزيز : [إن لي نفساً تواقة، لقد رأيتني وأنا بـالمدينة غلام مع الغلمان، ثم تاقت نفسي إلى العلم وإلى العربية والشعر فأصبت منه حاجتي وما كنت أريد، ثم تاقت نفسي وأنا في السلطان إلى اللبس والعيش والطيب فما علمت أن أحداً من أهل بيتي ولا غيرهم كان في مثل ما كنت فيه، ثم تاقت نفسي إلى الآخرة والعمل بالعدل فأنا أرجو ما تاقت نفسي إليه من أمر آخرتي] انتهى كلامه رحمه الله تعالى. هكذا تكون النفس التواقة، هكذا تكون النفس المؤمنة، كلما رغبت بأمر استطاعت أن تحصل عليه، هكذا تكون النفوس مجاهدة صابرة متحملة، حتى تنال ما تريد. فجاهد نفسك يا أخي الحبيب! جاهدي نفسك أيتها المسلمة! لا نستطيع أن نصل إلى ما يريده الله عز وجل من العزة والتمكين إلا بمجاهدة هذه النفوس، لنجاهد أنفسنا ولنقل لها:
ذريني أنل ما لا ينال من العلا فصعب العلا في الصعب والسهل في السهل
تريدين إدراك المعالي رخيصـة ولا بد دون الشهد من إبر النحل
نسيان الذنوب وقتل الشعور بالخطأ
السبب الثالث: نسيان الذنوب، الغفلة عن الذنوب وقتل الشعور بالخطأ، أو إن شئت فقل: ضياع الوازع الديني أو النفس اللوامة، أو إن شئت فقل -أيضاً- : قلة الخوف من الله عز وجل ، سبب من الأسباب التي جعلت كثيراً من الناس صفراً، أصبح ذلك الرجل الصفر أسيراً لذنوبه فهو لا يستطيع التخلص منها، فلا هي -أي: الذنوب والمعاصي- دفعته إلى العمل الصالح والإكثار منه لعلها تكون سبباً لمحوها وغفرانها، وهذا هو الأصل، الأصل في المسلم أنه إذا أذنب ووقع في السيئات أن يسارع ليعمل صالحاً لعلها أن تمحو تلك الذنوب والسيئات، ولذلك قال الحق عز وجل: إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ [هود:114] وقال صلى الله عليه وآله وسلم: (وأتبع السيئة الحسنة تمحها) هذا هو الأصل، ولكن الرجل الصفر كان أسيراً لذنوبه فلا هي التي دفعته للعمل الصالح، ولا هي -أيضاً- التي جعلته ينظر لنفسه، بل جعلته أسيراً مسكيناً ضعيفاً خامل النفس أسيراً لها. الرجل الصفر أسير للمعاصي والذنوب، قيدته وكبلته، فإذا حدثته بالعمل والتحرك شكا لي ضعفه وكثرة ذنوبه، بل ربما ظن بعض الصالحين لكثرة ذنوبه بنفسه النفاق، حتى وإن تحرك وعمل قال: أنا منافق، وهو ما زال على ذنوبه ومعاصيه، وهذه شبهة أحرقت علينا كثيراً من الطاقات والعقول والأفكار. نرى كثيراً من الشباب صاحب معاصٍ وصاحب ذنوب، فإذا قلنا له: اعمل وأكثر من النوافل، قال: أنا أخشى أن أكون منافقاً، لماذا؟ قال: لأني آتي المسجد وأدخل وأصلي وأنا صاحب ذنوب ومعاصٍ كثيرة. إذاً: فالحل في نظره أن يقعد عن العمل وأن يبتعد عن الساحة، وأن يبقى داخل قفص الشيطان وأوهامه مع الذنوب والمعاصي، وغفل هذا المسكين عن أن خير علاج للذنوب، وخير علاج للسيئات والتقصير هو العمل وكثرة التوبة والاستغفار، فإن أبى فإني أخشى عليه من الانحراف، فالنفس إن لم تشغلها بالطاعة شغلتك بالمعصية.
