منتديات دواوين الثقافية و الفنية منتديات تعنى بالأدب والثقافة والفن.
 

 

 قراءة في كتاب : ضجيج الصمت لـ كمال الأيوبي

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
عبدالكريم القيشوري
عضو فعال
عضو فعال
عبدالكريم القيشوري


المدينة : سلا
عدد المساهمات : 177
معدل النشاط : 338
تاريخ التسجيل : 22/10/2011
الموقع : www.da-wawin.com

قراءة في كتاب : ضجيج الصمت لـ كمال الأيوبي Empty
مُساهمةموضوع: قراءة في كتاب : ضجيج الصمت لـ كمال الأيوبي   قراءة في كتاب : ضجيج الصمت لـ كمال الأيوبي I_icon_minitimeالثلاثاء 6 ديسمبر - 14:04

قدمت هذه القراءة في مهرجان الأيام الثقافية والفنية والرياضية بسلا من قبل ذ : عبدالكريم القيشوري

قبل الحديث عن النص المسرحي المونودرامي المتضمن في الكتيب الصغير حجما، والكبير طرحا وعمقا لتيمات متنوعة ومتعددة. لا بد من التوقف للحظات عند التعريف بهذا النوع من المسرحيات.
المسرحية المونودرامية : هي نوع من المسرحيات التي تحتوي على كافة عناصر النص المسرحي بكافة تفاصيله. والفارق أن المونودراما تراعي من حيث حجمها أن تكون مكثفة، بما لا يطيلها، ذلك أن مؤلفها يحرص التركيز على الشكل والمضمون دون أن يمنعه ذلك من عرض كافة القضايا الإنسانية التي تتناولها الدراما التقليدية، فكما يقول أحمد بكير : " درجة التكثيف العالية جدا التي تستخدمها المونودراما لتوصيل المعنى تجعلها تقفز قفزات أبعد من الدراما التقليدية في التداول وإن تأسست على قواعدها".
تثير تعريفات المونودراما تساؤلات كثيرة أهمها :
- هل هناك بنية خاصة للنص المسرحي المونودرامي ؟.
- ماهي ملامح الشخصية المونودرامية ؟.
- كيف تستطيع أن ترصد عنصري الزمكان في المونودراما ؟.
- هل تختلف طبيعة الصراع في المونودراما عن غيرها من المسرحيات الأخرى ؟.
1- سؤال الهوية :
انطلاقا من هذه الاستفهامات نسلط الضوء على ما تضمنه نص " ضجيج الصمت" لتفكيك بنيته العامة، ورصد ملامح الشخصية/البطل في تمرير الخطاب المتداعي عبر سيرورة زمنية تمتح من الماضي، لتقرأ الحاضر ، ولتؤسس للمستقبل.
ما يطرحه النص من إشكالات ترتبط بمجموعة حقول في مجالات العلوم الإنسانية، وأخص بالذكر هنا " التاريخ والفلسفة والأدب " وطريقة الاشتغال من هذا النوع، تنم عن رؤية الكاتب العميقة التي يحاول من خلالها توريط المتلقي عبر استدراجه إلى التفكير معه بعمق، بعدما منحه فسحة حلم، ليمارس فيها حريته " المطلقة" عبر التجنيح به بعيدا في فضاء التفكير، وحل ألغاز بعض الإشكالات التي تعترض سيرورة معيشه اليومي بل حياته بشكل عام. وما سؤال الهوية الذي يستهل الكاتب به النص لدليل على استدراج المتلقي إلى بؤرة التمعن في سؤال الذات، والزج به في معالم إعمال العقل.حيث يقول :
أنا الرجل الذي فقد أناه
وأنتم لا تعرفون عني شيئا..
أنا هنا بلا أنا
بلا روح بلا عنوان.
