نظمت جمعية القنديل للفن والتربية والثقافة ، حفلا ثقافيا يوم السبت 14 يوليوز 2012، بدار الشباب الحي الحسني بالبيضاء، بمناسبة صدور ديواني زجل، الأول بعنوان " خلي المشعل يكدي"، للزجال ميلود ثلاثي
والثاني بعنوان " ساكت في سري داوي"، للزجال جمال بكوش، وعرف هذا الحفل توقيع الديوانين بحضور الزجالين المذكورين، والعديد من الشعراء والفنانين والمهتمين
وجدير بالذكر أن إصدار هذين الديوانين هي بادرة من جمعية القنديل بالحي الحسني، لرئيسها الحسن ولد المسكين، وهي جمعية اختارت أن تكون من بين أهدافها الإشعاع الثقافي الأدبي، من خلال تنظيم ليالي أدبية شعرية وزجلية، بحضور العديد من المبدعين والفنانين والمهتمين من محبي الكلمة
ميلود ثلاثي وجمال بكوش الزجل رحلة عطاء
هما من عشاق الكلمة والزجل، خبرا مسالك نظم الكلام وتجربة إرهاصات الكتابة الزجلية، التي تنبع من خلجات النفس، لتعبر عن الأمل والألم، الحب ولوعة الارتباط بالوطن، على جناح الخطوط الشعرية وفوق مركب "لقياسات والمْرَمَّات" الزجلية، التي تنبثق من بحور الزجل العميقة والمتمايلة الأمواج، التي ترسو على ظهر "الحربات والسرابات" الزجلية، لتلتقطها الأذن الشغوفة بحب العبر والعبارات، يقطعان مساحات ومسافات من بوح النفس صوب وجدان المتلقي، ليؤسسا تواجدهما التعبيري الزجلي من خلال القصائد الزجلية، التي يصفها الكثيرون بمولود عزيز على كل شاعر شغوف، بالانغماس في لذة الإمتاع والتمتع بذوق الكلمة فوق أطباق الزجل، الذي يسبر أغوار المجتمع، ويستطيع بسحرية ملامسة هموم وآهات وأفراح وأحلام الإنسان، على اختلاف المشارب وتفاصيل التجربة الإنسانية والمواقع داخل الأغراض التي ترصدها أقلام الزجالين.
الزجال ميلود ثلاثي، والزجال جمال بكوش، راودتهما كثيرا، فكرة تجميع بعض الإبداعات الزجلية التي ألفاها منذ اهتمامهما بالزجل تواصلا، قراءة وكتابة، فقررا الخروج إلى الساحة الأدبية بديوانين بتحالف أدبي مع جمعية القنديل للفن والتربية والثقافة، ويُشار أن الديوان الأول هو من توقيع الزجال ميلود ثلاثي بعنوان "خلي المشعل يكدي"، والديوان الثاني هو من توقيع الزجال جمال بكوش بعنوان "ساكت في سري داوي".
ميلود ثلاثي الكلمة البسيطة والعميقة
يضم ديوان الزجال ميلود ثلاثي، 35 قصيدة زجلية، وفي قراءة متأنية للديوان يكتشف المتلقي أن الزجال استطاع أن يطابق بداية الديوان، ببداية قصة تتشكل من حرفي الفاء والنون، كعلامة على اكتواءه بنار الفن، العبارة التي تجمع حرفين منغومين الفاء والنون، مبرزا أن الفن ضرب من ضرب الجنون الجميل، الذي يستلُّ منا العشق والاشتياق، لنرسم بالحرف متاهات فلسفية بين دروب وزقاق الزمان والمكان، الذي يحتضن وجودنا وإبداعاتنا الفنية المكتوبة أوالمسموعة، وبعد ذلك بصفحات بريقها زجل وحوار