الزهد في الأجر وعدم الاحتساب
السبب الرابع: الزهد في الأجر وعدم الاحتساب، والغفلة عن أهمية الحسنة الواحدة، وهذا لا شك نتاج الغفلة عن الموت ونسيان الآخرة، وإلا فإن المؤمن مجزي على مثقال الذرة، إن المؤمن مجزي على مثقال الذرة، كما أنه محاسب عليها -أيضاً- فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَه [الزلزلة:7-8] إن قلب المؤمن والمؤمنة ذلك القلب الحي يرتعش لمثقال ذرة من خير أو شر، وفي الأرض قلوب لا تتحرك من الذنوب والمعاصي. لماذا نعمل؟ لنسأل أنفسنا، اسأل نفسك أيها الأخ الحبيب! واسألي نفسك أيتها الغالية! لنسأل أنفسنا جميعاً، لماذا نعمل؟ لماذا نتحرك؟ لماذا نحبس أنفسنا عن الشهوات مع أن الله عز وجل جبل هذه النفس على الشهوات وحبها، فلماذا إذاً نحرمها من الشهوات؟ لماذا نحرم أنفسنا من الجلسات؟ لماذا نجاهد أنفسنا؟ لماذا تبح أصواتنا؟ لماذا نصرف أموالنا؟ لماذا نغض أبصارنا؟ لماذا نحفظ أسماعنا عن سماع الحرام والغناء وغيره؟ لماذا نمسك اللسان عن الكلام؟ لماذا نطعم الطعام؟ ولماذا نكثر الخيرات، ونكثر السلام؟ لماذا نحرص على القيام والصيام؟ لماذا كل هذا؟! الإجابة واحدة، قول الحق عز وجل: إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً [الإنسان:10]. يظن أصحاب الشهوات والمعاصي أنه ليس في أنفسنا توقاً ولا شوقاً إلى هذه الشهوات، بل والله إن في أنفس الصالحين شوقاً إلى كثير من الشهوات، أياً كانت هذه الشهوات: شهوة المال، أو شهوة الفرج، أو شهوة البطن أو غيرها من الشهوات؛ لكن ما الذي يردنا؟ وما الذي يمنعنا؟ إنه خوف الله عز وجل: إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً [الإنسان:9] لعلنا أن نسمع النتيجة بفرح وسرور يوم أن يقول الحق عز وجل: فَوَقَاهُمْ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً * وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً * مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَائِكِ لا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلا زَمْهَرِيراً * وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً * وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَ * قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيراً * وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْساً كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلاً * عَيْناً فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً * وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَنثُوراً * وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً * عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً * إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً [الإنسان:11-22] جزاءً على ما صبرتم، جزاءً على ما حبستم النفس عن شهواتها، جزاءً على ما تكلمتم ونصحتم وأنكرتم وأمرتم، جزاءً على ما بذلتم من أموالكم وفعلتم وتقدمتم وتحركتم، جزاءً على كل خير كان كلمة أو فعلاً، جزاءً على كل شيء قمتم به في هذه الدنيا إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً [الإنسان:22].
الخوف والأوهام
السبب الخامس: الخوف والأوهام: فالخوف أكل قلب الرجل الصفر، أكل قلوب الكثيرين وهم أحياء، فهم يرون ما يجري لبعض الدعاة، ولأجل هذا تعطلت الأعمال بزعمهم وتوقفت الدعوة، فهو يخاف على نفسه تارة، وعلى ولده وعلى عمله، وربما ظن أن كل الناس يراقبونه ويلاحقونه، وهكذا تستمر الأوهام والتخيلات حتى وقع فريسة لها وقعد عن العمل. ونحن نقول: نعم. إن طريق الدعوة إلى الله مليء بالعقبات والأشواك، ولولا والله هذه العقبات وهذه المعوقات لشككنا في طريقنا، ولكن أن نعطل أعمالنا ونحسب كل صيحة علينا ونغلق كل الأبواب حتى وإن كانت مفتوحة فلا، بل هي والله وسوسة شيطان، اسمع لقول الحق عز وجل: إِنَّمَا ذَلِكُمْ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِي إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [آل عمران:175] وإذا سمع المؤمن أقوال المثبطين الخائفين ذكر قول الحق مباشرة: الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ [آل عمران:173]. ورحم الله أصحاب تلك الهمم العالية يوم أن كانوا يطلبون الموت ويبحثون عنه في كل ساحة. أخرج النسائي في (كتاب الجنائز باب الصلاة على الشهداء) من حديث شداد بن الهاد (أن رجلاً من الأعراب جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فآمن به واتبعه، ثم قال: أهاجر معك، فأوصى به النبي صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه، فلما كانت غزوة، غنم النبي صلى الله عليه وسلم سبياً فقسم وقسم له، فأعطى أصحابه ما قسم له، وكان يرعى ظهرهم، فلما جاء دفعوه إليه، فقال: ما هذا؟ قالوا: قسم قسمه لك النبي صلى الله عليه وسلم، فأخذه فجاء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ما هذا؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: قسمته لك، قال الأعرابي: ما على هذا اتبعتك، ولكني اتبعتك على أن أرمى إلى ها هنا -وأشار إلى حلقه- ولكني اتبعتك على أن أرمى إلى ها هنا فأموت فأدخل الجنة) الله أكبر! هكذا كانوا يطلبون الموت رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم (ما على هذا اتبعتك، ولكني اتبعتك على أن أرمى إلى ها هنا فأموت فأدخل الجنة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن تصدق الله يصدقك، فلبثوا قليلاً ثم نهضوا في قتال العدو، فأتي به إلى النبي صلى الله عليه وسلم يحمل قد أصابه سهم حيث أشار، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أهو هو؟ قالوا: نعم. قال: صدق الله فصدقه، ثم كفنه النبي صلى الله عليه وسلم في جبته، ثم قدمه فصلى عليه، فكان فيما ظهر من صلاته -أي: في دعائه-: اللهم هذا عبدك خرج مهاجراً في سبيلك فقتل شهيداً، أنا شهيد على ذلك) والحديث صحيح كما قال الألباني في صحيح النسائي. وانظر إلى تأثير بنات المحدث الثقة عاصم بن علي بن عاصم أحد شيوخ الإمام أحمد بن حنبل رضي الله تعالى عنهما وأرضاهما، ومن أقران شعبة بن الحجاج، وكيف صبر في محنة الإمام أحمد وتقوى على الثبات عندما كتبت إليه بناته بتثبيته على الحق، اسمع ماذا قلن البنات، اسمعي أيتها المرأة! كيف تكون الصالحة معينة لزوجها الصالح؟ قالت البنيات: يا أبانا! إنه بلغنا أن هذا الرجل أخذ أحمد بن حنبل فضربه على أن يقول القرآن مخلوق، فاتق الله ولا تجبه، فو الله لئن يأتنا نعيك أحب إلينا أن يأتينا أنك أجبت . ذكره الخطيب البغدادي في تاريخه. فأي أثر ستبقيه هذه الكلمات في نفس عاصم بن علي؟ إن هذه الكلمات لم تأت من فراغ، بل من تربية جادة على الهمة العالية والغاية المنشودة. فأين نحن من ذلك مع أزواجنا وأولادنا وبناتنا؟ إن همة بعضهم لا تتعدى شهوات الدنيا ولذاتها، فأي تربية هذه التي يعيشها المسلمون مع أولادهم وبناتهم وأنفسهم؟ -والله المستعان-. قال ابن القيم رحمة الله تعالى عليه:
واحمل بعزم الصدق حملة مخلص متجرد لله غير جبان
واثبت بصدرك تحت ألوية الهدى فإذا أصبت ففي رضا الرحمن
والحق منصور وممتحن فلا تعجب فهذه سنة الرحمن
لكنما العقبى لأهل الحـق إن فاتت هنا كانت لدى الديان
التردد والتذبذب والحيرة والارتياب
السبب السادس: التردد والتذبذب والحيرة والارتياب: هذا السبب جعل كثيراً من الناس سلبياً، وجعل كثيراً من الناس صفراً، فهو لا يدري من يرضي ولا يدري من يتبع، ولقلة علمه وضعفه أصبح كالريشة في مهب الريح، تؤثر فيه الأقوال المزخرفة . وأقول لمثل هذا وأشكاله: إن منهج أهل السنة والجماعة وهدي السلف الصالح رضوان الله عليهم، واضح بين لا غموض فيه ولا تزلف لأحد، يشع في النفس راحة واطمئناناً، والالتزام به عامل مؤثر في الاستقرار والاستمرار، فعض عليه بالنواجذ، وانبذ أهل الهوى وجرح الناس ولمزهم، وعليك بالعمل الجاد، عليك بالعمل فإنه خير دليل على سلامة المنهج. فإن الله يطالبنا بالعمل وليس بالجدال والمراء وتتبع الزلات والأخطاء، فاثبت بارك الله فيك، واترك التردد والحيرة، وأكثر بل ردد دائماً قوله صلى الله عليه وسلم: (اللهم إني أسألك الثبات في الأمر والعزيمة على الرشد) فإذا حصل الثبات أولاً والعزيمة ثانياً أفلح كل الفلاح فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ [آل عمران:159]. إياك والتردد، فإذا عزمت على أمر فتوكل على الله.
