ناجي فرحات مشرف الشعر
المدينة : سوريا - دمشق عدد المساهمات : 370 معدل النشاط : 442 تاريخ التسجيل : 21/09/2010 العمر : 59 الموقع : emmigrant.modawanati.com
| موضوع: صراع البقاء في القمة .. المرأة الإلهة في مواجهة الرجل... الجمعة 15 أكتوبر - 11:17 | |
| إن قضية المرأة - المساواة مع الرجل- قضية أزلية بدات فصولها في مستهل التاريخ الإنساني ولم تنته بعد. تناضل المرأة اليوم من اجل الحرية والمساواة، ليس في وطننا العربي فقط، وليس في العالم الثالث المتخلف، بل في أرقى دول العالم، ولم تشعر يوما أنها حققت ما تريد. ومن جهة أخرى لم يزل الرجل مهيمنا، سياسيا واجتماعيا واقتصاديا، بالطبع عرفت المجتمعات البشرية بعض الشخصيات النسائية البارزة، ولكنها لا تصلح أن تكون مقياسا لتحرر المرأة ومساواتها مع الرجل لندرتها. ونرى المرأة مختفية في ظل الرجل، يعاملها على أنها مواطنة من الدرجة الثانية، لا اعتبار لها ولا سلطة. وهنا لابد من سؤال يطرح نفسه وبقوة، هل هذا هو واقع المرأة على مر العصور، وهذا ما دفعني للبحث والوقوف على الواقع الذي كانت تعيشه المرأة لنتبين المكانة التي احتلتها عبر مراحل التاريخ. في المراحل المبكرة من تاريخ النشوء الإنساني، لم تكتف المرأة بأن تقف على قدم المساواة مع الرجل اجتماعيا واقتصاديا، بل كانت سيدته المطاعة وقائدته ومعبودته، والآلهة الإناث كانت تعبد وتحترم حتى نهاية عصور الحضارة الشرقية، ورغم محاولات الذكور من اللاهوتيين التلاعب في رتبة الآلهة، فإن الآلهة لم تصبح كلها ذكورا. وفي استعراض أولي: - من خلال قراءة في وثائق الملك السومري (( أوروك آجينا )) 3250 ق.م، والذي حكم مملكة ( لجش )، وهي مملكة هامة في الجنوب الرافدي، كشفت بعثة فرنسية عددا كبيرا من اللوحات المكتوبة بالخط المسماري واللغة السومرية، وترجمت جميعها: - ومن لوحة وُصفت بأنها وثيقة إصلاح اجتماعي نقرأ (( إن النساء في الأيام الماضية، كانت تتزوج من رجلين، ولكن المرأة اليوم، إذا حاولت أن تفعل ذلك، فإنها ترجم بحجارة منقوش عليها " نيتها الشريرة هذه " )). نستخلص من هذا أن المرأة كانت تمارس تعدد الأزواج، أي انه مجتمع أقل ما يقال فيه، أنه بعيد عن هيمنة الرجل وسيادته. وحتى زوجة الملك (( أوروك آجينا )) وهو المنحاز للذكورة ضد مكانة المرأة، كانت تملك أطيانا وعقارات تقوم بإدارتها بنفسها وتشرف على تسيير أمورها، على قدم المساواة مع زوجها. - أما الملك الأكادي صارغون: فقد عين ابنته " أنخدوانا " رئيسة للكهنة في معبد إله القمر في أور، وهو اكبر معابد الآلهة الذكور، وكانت " أنخدوانا " أديبة وشاعرة ولها ما لايقل عن ثلاث مؤلفات أدبية. - في الأدب الكنعاني نجد عشيرة " عشتار" زوجة كبير الآلهة " إيل " تسكن في منزل خاص بها، ويتردد إليها الزوج بين فترات متقطعة، كما تقوم هي بزيارته في مسكنه الخاص، فالعلاقة بينهما علاقة يسودها الاستقلال لكليهما، وهي ليست علاقة يسيطر فيها الرجل على المرأة. - البصمات الفكرية الأولى للإنسان والتي كانت عبارة عن دمى طينية، وجدت بأعداد كبيرة وكانت تمثل المرأة . ولم يظهر الرجل إلى جانبها إلا في فترات لاحقة من مسيرة التطور الحضاري للإنسان. ومثلت هذه الدمى المرأة في أوضاع مختلفة، ولا شك في أن هذه الدمى جسدت فكرة الأمومة والخصب، وسيطرتها على الحيوانات والطبيعة، وفكرة الحياة والموت. (( في تل المريبط 80 كم شرق مدينة حلب السورية، عثر على دمية أمراه عارية يعود عهدها إلى الألف التاسع ق.