دخل المسرح،صعد على الخشبة فرفع الستار، صفق وصفق له الحاضرون، سمع ضحكات متعالية من هنا وهناك ،افرحه المنظر بل اذهله،انه لم يقدم بعد عرضا يستحق الضحك والتصفيق، انه البهلوان.تحرك بكل حريةواطمئنان على الخشبة ، تغمره فرحة عظيمة، الاعناق تتطاول لرؤيته ،هتافات الجمهور، انه معبود الجماهير.اخذ ينظر الى هذا وهذه،هنا وهناك باشارات مختلفة متنوعة مضحكة،يخاطب الصغير والكبيرالجاهل والعاقل الامي والعالم المراة والرجل...يكتسي حيزا كبيرا في قلب هذا وعقل ذاك وروح تلك.منحته الحياة الابتسامة الصادقة والقلب الكبير والكلمة الطيبة ...منحته كل ماهو جميل ومفتقد عند الناس،فهو يمسح الدموع ويدغدغ الافكار ويصلح النفوس ويحرك القلوب،فشانه شان الجوكيريعوض كل نقص بل ويحل محله.على خشبة المسرح يقدم كل شيءبصدق وحبا في الاخرين،الجمهور يهتف باسمه ويصفق له ، الاضواء ساطعة تخترق صفوف الجمهور لتصوب نحوه، تؤلمه عيناه،تدمع ويبتسم، يتحرك يمشي يهرول،تتبعه الكاميرابعيونها الكبيرة،يتهرب منها ولكن اين المفر؟الخشبة وراءه والجمهور امامه، وقع في المصيدة ، الجمهور يقهقه ويصفق ويهتف باسمه ، انه معبود الجماهير.ورود متناثرة هنا وهناك،وازهار على اشكالها والوانها ملقاة عليه، ابتسامة عريضة على محياه،انتهى العرض اسدل الستار ، انطفات الاضواء اختفت الكاميرا،فجاة عم الخلاءالمقفر القاعةمع صمت رهيب، انتبه البهلوان فوجد نفسه وحيدا وسط ظلام دامس كل شيء زال، جلس يشكو وحدته والامه من يسمعه ؟ من يمسح دمعته؟من يضحكه؟...انه الوجه الثاني للبهلوان ، الوجه الحقيقي له ، نزع انفه الكبير وحذاءه الطويل وسرواله العريض، نزع القناع المصبوغ قناع الالوان المضحكة ، وبدت التجاعيد على وجهه ظاهرة بارزة، اخذ جسمه يرتعش كحمامة سلام مذبوحة، وغصن زيتون منكسر اقتلع من جذوره،انتبه الى الزهور التي تطوق المكان، اقترب منها منظر جميل وخلاب وشكل جذاب ،لكن الملمس فيه عداب، لم يتمتع برائحتهاالزكية لم يلمسها لم يحتضنها، انها مليئة بالاشواك، خاب امله خاب ظنه في كل شيء في الحياة في الجمهور...اتى بالمكنسةجمعها حوله،جلس ملتحفا الارض ينظر اليها يدرف الدموع، ومع كل دمعة تخرج الالاف من الاهات والعديد من الزفرات،فجاة بدا له ضوء خافت من بعيديقترب منه،؟ا انه نور طفلة صغيرة تحمل وردة الياسمين، كانت تتطاول لتلقي بها على الخشبةفرحا بعم البهلوان ولم تستطع، ابتسم ضاحكا وحدق في الوردة ،انها ملساء ناعمة بدون اشواك ، احتضنها وقبلها، فطبعت الطفلة قبلة على خده وناولته الياسمين، انها عودة الروح.