إذا كنت ذا رأي فكن ذا عزيمة فإن فساد الرأي أن تترددا
عدم الثقة بالنفس
السبب السابع: عدم الثقة بالنفس، والورع الكاذب الذي أصيب به عدد من المسلمين، فتجده يعتذر عن إلقاء كلمة، لأنه لا يستطيع، وهو قادر؛ لكنه الخوف من الفشل والتهيب من المواجهة وهكذا في كل أمر يعرض عليه، فتقتل الطاقات، وتموت المواهب ولا شك أنه مسئول عنها أمام الله، فأعد للسؤال جواباً.
إذا لم تستطع شيئاً فدعه وجاوزه إلى ما تستطيع
أما أن تجلس وأما أن تقعد وأن تتسكع بين شهوات النفس ولذاتها فلن نرضاه لك أبداً، فمتى تتخلص من عقدة ( لا أستطيع ولا أقدر )؟ وإذا قلنا له مثل ذلك قال: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا [البقرة:286]. وأقول: إن في وسعك الكثير، فحاول وجرب وإن لم تنجح، أليس في هذا معذرة إلى ربكم؟ وَمَا عَلَيْنَا إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ [يس:17] ثم إني أنبهك لأمر نغفل عنه كثيراً وهو مهم للغاية ألا وهو: أن الأخيار والنبلاء والعلماء ما برزوا إلا بالشجاعة والثقة بالنفس، وإلا فإن عند غيرهم بضاعة وكنوزاً، ولكنهم تخوفوا وجبنوا فما شعوا وما لمعوا:
حب السلامة يثني عزم صاحبه عن المعالي ويغري المرء بالكسل
وجود أمراض القلب كالحسد وغيره
السبب الثامن والأخير: أمراض القلب كالحسد وسوء الظن والغل، فإذا أصيب القلب بهذه الأمراض انشغل بالخلق عن الخالق، وزادت همومه وكثر كلامه، فلا تسمعه إلا متنقصاً للآخرين مغتاباً لهم، لا همّ له سوى الكلام والقيل والقال، بل هو يحزن لفرح أخيه ويفرح لحزنه، وبلية البلايا أن يرى أنه على حق وكل من خالفه فهو على باطل أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً [فاطر:8] وربما عرف أنه أخطأ واكتشف الخلل، ولكنها الشهوة الخفية -أعاذنا الله منها- في التصدر والترفع وحب الرياسة، أهلكته وأصمته -نعوذ بالله من ذلك- :
قبيح من الإنسان ينسى عيوبه ويذكر عيباً في أخيه قد اختفى
فلو كان ذا عقل لما عاب غيره وفيه عيوب لو رآها بها اكتفى
وأقول: هل أنت رجل صفر أم لا؟ وهل أنت امرأة صفر أم لا؟ امتحان يسير لمعرفة النفس، أجب بينك وبين نفسك على هذه الأسئلة السريعة: انظر لنفسك عند قراءة كتاب بل رسالة من الرسائل الصغيرة. انظر لنفسك عند حفظ شيء من القرآن والاستمرار عليه. انظر لنفسك عندما تريد الإنفاق أو التردد في المقدار. انظر لنفسك عند قيام الليل، بل عند المحافظة على الوتر. انظر لنفسك وتقصيرك في الدعوة إلى الله والشح في الوقت لها. انظر لنفسك عند طلب العلم، والمواصلة والاستمرار على ذلك. انظر لنفسك والشجاعة في إنكار المنكرات وتحمل الأذى في سبيل الله . انظر لنفسك والاشتياق إلى الجنة والسعي لتكون من أهلها. انظر لنفسك واهتمامها بالمسلمين وأحوالهم، وهل تحزن لمصابهم؟ وضابط ذلك: الدعاء لهم . انظر لنفسك في الأعمال الخيرية، والمشاريع الدعوية ومدى حرصك عليها والرغبة فيها. أجب على نفسك عن هذه الأسئلة السريعة وغيرها، حتى تعلم هل أنت رجل صفر، أم أنك رجل ممتاز؟ أجب على نفسك بصراحة، فإن أول العلاج أن تعرف الداء، وأن تعرف أنك أخطأت، فاتهم النفس وقف معها وصارحها، وعندها سينطلق الإنسان.