كلامي عميق بدارجة أعمق، يسافر بنا إلى عنوان الديوان "خلي المشعل يكدي"، كعنوان على انسلاخ الإنسان من مميزات الهوية وابتعاده عن الحياة البسيطة القريبة من الطبيعة، التي يعتبر الإنسان جزء لا يتجزأ منها، إذ يُسلط الضوء على تغيير نمط العيش، وفي غفلة من القلم وشرود من القارئ العادي، يرمز الزجال إلى علامات التحول من فضاء الدوار الكلاسيكي إلى المدينة العصرية، وما رافق ذلك على المستوى السلبي من غزو للأسمنت، الذي رمز مرة أخرى إلى مخلفات زحفه بحرمان الطيور من أوكارها، خالصا أن الاستعمار والاستلاب يؤثران على هوية الإنسان، ويجرانه إلى الابتعاد عن المقومات الأصيلة والعادات الموروثة، التي ترمز إلى نمط العيش والأصالة واستمرار القيم الضاربة في عمق التاريخ، وتنتقل بنا صفحات الديوان بين دروب الكلمة، إلى آخر محطة جزلية، عنوانها الوصول، بكل ما تحتويه هذه الكلمة من وقع على النفس الطامحة لإدراك المقاصد، فاختار لها الزجال عنوان "كان مورادي نوصل"، وهنا يتخذ الزجال تيمة الحب، كمطية لتقديم آهات الإنسان، في لحظات العشق والفراق والوصل والهجر، ليبين حنين الإنسان لما ينبض به قلبه من حب، وعذابه حين فراق المحبوب، مستعينا بقاموس الحب، انطلاقا من كلمات وعبارات تنتقل من التعلق بحلم الوصول إلى وضع الأقدام على شط الأمان، أي تتويج العلاقة بالوصل النهائي، إلى الحديث عن وعود الماضي ولوعة الفراق، والانشغال بدموع وجراح الاصطدام بحر الهجر، ليعاتب المخاطب بزجله، على قسوته ويخطب وده، إذ يحثه في نهاية القصيدة والديوان مرة واحدة، على العودة والجود بالغرام، حيث يتماثل شعريا القلب المعلول للشفاء من وإلى الغرام.
جمال بكوش البوح الصامت
وفي ديوانه "ساكت في سري داوي"، الذي يضم 24 قصيدة زجلية، استطاع الزجال جمال بكوش، أن يفتح الباب على سحر الكلام، انطلاقا من العنوان المركب، الذي أعطى مفتاحا للتناقض الجميل، إذ أسس لمسألة أن الصمت ليس علامة على انحباس الكلمات والعبر، بل قد يكون غطاء للكلام والحوار الداخلي، الذي يؤسس لعدم الخنوع الكلي وقمع الذات وحرمانها من التعبير عن خلجاتها ومواقفها، كرمز للدعوة إلى حرية البوح الشعري، الملتزم بقضايا الذات والمجتمع، وغير بعيد عن هذا السياق يتم الإشارة إلى ذلك في الافتتاحية، التي تبتدئ من خلالها قصيدة صغيرة، بقول الناس أن صاحب رسالة الزجل وديوانه صغير السن ويحمل هما كبيرا، استطاع من خلاله الزجال الربط بين التخفيف عن النفس بكتابة الزجل، وفي نفس الوقت، الإشارة إلى أن ديوانه هو عبارة عن بلسم أشفى غليل النفس الشعري، بخروجه إلى الوجود كديوان يوثق البداية والتأريخ، وفي قراءة لبعض القصائد، داخل الديوان، يجد المتلقي نفسه وقد تحول إلى شخص يمد حدائه لماسح الأحذية أو ماسحا للأحذية، من خلال لعبة تبادل الأدوار التي تستفز القارئ المتمعن، ليسلط الزجال لسانه النقدي وخطوطه الشعرية على ظاهرة ماسح الأحذية، الذي سماه "اسعيد"، التعيس الذي يجول بين المقاهي لتوفير قوت يومه، بمسح أحدية أناس، قد لا يعيرون اهتماما لمعاناته، خالصا في نهاية القصيدة، إلى نهاية سعيدة بتغيير "اسعيد" لحرفة مسح الأحذية، بأخرى أكثر راحة وكرامة، في مجتمع قد يحتقر مهنة شريفة. وفي نهاية قصائد الديوان ينتقل الزجال داخل جرأة غير مسبوقة في باقي القصائد، لمقارعة الموت و النبش في سلوكات الناس اتجاه مراسيم تأبين الميت والعزاء، وفتح الزوايا الشعرية على نظرته الشخصية لطريقة التعامل مع ذكرى الموت، وأسلوبه الخاص في قراءته لتصرفات الناس اتجاه الميت، واقتراحه لطريقة فلسفية لمراسيم الدفن والتأثر بظاهرة الموت
....................................................................[ بقلم الاعلامي : رشيد صفر