صرخة رجال
من مجموعتي القادمة " خيل و ملائكة" .
إلى روح كل من محمود درويش،نزار قباني، يوسف شاهين و العربي باطما.
رأيت نجمته القطبية تتلألأ في سماء مهرجانات أوروبا العالمية، يأخد صورا تذكارية. صورا توقف عقارب السّاعة ، تؤرّخ لعطاءاته الفكرية فوق تراب أعجمي...بعيون مصوراته . صور ما لا يصور ، و بأنامل فكره لامس ما لا يلامس ، عاش غريبا في بلده العربي ، عاش ضيقا و ضغطا...إلى أن انفجرت قارورة غاز نفسه ليسقط بين أيدي حاضنة فوق أفرشة ناعمة و خشبات سينمائية دولية. كان قادما على البساط الأحمر و الجماهير تهتف إليه" يوسف، يوسف.......جوزيف".
من حين لآخر في سهو يجد رأسه ممسوكا بين راحتي يديه مفكرا في أصله العربي و فصله العروبي، و في ثقافته الإسلامية، خياله عالق و غارق في تاريخ الأمة ، يتذوق طعم مرارة انهيار الامبراطورية . يحنّ إلى زمن أوج التاريخ ، تاريخ الأنبياء المليء uبالعذابات و الخدوش، تاريخ الفلاسفة العظام ، فلاسفة الأندلس الذين أحرقت كتبهم فوق رؤوسهم المفكّرة بغية تبديد أفكارهم النورانية ، أفكار تخرج نتيجة تفاعلات ذهنية و تجارب يومية مبنية على ركائز علمية، نابعة من يمّ العلوم الربّانية...موجات فكره الناتجة عن تيارات هواء محيط العلم ولدت صعقات كهروذهنية ورث منها أمراضا نفسية ...
"لا يحمل الهمّ إلا الذّي يفهم " كيف لا يحمل همّا و أرضه مغتصبة من طرف سلالة التائهين في الأرض أربعين يوما ، كيف لا يحمل همّا و رأسه يحمل مخيالا خصبا، كيف و أنا أراه دائما في مختبره يحدث إخصابا اصطناعيا لخلاياه الجنس_فكرية ، يريد أن يصنع ابنا، وليدا قرطبيا آخر يفضح به كل المهرولين إلى موائد أمريكا ولاحسي أيدي بني صهيون و عبيد شياطين الدولار و الأورو...وهو يصرخ تحت الحصار "صرنا نفعل مثل ما يفعل العاطلون عن العمل ، نربّي الأمل، صرنا أقلّ أملا،أعداؤنا يسهرون و يشعلون لنا النور في حلكة الأقبية ، ولا ليل في ليلنا المتلألئ بالمدفعية، هنا سيمتدّ الحصار إلى أن نعلم أعداءنا نماذج من شعرنا الجاهلي، السماء رصاصية في الضحى، برتقالية في المغرب...."كما يقول صاحب قصيدة "عاشق من فلسطين".
مرارة الأسئلة دائما تلسعه كما ينطق بها لسان الحال...حال الأمة الرديء، حيث يطلب الله إذا ما تبدّد الضباب الدائر بأمّته ، يومها سيصبغ خيمته بالجير الأبيض...كل يوم يشكو السماء، لا يفكر إلا في الرّحيل و الرّحيل إلى الألم ، يستنجد الأصدقاء " يا صاح ، يا صاح إنني وسط الحملة ، لا حرمة أبقيت ولا دين ولا عبادة، نضيع الكبرياء، وماذا عند السماء لمرضى كسلاء، الشهادة خرجت من قلوب معلومة، خمر ، حشيش، قمر ،ومن نعت لنا بسبّابته لارتكاب أفعال مذمومة، نصلي ، نزني ، و نحيا تكالى، و ننادي يا ليل ، في الشّرق كما في الغرب العربي ، لمّا يبلغ البدر تمامه، نتعرّى من كلّ كرامة
و نضال، ملايين العرب لا تلتقي الخبز إلا في الخيال، الزعماء يشنقون بالحبال و العشرات يستحيلون جثثا أمام الحانات،رجال ماتوا برسائل ملغومة، و زنازين مكتظّة كعلب سردين مضغوطة، الفضّة الصّافية التي كانت لم تعد تظهر، و بالنحاس عمّرت الحوانيت و لم يبق لديك ما تأخذه إلى الخيمة. أراه يمضغ المرارة و يكتب بلغة دبلوماسية: " يا أمّة العرب إتّحدي...، يا أمّة ، سقطتْ.. للمرةِ الخمسينِ عذريّتنا...دونَ أن نهتزَّ..أونصرخ.. أويرعبنا مرأى الدماءْ.. ودخلنا في زمانِ الهرولهْ.. ووقفنا بالطوابيرِ، كأغنامٍ أمامَ المقصلهْ وركضنا.. ولهثنا وتسابقنا لتقبيلِ حذاءِ القتلهْ.. "...
مرارة السؤال : لماذا تقدّم الغرب و تأخر العرب؟ فتختلج نفسه مرارة الجواب : ما الفرق بين العرب و الغرب إلاّ نقطة واحدة. الغرب سبقونا في الدين ، سبقونا في الدنيا و العرب ظلوا متأخرين في الدين و الدنيا. العرب يعملون كما يعمل الغرب. يعملون أينما وجد الغرب .
النجمة القطبية تسائل نفسها : ماذا يجب علينا أن نفعل لنكمل الرّحلة وسط هذه القافلة التي تسير من القطب إلى القطب مرورا بالصحراء...وسط ضجيج الهواتف النقّالة، ولغة الحواسيب الصمّاء، والرسائل القصيرة والايميلات و الشات بالكاميرا و الفيزيو فوني...