علاج السلبية ودنو الهمة
أخيراً: ما هو العلاج؟ وما هو الطريق؟ أقول: العلاج يتلخص في هذه النقاط السريعة: ......
وضوح الهدف والغاية
أولاً: وضوح الهدف والغاية والمبدأ -وقد أسلفت الحديث عن هذا-.
ماض وأعرف ما دربي وما هدفي والموت يرقص لي في كل منعطف
وما أبالي به حتى أحاذره فخشية الموت عندي أبرد الطرف
فرحم الله حرام بن ملحان يوم أن عرف هدفه في الحياة، حرام بن ملحان أرسله النبي صلى الله عليه وسلم مع القراء لقبيلة من قبائل مشركي قريش، فكان يعرض عليهم رسالة رسول الله ويبلغهم الرسالة، فأشاروا إلى رجل منهم أن اطعنه من خلفه، فأنفذ الرمح من ظهره فطعنه من ظهره حتى أنفذ الرمح من صدره، فإذا بـحرام رضي الله عنه وأرضاه يلتفت إلى القاتل ويقول: [الله أكبر .. الله أكبر! فزت ورب الكعبة، فزت ورب الكعبة] سبحان الله يا حرام ! إنك تغادر الدنيا وشهواتها، تغادر الزوجة والأولاد، فأي فوز هذا الذي فزت فيه؟! ولكنه يعلم رضي الله تعالى عنه لماذا يعيش؟ إن أسمى أمانيه أن يموت في سبيل الله، وإن أعظم أمانيه أن يصيبه أمر في سبيل الله، وإنه يقرأ في كتاب الله: وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ [آل عمران:169]. ورحم الله خبيب بن عدي يوم أن كان مصلوباً على جذع وكان المشركون يقولون له: أترضى يا خبيب أن يكون رسول الله في مكانك الآن؟ فماذا قال رضي الله تعالى عنه؟! قال: [والله لا أرضى أن يكون محمد بين أهله الآن تصيبه شوكة، ثم قال هذه الأبيات -واسمع إلى الرجل الممتاز يوم أن يعرف الغاية التي من أجلها خلق- قال:
لقد جمع الأحزاب حولي وألبوا قبائلهم واستجمعوا كل مجمع
وقد جمعوا أبناءهم ونساءهـم وقربت من جذع طويل ممنع
إلى الله أشكو كربتي بعد غربتي وما جمع الأحزاب لي حول مصرعي
فذا العرش صبرني على ما يراد بي وقد بضعوا لحمي وقد ياس مطمعي
وقد خيروني الكفر والموت دونه وقد ذرفت عيناي من غير مجزع
وما بي حذار الموت أني لميـت ولكن حذاري جحيم نار ملفع
وذلك في ذات الإله وإن يشـأ يبارك على أوصال شلو ممزع
ولست أبالي حين أقتل مسلماً على أي جنب كان في الله مصرعي
الخوف من الله
ثانياً: من العلاج: الخوف من الله خير زاد لعلو الهمة. احرص على خوف الله، املأ قلبك بخوف الله، راقب الله، اعلم أن الله يراك، استعن بالله سبحانه وتعالى، واعلم أنه معين لك في كل أمر، وأنه مطلع عليك في كل حال وفي كل مكان وفي كل مقام، فكر بهذه الأمور حتى يمتلئ قلبك تعظيماً لله، فإن من كان بالله أعرف كان لله أخوف.
مصاحبة أصحاب الهمة العالية
ثالثاً: مصاحبة أصحاب الهمم العالية:
إذا ما صحبت القوم فاصحب خيارهم ولا تصحب الأردى فتردى مع الردي
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه فكل قرين بالمقارن يقتدي
وقل لي: من تصاحب؟ أقل لك: من أنت.
النظر في سير المجتهدين
رابعاً: النظر في سير المجتهدين، وفي سير السلف الصالح ، وفي أصحاب الهمم والعزائم، اقرأ في السير والتراجم، فلا تترك فضيلة وقفت عليها ويمكن تحصيلها إلا حصلتها فإن القعود عن الفضائل حالة الأراذل.