م ))، وهو أقدم عمل فني يمثل المرأة. والظاهرة الرئيسية والبارزة في حضارات الشرق القديم، تعظيم المرأة وتأليهها، باعتبارها مصدر الحياة والموت، لما تملكه من قدرات للتحكم بمصائر البشر. فإذا كانت المرأة في العصور الحجرية قد مثلت الآلهة، فقد تطورت مكانتها في المجتمع الزراعي، فهي التي بفضلها تخصب المراعي والسهول، وتتكاثر الحيوانات، وهي التي تسبب عودة الاخضرار والحياة، بنظرة أولية نرى أن المرأة تبوأت أعلى المناصب وكانت زعيمة روحية، ذات أهمية سياسية، كل ذلك كان قبل 5000 سنة من يومنا هذا. * * * إلا أن وضع المرأة تردى كثيرا ابتداء من الألف الثاني ق.م، وأصبح الرجل هو السيد المطلق وكلمته هي النافذة، وطبيعي أن يرافق هبوط المرأة في مستواها الاجتماعي البشري، هبوطا مماثلا على مستوى الآلهة، لذا نراها تخوض الصراعات الكبيرة للحفاظ على مكانتها في مجمع الآلهة، كما فعلت الآلهة أنانا - عشتار، حتى لا تختفي من الوجود مثل بعض نظيراتها. واستمر الرجل في إيجاد الحيل المناسبة، لسلب المرأة الآلهة مواقعها، فكان أما يزوجها برجل، وينقل اختصاصاتها إليه تدريجيا، أو يتجاهلها نهائيا وكأنها لم تكن يوما سيدة المجتمع الأولى والمنجبة للآلهة والبشر على السواء. ونرى هذا الانتقال جليا من خلال ما يسمى بالزواج الإلهي المقدس، فمثلا تندمج عشتار آلهة الخصب بأنانا سيدة السماء السومرية وتستقبل عريسها في رأس السنة لتحتفل وإياه بعرسها المقدس، وهو الراعي الذي اختارته قرينا لها من البشر في مدينتها اوروك المقدسة لتمنحه الخلود والحياة الأزلية، والذي سيصبح أسمه دوموزي، وسيتعرض لاحقا للموت والفناء، دلالة على أنه مهما بلغ من القوة لا يمكن أن يرقى لمرتبة الإله، وكذلك تتكرر الحالة في ملحمة جلجامش. ومن القصائد التي تصور استعداد العروس للقاء عريسها الإله: " عندما اغتسل من أجل ثور الوحش.. من أجل سيدي... عندما اغتسل من أجل الراعي دوموزي ... عندما أطيب فمي بالعنبر... عندما أزين عيني بالكحل .. عندما يحيط خصري بكلتا يديه الجميلتين .... " وهذه القصيدة تصور دعوة سافرة على لسان المرأة لممارسة الحب المكشوف وتحريض الطبيعة على التجدد، في موسم الزواج المقدس احتفالا بعودة الإله المفقود للحياة. * * * المرأة وأسطورة الخلق: عندما يتبارى إله الأعماق والمحيطات (( إنكي )) مع الإلهة الأم، في عملية الخلق، تقهره وتتفوق عليه، فعندما قامت بزرع ثمانية أنواع من النباتات، لتخلق منها الآلهة، يلتهمها الإله (( إنكي )) واحدة تلو الأخرى، فتسلط عليه ثمانية أوبئة، كادت أن تقضي عليه لولا تدخل بعض الآلهة لإنقاذه. فما كان منها إلا أن أجلسته في حضنها واستلت منه أمراضه الثمانية بواسطة ثمانية آلهات أوجدتهن لهذا الغرض، فقد كانت قدرتها لا حدود لها، تستطيع أن تهب أو تسلب الحياة حتى من إله كبير ذكر كـ ( إنكي ). لقد كانت المرأة أما للآلهة كلها وللبشر أيضا فهي موجدتهم على السواء، وهي التي ارتبط اسمها بالخصب والإحياء للطبيعة. وفي فترة لاحقة عندما فقدت المرأة الإلهة مكانتها، وتحول المجتمع للسيادة الذكورية، فبعد نزول عشتار إلى عالم الأموات يطالعنا النص الآشوري التالي: " منذ أن نزلت عشتار إلى أرض اللاعودة.. لم ينّز الثور على البقرة.. ولم يلقّح الحمار الأتان.. وفي الحي لم يلقّح الرجل العذراء.. فالرجل يرقد في مخدعه.. والعذراء على جنبها ...". فالإلهة عشتار لم تترك وظيفة من وظائف الكون ولم تشارك فيها، فهي سيدة الحيوانات والنباتات، الإلهة المحبوبة لدى البشر والقريبة منهم،من نفوسهم وغرائزهم، هي كل شيء باختصار. صراع الآلهة على السلطة: مع ظهور الملكية وانتقال المجتمع من الزراعي إلى المديني