شاعرة حاضرة بتألقها في كتابتها نشيد للحياة و إنشاد لعطش الذات بحثا عن الحقيقة. كتابتها فاكهة بذرتها الحرف و تربتها إحساس موغل في الرقة. تقرأ تشكيلها للغة فتدرك أن شعرها يحتفي بالإنسان اللغز و البؤرة – الاحتراق و التنوير في مواجهة الحقيقة.
مع الشاعرة ريحانة بشير كان لنا حوار بنكهة أخرى ...لنتابع:
ريحانة الإنسانة المبدعة هل لها ان تمنحنا نبذة عن مسيرتها الكتابية؟
قبل للخوض في سراديب الحوار المشتعلة بالأنا حيث سأكون مدادك على البياض عزيزتي عزيزة أشكر هذه الاستضافة الطيبة،أقول متى عانقت ريحانة الحرف ولوى الصمت بوحي لأكون. ومتى أوقت نار الكتابة ربما لا ادري كيف ومتى انفتحت على حدود الخطر لأكتبني وذلك منذ كان التفاعل مع الذات وما يحيط بها من انشغالات .فكانت الكتابة تراودني دوما منذ عرفت الحلم أمانا نتسلّقه خصوصا وأني أحب أن أكون في الجوانب المظلمة حيث كل الأشياء غير مرئية للآخرين أخلق مكاني أجدل مساحة وجودي الخاصة بي وذلك منذ التسعينيات وفي سنة 2002 تمّ طبع مجموعتي الشعرية الأولى قبل الإبحار
لكن مهامي كمسؤولة بمندوبية وزارة التربية الوطنية كان تبعدني عن الانصهار التام ، ومع كل هذا كان الشعر يكلمني أكتبه فقط على أوراق متناثرة معاتبة،فجاءت المغادرة الطوعية التي منحتني فضاء أرحبا قادني إلي. لكن الأقدار أبعدتني ثانية لظروف شخصية لكن منذ سنة 2007 عد ت ثانية أتشرنق على وحدتي الصاخبة في مجموعتي الثانية حين يتكلم الماء 2011 وهذه العودة أراها شظايا ترفض الإستكانة فهي روح معلقة بين غيمتين على حدّ قول أصدقائي،متواجدة بقوة على كل الجهات الرقمية والورقية تقاوم الظروف وتخلق عالمها المباح لها فقط.
الكتابة قلق فكري و توتر داخلي و حرية تعبير.كيف تعرفينه انت من زاويتك كمبدعة ؟
و هل الشعر إرادتك الواعية لغزل الحياة و ضفائر للقمر نكاية في الوجع اليومي ؟
الشعر ضماد لروحي النازفة أقبل عليه لأشفى منّي هو صوت إله يسكنني كلما توهج الفرح أو آلمني الحزن بزياراته، الكتابة لدي وسيط لما تترجمه الذات لأن إرادة القول هي الحضور الحقيقي في الكتابة وكل ما هو خارج عنها أي الذات لا يشكلني لأني أسعى من خلال الكتابة لتطويق ما يظل بعيدا ومجهولا ومستعصيا حتى تبقى الذات وعلاقتها بمحيطها بانفعالاته بإرهاصاته،هي الرغبة الحقيقية في مطاردة الكتابة حتى تتعدد فيّ كل الأحاسيس حتى أنتحر بجانب قصيدتي، ويبقى الشعر يتوالد عبر هذه الرؤيا المتشظية دالاّ على طريقي،فالمبدع فاعل للعملية فعندما يطرح عمله بحمولته من أفكار وأحاسيس يكون في وضع استكشافي لما هو ينقله وتبقى اللغة تمشي معه على أسطر مارقة لتعطيه مساحة متعددة للبوح وإلا تصبح الكلمات نفايات في مقبرة الزيف والشعر تجليات رؤية كلية ترتقي لبرزخ العبور بين اللغة و جسدها إذ تعرّي ما يريد إخفاءه الواقع أي عمل الفرد أي ذات الفرد ،وهذا دور الشعر في خلخلة تلك الذات فالنص الشعري لايعرف المهادنة بل يغتصب المسكوت ليقوله .