سنسلكها خطى يجيبه رأسه. تبّا لهؤلاء الذين ناموا في الأندلس ، تبّا لهؤلاء الذين باعوا القدس، تبّا لهؤلاء الذين سلّموا سبتة و مليلية. هنا الفساد و أن تبقى هنا معناه أن تصبح فاسدا.
لا بدّ من الاجتهاد يقول ، لابدّ من قراءة ثانية و ثالثة للتراث ولا بد من البحث العلمي في عمق التاريخ واعتصار آلة الفكر والمخيال العربي بعد إصلاحهما . حتما سنخرج من عمق بحر ظلمات اليأس و عنق زجاجة المهانة و سنصبح ككوكب ذرّي ينير البسيطة بعولمة عربية ربّانية النور...
يعيش مرارة الواقع المرفوض و المفروض، واقع ذلقراطية المهدي المنجرة، واقع عربي رديء وضبابي الطقوس، ملوث، عظام جسمه كسيحة لكنها تقاوم نزلات برد الزمن، زمن انهيار جبل دولة الراية الخضراء ، و ظهور خسوف العصابات المافيوزية التي تشبه مافيا إيطاليا والروس...جسم مخترق بسوس الرشوة و كرامة تئن تحت الأنقاض. الملعونون جائعون مسحوتون ، عبادو شمس أمريكا وزرقة أعين أوروبا...تركوا العرب لا يعلمون للعلم اتجاها و لا للمعرفة أرضا.
صاحب النّجمة القطبية مخنوق، يلاحظ أن العربي أصبح لا يفكّر إلا في كسرة خبز، حتى لو وجدها في قمامات الغرب. تكفيه ملعقة أرز بعيدا عند شعوب آسيا ،ولا كأس خزي في وطنه...
أبناء العرب مصيرهم مجهول كمصير كلب ضائع ، كمصير تربتهم الطيبة الرائحة التي يريدون مغادرتها قهرا وقسرا، كمصير مدنهم التي لازالت مصفّدة اليدين ، منزوعة بطاقة الدِّين. مدن ممنوع على العربي، و كل أبناء عمومة صاحب النجمة الدخول إليها . و إن سمح لهم بالولوج ، لا يلجون إلا بعد أن يلج الجمل سم الخيّاط. يلجون فرادى تحت أعين المراقبة السوداء و عدسات الكاميرات اللاّصقة عن قرب وفي كل مكان . تستحيل شخصياتهم إلى موجات كهرومغناطيسية تجري بين حواسيب المخابرات . مدن لها أمجاد واليوم لها أصفاد وراء ظهرها وأوغاد يلوثون بطنها...منها أنبياء عرّجوا إلى السّماء و منها من أسرى فاتحا أوروبا التي أضحت تمشي على أرجل عرجاء !. القدس ، سبتة و مليلية ، بغداد... تقول ، تصرخ في وجه الملاعين " متى سنتحرّر؟ ، متى ستزال الأصفاد؟..."تجيبها المدن الحرة: " دوام الحال من المحال كما هتف باطما." لا تيأسوا من رحمة الله.... أبناء صلاح الدّين آتون... " طال الزمن أو قصر.. لا بدّ يوما ننتصر ، سننتصر" تردّ تلك المدن الشريفة و تضيف " سيأتي يوم تتقلّب فيه الأحوال وتبدّل دموع الحزن بدموع الفرح...سيعود الحمام إلى القدس و يتوالد إلى أن يكثر ، أما الحمام الذي كان... فقد قتل برصاص حفدة الخنازير و القردة كقتلهم للأنبياء و الرسل. ستعود أسود الأطلس لتزأر بين جبال الأطلس و الريف. ..و ستغسل الدموع في نهر أم الربيع ...
لا زالت القدس تُنعي و تبكي شعراءها ، و لن تتوقف عن الإنجاب حتى و إن لم يكن هناك اخصاب ...
أبواب الرحمة مفتوحة . الأبواب لن توصد من طرف أبناء شارون....و "سبليون" .ودم العُربان لن يستحيل إلى ريح. الريح يمكن أن تستحيل إلى سحابة دكناء بالعلم و العمل...ستلد القدس دراويش آخرين، سيقاومون بأسلحة الراية الخضراء ورؤوس الأقلام الحادّة...
" يا عربي ، هذا صهيوني ورائي يهاب الموت ، إقترب ، أقتله" تصرخ أشجار فلسطين. الإسبان يعلَمون أشدَّ المعرفة أنّكم راجعون ...يختبؤون وراء سبتة و مليلية - المدينتان اللتّان تشبهان أنياب أسد أطلسي موجّهة نحو الغرب برؤيتهما بعيون قمر اصطناعي - خوفا من زحف جيوش طارق بن زيّاد نحو الفردوس المفقود، ." أريد التحرير من رائحة الخنازير و أريد أن أزرع مكانها رائحة المسك و أن أغرس راية خضراء من جديد. خضراء كخضرة أشجار صنوبر الأندلس . الأندلس ستتكلم لغة الضّاد الفصيحة البليغة بلسان عربي محلّى بتمر صحراوي و مروي بماء زمزمي ، هناك تشرح آيات الخلق و الجمال ، آيات الطبيعة و الكون ، سماء تنظر إلى أرض ربانية ، جبال شامخة كقمم الألب والأطلس في خشوع دائم كخشوع متصوف في خلوة يؤدي المناسك للمحرك الأول"تردّد كلّ المدن المتحرِّرة...
ب/د/الزيراوي