منتديات دواوين الثقافية و الفنية منتديات تعنى بالأدب والثقافة والفن.
 

 

 أنفاس ضالة - رواية

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
دنيا أحمد علي
عضو نشيط
عضو نشيط
دنيا أحمد علي


المدينة : القنيطرة
عدد المساهمات : 65
معدل النشاط : 104
تاريخ التسجيل : 15/07/2012
الموقع : www.da-wawin.com

أنفاس ضالة - رواية Empty
مُساهمةموضوع: أنفاس ضالة - رواية   أنفاس ضالة - رواية I_icon_minitimeالأحد 22 يوليو - 2:55


اهداء

أعلنت الحب، السلام و الغفران ..
و النسيان أيضا !

إلى ضحايا التجارب الفاشلة
أولئكـ التعساء في الحب
حين يعلنون الخراب الجميل بدهاليز مشاعرهم الموؤودة

دنيا أحمد علي

__________

من روايتي الأحيـاء الأموات (قيد الطبع)
الفصل الخامس : أنفـاس ضالة



و أوشكـ منتصف الليل حين حاول أخوها الأصغر عماد مهاتفتها، لكن دون جدوى،
فهاتفها خارج الخدمة .. مما خول لها فرصة تركـ رسالة صوتية..

أنذاكـ أمست رُؤى غارقة في نومها بعدما تذكرت كيف تقابلا ذات يوم، في منعطف طريق،
أغلب الظن أنه ساكن جديد قطن هناكـ،

كان يشعر بالضياع وسط الزحام..
كانت روحه ضالة أيضا أثناء بحثه المستعصي عن مقر جمعية المكفوفين بضاحية تلكـ المدينة
الصغيرة، حيث عجزت عصاه كما هي العادة عن حمله إلى السبيل الرشيد ..
في حين خرجت رؤى عجلى لأمرٍ ما، كانت عاطلة من الزينة، غير مرتبة لمظهرها، مهملة الملابس ..
على شعرها وشاح شفاف، وعلى كتفيها حقيبة جلدية عتيقة ، لعلهما مستعاران من إحدى السيدات
اللواتي بلغن من السن عتيا..

بالية المنظر بكل تفاصيلها!

كانت تشعر بنظراته التائهة تعانقها من بعيد رغم مرارة الموقف..
لذلكـ هرولت باتجاهه كالباحث عن ذاته، لكي تسوقه إلى الجمعية، كانت تستطعف نفسها أمامه،
فقد كان أنيقا، وسيم الملامح، مشرق المحيا، رزينا في حديثه ، و الغريب في الأمر أن تلكـ النظارة
السوداء زادت من وسامته،
ابتسم ما أن لمست يداه يديها، كان يعتقد أنه أحد المارة المتسارعين للخير،
ثم تفاقمت سعادته بسماع رنين صوتها العذب و هي تردد بصوت متقطع ..
’’ هل لي أن أحملكـ إلى حيث تريد؟ أنت الآن بوسط البلدة ؟؟ إلى أين أنت ذاهب؟؟
فصمت فريد مطوّلا قبل أن يجيبها ،
كانت لمستها تلكـ، و صدى صوتها المدوي بالأعماق، كفيلين ليدركـ أنها من بين نواقص روحه،
كان يشكـ بأن أشيائه الحلوة بهذه الدنيـا ضئيلة، لكنه يؤمن أن صاحبة ذلكـ الصوت بالذات إحدى تلكـ
الأشياء القليلة، و النادرة جدا،،،

فمنذ الوهلة الأولى لم يتردد أحدهما من التشبت بيد الآخر ، ولم يندما قط لأن علاقتهما تطورت حتى
صار كل منهما لا يستطيع أن يتصور الحياة بدون الآخر ،
بل ولا يستطيع أن يفكر لنفسه دون أن يكون للآخر نصيب من ذلكـ التفكير ..

في تلكـ الليلة بالذات،،،
خرجا معا في هدأة الليل،
كانا يشعران بالتميز..
و كأنهما الوحيدان في هذا العالم،
تناسلتهما النجوم و الأفلاكـ..
نسيا الليل ، نسيا الظلام ونسيا واقعهما أيضا..

وكان في نسيان كل ذلكـ أكبر لذة وسعادة ،’

لم تكن رؤى لتؤمن بأن الحب وحده قادر أن يطفح الأنوثة من جسمها فيغمرها رقة و غنجا،
لولا احتواء فريد لشتاتها الضائع بين صفحات زمنها الردئ ..

كان إحساسا جديدا من نوعه يهمس بأعماقها خلسة، مبهما من حيث ملامحه فلم يكن من السهل
عليها تجاهله ولا حتى تداركه..
كان جملة من المعاني النبيلة كفيلة بأن تؤرق فيها كل معاني اليتم و الإضطهاد ..
و شعورا مرهفا بارزا..