الماء و الموت متلازمان في نصوصك لماذا ؟
و هل يدرك الشاعر حدود الفلسفة او حدود الحكمة ؟
سأقف مرة أخرى كما في جميع حواراتي عندما أجد سؤالا يتخطّفني كما الماء كما الموت. لا أبالي إذ الماء يغسلني منّي لأكون جسره للعبور لعوالم الطهر ،أم هو ماء الرحم حيث سيرتي وسرّتي الأولى العودة للبدء حتى أشكّلني ربما. أم هو كلّي الذي أبحث عنه في ماء يتلبّس بي لأكونه في جريانه وصفائه والتواءاته وسكونه وهديره وقطره . هذا الكل يشكّل ريحانة ففي مائها موتها المرتقب وحدسها لكل ماهو مجهول للمتلقي الذي عليه أن يحلّق بعيدا ليصل معي لمعناي المشتهى . فالموت ماء حين أبعثه في نصي وأحرّك اللغة لتكون أداة توصيف لهذا الساكن بنقاء معرفي عبر تفاعل يخلق المجاهدة في موتي الذي هو بعث لروحي في طرح السؤال إلى أين؟؟ وهناك قصائد موتها استشراف لحدود هذا البعث وربما مرجعياتي الدينية خصوصا التصوفية منها، تبعا لتخصصي في الآداب الإسلامية وملازمتي لكتب الفكر الإسلامي مدة من الزمن ترك أشياء عالقة في اللاوعي وفي الوعي الذهني ما يكتب لنصحو من شوائبنا ،وما المدّ و الجزر في القصيدة الريحانية و تجاذبات على مفترق الطرق كأني ولدت على سكة حديد تتنازعها قطارات مسافرة شتى دوما في البحث عن سلطة البياض الماء.
كيف تدخلين محراب الكتابة. كيف يكون الحرف وضوءا وصلاة ؟
3 لا طقوس لي في الكتابة ...دوما في حالة قراءة لذاتي عبر ما أرى وأحس وأعيشه، القصيدة تأتيني كلّما أرادتني على بياضها ، لها قوة التلبّس تطهرني مني لتخلص روحي من سؤالها، أكتب ليكون جسدي في خلاص مما يعيقه من تراكمات تفقده الصفاء فالكتابة الشعرية تعبير عن تجاربي العرفانية وأحوالي الذوقية لما يجتاحني حدّ التماهي فالنص الاثر موجود عندما أنهيه أنتهي مني ويدلّ عليه. كيف أحدثك عن طقوسي وهي القصيدة العشق في مبتداه ومنتهاه هي أنا حين تغرقني في متاهاتها وحين أغرقها في إرادة البوح لتقوله حروفا تتمرّد عن المباح وأسألها كيف تأتين وكيف ترحلين تنظر إلي مبتسمة ما دعوتني ولكن سر حالك دعاني هذه أنا ، فطقوسي لا أخلقها هي من تخلقني.
المبدع و السياسة يلتقيان ام بينهما برزخان ؟
غليان الشارع العربي هل يجد صدى في ابداعك او في ابداع المثقف العربي عموما ؟
هل تؤمنين بدور المثقف في الثورات ؟
ما نعيشه من تغييرات على المستوى الاجتماعي السياسي له كبير الأثر على المبدع بصفة عامة،وكما قلت لك الشعر الصادق لايعرف منطقة وسطى فهو يعري الواقع ويتكلم بعمق التجربة التي من المفروض أن يكونها هذا الواقع، ومن هنا يأتي المبدع في مرتبة الأنبياء إذا عاهد حرفه وعاده حرفه. بطبيعة الحال في مجتمعات منافقة لا تستصيغ حرية الكلمة،تبقى التواطؤات لها سلطة، ويبقى المبدع في المنزلة بين المنزلتين فإما نكون أو لا نكون.هذا هو منطق الإبداع الذي يساعد في خلق مجتمع يقدس الكلمة ويرقى بفكره لنرقى بمستوانا الحياتي ،فالكل متراص على القول بمحاكاة الفعل بعيدا عن مبدع لا يحاكي الرؤيا ولا يستشرفها. ومن هنا لا أحبذ المبدع السياسي في بيئة ترتشي مبدعيها فكريا. ولقد تعرضت سابقا لمحنة التحزّب والترشح لانتخابات برلمانية فتحفظت لهذا الأمر مخافة السقوط في رشوة المعتقد الذي يؤدّي إلى عدم قراء ة معناي بوضوح فكيف أكتب إذن ؟؟.