فكن رجلاً رجلـه في الثـرى وهامة همته في الثريا
التنافس على الخيرات
خامساً: التنافس على الخيرات والشعور بألم الفوات، اسأل نفسك بحق كم يفوتك من الحسنات؟ كم من الناس اهتدوا فكانوا في موازين الآخرين؟ اسأل نفسك لماذا لم يكن هؤلاء الذين اهتدوا في موازين أعمالك أنت ؟ لماذا لم تكن أنت الذي مد يده بشريط أو مد يده بكتاب، أو لسانه بكلمة طيبة، أو عقله بفكرة أو طرح؟ فالله عز وجل يقول: فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ [البقرة:148] ويقول: وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسْ الْمُتَنَافِسُونَ [المطففين:26]. إن مجرد فكرة تقولها أيها الأخ! وتطرحها في مجلس من المجالس يعمل بها لك أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة. من قال أن الوقف لله يجب أن يكون مالاً أو عقاراً؟! يمكن أن تطرح فكرة للمسلمين عامة فيعمل بها، فتكون هذه الفكرة وقفٌ لله تعالى، أنت صاحب الوقف تؤجر عليها إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
البحث عن أسباب أخرى للعلاج
سادساً: فتش عما وراء الأكمة، أي: ربما كانت هناك أسباب أخرى خفية لسلبية بعض الناس، فربما كان فلان شاباً قوياً جلداً نشيطاً، صاحب مواهب وابتكارات؛ لكنه صفر، لماذا؟ بسبب سوء التخطيط أو سوء التوجيه، فليتنبه لذلك المربون والموجهون، فقد يكون سبباً رئيساً في سلبية كثير من تلاميذه ومن تحت أيديهم، وليس في هذا تبرئة للرجل الصفر، إن عليه الحرص والاجتهاد، وأنه يجب عليه ألا ينتظر الفرص بل يبحث عنها، وألا ينتظر الموجه، فإن وجد وإلا فالتجربة خير برهان، فليتوكل على الله ولينطلق. وأخيراً أقول:
وإني لمشتاق إلى كـل غايـة من المجد يكبو دونها المتطاول
بذول لمال حين يبخل ذو النهى عفيف عن الفحشاء قرن حلاحل
و الحلاحل هو: السيد في عشيرته، الأمير في مجلسه. نعم أيها الإخوة في الله! فوصيتي لنفسي ولكل مسلم ومسلمة يؤمن بالله واليوم الآخر ألا تضيع عليه ساعات عمره إلا بنفع وفائدة، فأنت والله مسئول أمام الله عز وجل أن تعمل ما بوسعك وألا تحتقر نفسك . إن تلك المرأة السوداء استطاعت أن تكسب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم واستطاعت أن تجعل التاريخ يسجل اسمها. اسأل نفسك: لماذا حصلت على هذا وكيف؟ لأجل أنها عملت للإسلام عملاً هو قدرتها وهو وسعها، وهو عمل في ميزاننا اليوم عمل حقير، إنها كانت تقم المسجد. ما أحقر هذا العمل في ميزاننا اليوم؛ ولكن ما أرفعه عند الله يوم أن كان هو وسعها وهو قدرتها. فأين أنت أيها الأخ الحبيب؟! وأين أنت أيتها المسلمة؟! سجل اسمك في التاريخ، ليكن قلبك كبيراً يتسع لهموم الآخرين، وليكن همك حاراً لإصلاح الجميع، أحسن النية واجعلها سباقة فإنك تؤجر عليها، ولو لم يتيسر لك العمل، فرق كبير بين قولك: (اللهم اجعلني من الصالحين) وبين قولك: (اللهم اجعلني من الصالحين المصلحين). فرق كبير بين قولك: (اللهم انفعني) وبين قولك: (اللهم انفعني وانفع بي).
إذا كانت النفوس كبارا تعبت في مرادها الأجسام
ولكل جسم في النحول بليـة وبلاء جسمي من تفاوت همتي
متى يستيقظ الأخيار إن لم يستيقظوا الآن؟ متى يتحرك الصالحون إن لم يتحركوا الآن؟ متى يستيقظ المسلمون إن لم يستيقظوا الآن؟ أليس في قلوبنا غيرة؟ أليس فينا حياة؟ متى نشعر بالتحدي وأعداء الله عز وجل يشمتون بهذه العقيدة ليل نهار؟ جعلوا الباطل حقاً، والحق باطلاً، وجعلوا الوضيع شريفاً والشريف وضيعاً.
كل المصائب قد تمر على الفتى فتهون غير شماتة الأعداء
اللهم إني بلغت، اللهم فاشهد ..
رب تقبل عملي ولا تخيب أملي
أصلح أموري كلهـا قبل حلول الأجل
سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.