هيهات لجدران الصمت أن تحجب أضوائه..
….
و مضت عقارب الساعة في تعاقب ثانية بعد أخرى في حين كانت رؤى تغوص بأحلامها الزهرية
داخل بحر الهوى العميق الذي لم تكن تدركـ له قراراً.. ولامنقذا سوى فريد،
ذلكـ الشاب الذي حظي بالبصيرة بدل البصر، البسيط بطبيعته و الصبور في قهره، القنوع بإرادته،
المتذوق للأدب و لمعانيه السامية، و أحيانا كانت تجد فيه ناقذا لبعض تفاصيل الحياة و أسرارها
الدفينة ثم فيلسوفا واعيا.. ،
لم يكن بائسا كما كان مفترضا، بل إن عزيمته قادرة أن تنخر الصخر لتنحث إسمها عليه..
لذلكـ كان من السهل أن تتخد منه ملاذا
بل أمسى دنياها و أسرها المكين



ثم انتصر الفجر أخيرا وبدأت سحب العتمة تتبدد في انهزام عسير..

فتسلل الضوء إلى شرفتها ليوقظها وقد عقدت عزمها، و أدركت أن لا مفر من مواجهة هذه الفطرة
المتهجنة التي باتت تعتريها.. إلا بمصارحته بحبها و بضرورة إرتباطهما.

وماهي إلا لحظات حتى قصدت هاتفها بلهفة عظيمة.. كانت تهم بمهاتفة أخيها الأكبر، لأنه الأكثر
تعاطفا معها و الذي طالما قدر حجم تضحياتها.
كانت ستسعد لو أنه باركـ حبهما و سعادتهما..

عندئذ توصلت برسالة من علبتها الصوتية بتاريخ أول ساعة من ليلة أمس

ابتسمت، وضخت السعادة بشرايينها ضخاً،

ترددت قبل فتحها، لأنها شعرت بالإرتباكـ، ربما كانت متوقعة صوت فريد وهو يزف لها بشرى
احتمال ارتباطهما، أو ربما عرضا عفيفا لتعميق صداقتهما وتتويجها بزواج…
لكن هيهات !!
فالرسالة الصوتية التي كانت بانتظارها كانت بمثابة بركان ثائر فاض وحشية و إيلاما..

بالفعل ، لم تكن رسالة فريد كما كان محتملاً
بل رسالة صوتية من أخيها عماد
ذلكـ الطفل المشاكس ، والذي طالما اعتبرته بمثابة إبنها الأصغر ..
رسالة صوتية حملت في طياتها كل معاني اللعنة و الشتم حيث سفكـ إنسانية أخته الكبرى و تعدى
ذلكـ مستخفاً بمشاعرها ، متبرءا من تصرفاتها في الآونة الأخيرة..
بل وقد تجرأ على تهديدها بالرفس أمام العلن ثم بهدر دمها، إذا ما استمرت في مقابلة ذلكـ الكفيف،

’’ماخطبكـ أيتها المراهقة السخيفة !
كيف يحق لكـِ أن تدنّسي شرف الأسرة بهذا الإستهتار؟
مَن أذن لكـ بمواعدة ذلكـ الأعمى الحقير؟
إنه نكرة يا غبيّة !!
ما الذي جذبكـ إليه؟
أهي القذارة؟
أم الحقارة؟؟
أم أننا أسرفنا في إدلالكـ فأحببت أن تذّلينا بتصرفكـ الصبياني هذا؟ ؟
أم أن الطيور على أشكالها تقع..
فوقعت عيناكـ على أدنى فئات المجتمع دناسة؟ ..
أعمى يارؤى؟
أتواعدين أعمى ؟؟
وهل ستكونين أنت عصاه ؟؟
يالكـ من حقيرة !!!
يا للسخرية !!
سأقتله حتما …
إنه أعمى وسأحمله لمكان خال لتتسنى لي فرصة قتله بطريقة وحشية لن تخطر على بالكـ اطلاقا
و بعدها سأقضي عليكـ أيتها التّعيسة،
يا للفظاعة!! لو أن ما سمعته صحيحٌ ،
ثمّ استمر في قصفها بسلسلة من المفردات الشّنيعة… ’’


و على ما يبدو ربما نسي عماد أو تناسى لحدٍّ ما حجم تنازلات أخته الوحيدة، التي عزمت العمل
بالبيوت وهي بنت الخامسة عشر، وكيف ضحت بدراستها الثّانوية رغم تفوقها الملحوظ…
بعدما حلّت عليها لعنة وفاة أمها مباشرة بعد المخاض يوم أنجبت ذلكـ الشقي ، وكأنه لعنة ربانية
حلت دون موعد، و المؤرق في الأمر أن الأب قد تركـ الجبل بما حمل من ثقل، حيث تخلّى و بكل
بساطة عن جملة مسؤولياته اتجاه أبنائه السّتة، و المثير للإستهتار أنه تزوّج ثانية ليبدأ حياته من
جديد، و بالمقابل تركـ ستة أولاد وقد كُتب الضّياع على جبينهم لولا عطف رؤى و حنان الأمومة
الذي اعتاراها صوب إخوانها ، حيث كانت نِعم الأخت و الأم الحنون، و المثابرة لأجل كسب قوت
إخوانها الذين صاروا اليوم بفضلها رجالا و نساءً بكل ما تحمل الكلمة من معاني قيمة..