وقيام الممالك، نرى الصراع بين أوروك مملكة عشتار المقدسة ومملكة أريدو التي يحكمها الإله إنكي، حيث أُعطيت لإنكي النواميس المقدسة، وبدأ يحاول السيطرة على أوروك، فما كان من عشتار إلا أن استخدمت دهائها وغوايتها، ومن خلال الحيلة والخداع، قامت بانتزاع النواميس المقدسة من الإله الخطير إنكي ونقلتها إلى أوروك. - من هذه الحادثة الأسطورية، نرى أن المرأة لم تعد أصل الوجود، والقوة المبدعة على الخلق، وإنما تتحول إلى أنثى ذات مفاتن جسدية، تستخدمها لغواية الإله إنكي، ثم لتصبح في أماكن لاحقة من الأسطورة سواء كانت إلهة أو بشرا، أداة متعة، ووسيلة ترفيه للذكر، وتدخل في نطاق ملكيته الفردية. فمثلا عندما يدرك عشتار التعب في أحد الأماكن وتنام في بستان يملكه فلاح بشري وتبدو مفاتنها، نرى هذا الفلاح يقوم بمضاجعتها، ثم يهرب ويختبأ خوفا منها، وعندما تستفيق وتعلم ما جرى تغضب غضبا شديدا وتذهب للإله أنكي لطلب مشورته ومساعدتها..... وهنا نرى التدني في وضع المرأة وهبوط مستواها من القدرة الكلية إلى العجز عن اتخاذ إجراء انتقامي لشرفها المغتصب من فلاح بشري بسيط، بل وأكثر من ذلك تلجأ إلى بشري ليقوم بالانتقام لشرفها. ومن هذا نرى أن صعود وهبوط الإلهة الأنثى، رافقهما صعود وهبوط في وضع المرأة الاجتماعي عبر مسيرة التاريخ الطويلة، فنراها تتحول من خالقة لمجرد أنثى، ومن قوة فاعلة، للجوء إلى قوى البشر لحمايتها. * * * المرأة بعد الأسطورة: نجد المرأة قد تنحت عن مركزها القيادي، بعد ظهور المجتمع الطبقي في الشرق القديم، ونشوء السلطة والحكم في الممالك السومرية،وبعد نشوء الكتابة والتدوين. - فنشوء الكتابة والتدوين كان له أثرا كبيرا في ازدياد نفوذ الرجل الذي احتكر كتابة التاريخ بمعزل عن المرأة، كما رأينا سابقا من خلال القوانين التي سنها الملك ((أوروك آجينا)) السومري، ولكن هذا لم ينه دورها كليا، فإننا نجد في أحدى وصاياه : " عليك إن تصغي إلى كلمة أمك، كما تصغي إلى الله". - أما في المجتمع البابلي 2000 ق.م، ومن خلال شريعة حمورابي نجد أن المرأة أكثر تحررا من العهد السومري، حيث نجدها تشارك الرجل أعماله، وتقاسمه أعباء الحياة اليومية، ونرى أن شريعة حمورابي مع أنها أعطت المرأة حقها الكامل في ممارسة نشاطها التجاري، دون وصاية عليها، من الزوج أو الأب أو الأخ، إلا أنها تدخلت في حريتها الشخصية، ومنحت بعلها الحق في استخدام القوة، لإرغامها على طاعته والانصياع لرغباته، وهذا الحق يخوله بيعها أو رهنها أو تأجيرها. - أما في المجتمع الآشوري، مع أنها كانت تحظى تقريبا بمساواة تامة مع الرجل، إلا أنها كانت تجبر على الخضوع له والاستسلام الكلي لإرادته، فمثلا كان يتعهد الرجل المقدم على الزواج لخطيبته أن لا تشاركها امرأة أخرى، حياتها الزوجية في المستقبل، كما كان يحق للزوجة أن تطالب بالطلاق كالرجل، ومن جهة أخرى بعد وفاة زوجها وعودتها إلى الأوصياء كالأب والابن والأخ، فإنه يمكن لأي من هؤلاء التصرف بها كما يشاء من بيع أو رهن أو تأجير. * * * المراجع: عبد الحميد ديوان ( موسوعة أشهر النساء في التاريخ القديم منذ فجر التاريخ حتى العصر الجاهلي). أيلزه زايبرت ( المرأة في الشرق القديم). نائل حنون ( شخصية الإلهة الأم ). دكتور/ عبد المنعم جبري ( المرأة عبر التاريخ البشري ). محمد وحيد خياطة ( المرأة والإلوهية). طه باقر ( ملحمة جلجامش ). فراس سواح ( ملحمة جلجامش ). فراس سواح ( مغامرة العقل الأولى). كتاب مترجم ( آلهة وأساطير في الشرق الأدنى ). فاضل عبد الواحد علي ( أناشيد الزواج المقدس). | |
|