بعدما نال جوائز تقديرية ، منحتــه إياها الطبيعــة ، بتشكلات جبالها وهضابها، وفيافيها..بقطعها تسلقا وقفزا، مشيا وعدوا..محملا بجراب يملأه الزاد والعتاد..وبشبــه استقرار في شبه سكن، وبالعمل في شبه فصل مع شبه تلاميذ ، حيث الحرمان المتجلي في أبشع صوره..وحيث المعاناة المتكالبة بين الإدارة والسكان..فكر في تغيير وضعيته ، للخروج من هذه الأزمات والتي إن توالت سيجــن حتــما.
بدأت فكرة تغيير وضعيته تطرق باب قشرة دماغه ، آذنا لها بالدخول ، مشرعا لها الأبواب ، تاركا لها حرية التجوال في تلا فيفه علها تستقر على حال . استقرت الفكرة جنينية، وبدأت تنمو وتكبر ، وبدأ معها يغزل حلما عن سلطته الإدارية التي بواسطتها سيصبح هو المسؤول عن كم هائل من المعلمين..هو الآمر الناهي ، وهو كاتم الأنفاس لكل من سولت له نفسه التأخر عن العمل ، أو التغيب بدون مبرر ، أو..أو.. ألم يكن مديره يسلك نفس النهج ، ومنه استفاد نتيجة معاناته معه ، ومع سلوكاته غير السوية ، والتي لا تعير اعتبار لأي ظرف من الظروف أو طارئ من الطوارئ .
استرخى ، وبدأ يفكر مليا في الشخصية الاعتبارية لمدير..! ولم لا ؟. استفهم وانتصب قائما ، عاقدا العزم على المشاركة في طلب منصب مدير مدرسة ابتدائية، بحكم أقدميته الطويلة في مجال الــتد... والتــر... والتعــ ..!..
طلعت النتائج.، وفاز بمنصب مدير لمدرسة ابتدائية بجهة من الجهات ، ذات التضاريس الوعرة، والهزات الأرضية..كم كانت فرحته كبيرة بهذا المنصب التكليفي ، وكأنه عين على رأس مؤسسة مالية. لم يعش عطلته الصيفية إلا داعيا لها بالانقضاء ، لامتدادها في الزمان والمكان..عاش مديرا كل الصيف ! إلى أن هلت تباشير واستعدادات الدخول المدرسي الجديد ، فسبقها بأسبوع للالتحاق بالمكان ، للتعرف على المدينة ومحيطها ، والنيابة ودواليبها ، والمدرسة وفروعها..نازلا بفندق بلا أنجم في انتظار اليوم الموعود، يوم توقيع المعلمين والمعلمات على محضر الدخول .
في استضافة نائب الوزارة بالجهة ، للمديرين منهم القدامى والجدد ، والترحيب بهم، والإشادة بالعمل الذي يقومون به لتحفيزهم على البذل والعطاء ، حث القدامى بمد يد العون و المساعدة للمديرين الجدد ، ودعمهم فيما شكل عليهم.. بعد ذلك انفض الجمع ليلتحق كل بمقره ومستقره ..
التحق هو بفندقه لجمع أغراضه، والسفر إلى مسقط رأسه ، بعدما استطلع مكان تعيينه، ووقف على خصاصه من أثاث وأدوات ..
توجه توا إلى مؤسسة مالية خاصة بالقروض طالبا مبلغا لا يستهان به ، موزعا سداده على الثلاث سنوات التي ينوي قضاءها بتلك المنطقة ، عازما كل العزم ألا يمس درهما واحدا مما تبقى من مرتبه.. القرض كاف لقضاء السنة التدريبية ، وما تلاها على اعتبار أن التداريب هي الملتهم الأكبر للمال بحكم السفريات المتوالية من و إلى مركز التكوين ، والنيابة ، والمدرسة. قالها في سريرته وهو يجوب شوارع تعرض دكاكينها كل ما لذ وطاب ، وكل ما يحتاج إليه بيت ، وكل ما يفتقر إليه موظف من بذل وملابس، و..و ..
سد خصاصه بكل ما يحتاج إليه ، وعقد العزم على الرحيل إلى مقر عمله ، منتشيا كالطاووس في خطوه بالمنصب الجديد... كم كانت الرحلة طويلة ومتعبة ومقرفة.. سكن بلا مواصفات سكن ، ومدرسة تفتقر إلى كل ما يعطيها هذه الصفة ..!
بدأ يوشوش مخاطبا نفسه .
لحظتها بدأ يصرخ مستفهما :
ما هذا القـــرف ؟ أصبحت رهين نفســـي ؟
أين هم المعلمـون والمعلمــــات ؟
أين هم المتعلمــــون ؟
أين هم السكــــــان ؟
أين هم...؟ وأين هـــم........؟
وفي يوم العيد الموعـــود. التحق المعلمون والمعلمات بمقر عملهم للتوقيع على محضــر الدخــول، اعترضــت سبيلــهم لافتــة كتب عليها بخط عريض وبــارز. المديــر: " خرج ولم يعــد .. ! "
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هامش : كتبت سنة 2006