من أي الروافد تنهل ريحانة أريجها ؟؟
مرجعياتي الشعرية قبلا صفاء روحي عبر رؤيتي الشفافة التي تتكئ على قاعدة فكرية وفنية تشكل اللغة إحدى ركائزها. ولشعر المتصوفة بحكم قراءاتي الطويلة لكتب الفقه والسنة والتفسير. ولهذه القراءات الفضل في اكتسابي ملكة التطويع والقدرة الفنية على انزياحات الصور للخروج عن المألوف في مقامات الدهشة والذهول، لكني كنت اهرب من الخطاب الصوفي في الكتابة لأن له دلالات ومفاهيم غاية في التعقيد كالظاهر والباطن والحجاب والغرابة والسر وكان المتصوفة يعتمدون على التفسير في شرح مصطلحاتهم أقول المتصوفة الفقهاء لكني على علاقة روحية بالمتصوفة العا شقين لذات الله والتشظي في الحلول لقدسيتها كالجنيد وابن عربي وأبي اليزيد وسفيان الثوري والحلاج ولقد مزجت هنا بين هذه الأسماء لغاية أروم من خلالها تشكيل المزج بين تيارين في جسد نصي الإبداعي حتى يريحني هذا النص من قلق السؤال.ولي علاقة كذلك مع شعراء قصيدة النثر التي تعتبر عشقي المتفرّد والوحيد الذي أجد فيه مرتع خصبي وافتتاني بمسّها الصاعق،لما تمنحه لشعري من وحدة إيقاعية على علاقة جدلية بدلالاتها و رؤية كلية ترتقي بالشعر وبالصورة الشعرية وبخلخة المتعارف من اللفظ والصورة في جنوح و جنون.
ولا أخفيك سرّا مع كل هذا عند الكتابة أكون عذراء تبقى كل المرجعيات خلف البياض ربما في العتمة لأكون أنا فقط. ألهمني في مساحة أخلقها لتكتبني بوضوح ولربما بكثير من روح المعنى لأتصالح معي.
إصدارات ريحانة و تجربة النشر الورقي ؟
من إصداراتي قبل الإبحار 2002 وهو باكورة العطش بعد نشري المكثف لقصائدي في جرائد وطنية وكانت كثيرا على الشعب العراقي إبان الهجوم الأمريكي الأول والثاني.ثم مجموعتي الثانية حين يتكلم الماء سنة 2011 هو سيرة ذات بين مجهولها حيث لانهائي.
والنشاط الرقمي الذي أصبح الأداة الفعالة في التلاقي والتواصل مع كائنات افتراضية حقيقة متناغمة عربيا ،أعرف من خلالها الإبحار في مجاهدات شعرية رائقة. تعبر بي إلى اشتهاء الحرف حين يكونني في مساجلات شعرية عاشقة....
كلمة أخيرة .
ليس للكلام كلمة أخيرة دوما نحن في البدء حينما ننتهي ينتهي الكلام و نكون ترابا لمرحلة معلومة بعدها تأتي حياة أخرى بمفارقاتها وأضدادها لكن بصدق معناها. هذه الحياة هي كلمتي الأخيرة وهوسي الأخير متى أنعي امرأة تسكنني لأكون أخرى تعيش في الحياة الأخرى.
أشكر كل من قدّم هذا الحوار في شكله النهائي للمتلقي ،وعبر معي يمّي الهائج الساكن .وأخص بالذكر الأخت عزيزة لكريم استضافتها وبديع الحوار المفتوح الراقي الذي خصّتني به .أتمنى لجريدتكم كامل الإشعاع.
« « « « « « « « « « « « « « «
أجرت الحوار عزيزة رحموني
الرابط
http://www.tangerpress.com/news191.html