عندئذ انتهت الرسالة الصّوتية ،،
فتقلصت مشاعر رؤى، وعلا نداء مدوي من الأعماق، طغى عليه صدى مجلّل لا سبيل من عدم
الإنصات له، إلا بتخليها عن ذلكـ الإحساس النبيل الذي بات منهكا متقطعا و كأنه الحشرجة بعينها…

’’… أيعقل أن يُقتل ذلكـ الإحساس الصادق داخلها كما تقتل الكلاب الشّرسة على قارعة الطريق ؟؟…’’

ما لم نكن ندركه،
أن الرسالة انتهت و انتهى معها العمر الإفتراضي لمشاعر رؤى .. و هي تزحف نحو السبعين بتعبها،
و هكذا أمسى عمرها ضائعا، محفوفا بظلم الأيام، و قهر العادات و الأوهام،،

فصارت تبكي و من تم تنتحب بحزن عميق حظها العسير و قد عصف الألم بقلبها..
و هي من ضحّت آنفا بمستقبلها من أجل أن تحظى ولو بالقليل من الإعتبار من إخوانها..
وقررت أن تكون تلكـ الشمعة التي تحترق لتنير سبيل من سكنوا قلبها -وإن كان ذلكـ على حساب مشاعرها-
فتقهر لترسم البهجة على محيّاهم مدى الحياة..
كما أرغمت آخر ذرة بكبريائها المتهدج على التنازل لتعلن أسرها لجملة من التّقاليد الظّالمة بعد أن
أيقنت بأن كل محاولاتها بحياة كريمة قد ضاعت سدىً..
فهي أنثى خلقت لتموت من أجل أن يقتات الآخرون على جثمانها،،

لم تر رؤى صديقها فريد منذ قررت العيش ببيت أخيها اضطرارا، ولكن حياتها لم تخل من إحساسها
رغم أن العادات و التقاليد قد وأدت حبهما عناداً..

حينئذ انطفأ بريق عينيها الملتهبتين فاعتقدت أنها فطنت إلى وجهة نظر أخيها الخسيس ..
بعد تدبر طال مدة عشر سنوات..
حاولت ألا تقهر مشاعرها من جديد لكن ظنّت أنها ميتة لا محالة لذلكـ كان من الصعب أن تكون أنانية
بمشاعرها فقد يموت صديقها أيضا بتهمة لم يرتكبها ،،
فهنالكـ دوما ما هو قاهر في حياة رجل مكفوف ..
تمة أشياء أشد مرارة من الحلكة و السواد اللذان يلازمانه، إنها حقيقة ذهبت نوعا ما باتجاه قاتم !!


فصارت تعيد شريط حياتها و هي محمومة ذات مساء عاصف ، حيث تجرعت مرارة الأيام الماضية ،
كم من الشقاء قد اغتنمته بسبب حظها العاطل و كم لاقت من التعذيب بالبيوت التي اشتغلت فيها..
و كم من التحرشات الأخلاقية ،،، و كم ،،، و كم ،،،
حتى ببيت أخيها لم تكن تشعر إلا بأنها عاملة و أحيانا أخرى مربية مضطهدة الحقوق لأن أبنائه نادرا
ما كانوا ينادونها بـ’’عمتي’’ و نظرة الإحتقار تسكن أعينهم اللئيمة.
ثم تلعثمت بصوتها المذعور

’’ إنني أراكـِ قادمة صوبي… أُمّاه لقد أتيت باحثة عني أليس كذلكـ ؟
وا أسفاااه كم ضاع من العمر و أنت بعيدة عني ، حبيبتي ... احضنيني بعنف ...
فكم أنا مشتاقة لذلكـ الحضن الدافئ ….’’


ثم همدت فجأة وتكومّت على جانب الفراش بعدما مست جفونها نفحة باردة كما لو أنها رضاب ..
ماتت رؤى في حين ظل فريد يتجول بين الأزقة و الشوارع يهذي بإسمها شارد البال ..

تمت


دنيـا أحمد علي
15-05-2009

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
أنفاس ضالة - رواية
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» قطة ضالة
» رواية شيكاغوعلاء الأصواني
» رهينة الماضي - رواية
» رواية دروب ..... ميخائيل نعمية
» رواية ارض النفاق ليوسف السباعي - للتحميل -

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات دواوين الثقافية و الأدبية :: المنتديات العامة :: المنتدى العام :: البرامج المجانية والتجريبية :: المسابقة الرمضانية الخاصة بالسرديات-
انتقل الى:  
أركان منتديات دواوين الثقافية و الأدبية