يتبين لنا مدى مكر الكاتب في إشراك المتلقي - كما أشرنا- بدوره عن البحث عن أناه، بطريقة ذكية، تجعل منه مشاركا يقظا بحكم ما يسميه المربون المحدثون بطريقة " العصف الذهني" بمعنى خلخلة البنى العقلية للمتلقي بواسطة طرح إشكال يجعل منه شريكا في البحث له عن حل، أي فاعلا في خلق الحدث وليس متفرجا لا يحرك ساكنا. وهنا تبدو معالم الفكر الفلسفي وخاصة الوجودي المتعلق بصاحبه " سارتر"، كما يبدو دور الكوجيتو لديكارت: " أنا أفكر إذن أنا موجود".
2- تيمة الموت :
تناول الكاتب تيمة الموت من تصدير كتابه إلى خاتمته عبر تصوير قصصي، اعتمد فيه أسلوب الوصف للتعبير عن نقطة تحول في مسار حياة الفرد من الوجود إلى العدم أوالعكس ، على اعتبار أن الإنسان قد ينتقل من حياة إلى موت ، أو من موت إلى حياة، أو من موت إلى موت. إلا أنه مع ذلك يبدي بذرة أمل في الأفق من خلال تصوره العام عبر الصورة التي يرسمها في نهاية استهلاله للكتاب حيث يقول بداية : " فتح العربي عينيه على إيقاع كابوس مرعب، فقد رأى في منامه جسده النحيل محمولا على نعش، وأصوات قهقهات تعلو فوق أصوات أخرى تنشد طقوس الوداع : ‘ ربنا نسعى رضاك وعلى بابك واقفين" حاول جاهدا أن يجد فهما لما رآه فلم يفلح. لكنه توقف طويلا عند نقطة الموت، فتذكر السنوات التي كان يملأ فيها الشوارع رفقة طلبة الجامعة مرددا وإياهم كلاما حارقا : ‘ نموت وتحيا فلسطين". أما اليوم فالموت أصبح مرعبا..حتى في الحلم..إلى أن يختم بقوله : ..رشف كأس حليب مستبشرا بيوم أبيض لم يشهده منذ زمن بعيد"
هذه الصور المرصوصة والتي تعبر عن الوضع العام الذي يعيشه الإنسان العربي، عبر التغيرات والتقلبات التي عرفتها العديد من الأقطار على مستوى النهوض بمجتمعاتها، والدفع بها قدما نحو التطور والتقدم ، لم تعرفه للأسف الأقطار العربية التي كانت مكبلة بالعديد من المثبطات التي تعرقل مسيرة البناء والنماء..
فطبيعة الأحداث التي يتم استدعاؤها عبر ذهن الشخصية المنفردة دون ترتيب منطقي يجعلها مثل الحلم أو قل وفق أسلوب المونتاج الذهني تشخيصا يعيد تطوير مقتطفات متفرقة لصراع ما يزال صداه فاعلا في نفسية الشخصية المونودرامية التي تستقرىء التاريخ بطريقة نقدية مقارنة بين ما كان وما هو كائن، أي مقارنة بين التاريخين: تاريخنا التليد، وتاريخنا الوليد. بين تاريخنا وتاريخهم. فالسفر بالمتلقي في سفينة الأحداث للغوض في أعماق محيطاته، للبحث عن الدرر، والمكامن المضيئة فيه التي جعلت العرب في وقت من الأوقات مضرب المثل لأقوام أخرى تسعى للنهل من معالمه الحضارية التي تبوأ قمتها بامتياز، لتأتي ساعة الاندحار التي خلفت من وراءه ما نعيشه اليوم بسبب العلة التي أصابته، فأصبح بذلك مريضا، وانعكس مرضه على كل النوع العربي بحكم انتشار وباءه المقذوف برياح الغرب لإهماد شعلته التنويرية.
يقول الكاتب في ص 30و31: " لم يعد هناك شك ولا ارتياب..في طبيعة العلاقة التي تجمعني بهذا التاريخ. إنه التاريخ المريض، وأنا الرجل المريض، والعلاقة التي تجمعنا ليست سوى علاقة مرضية. آ……ه !
هل كان علي أن أهدر كل هذا الوقت لأصل هذه الفضيحة. وأكتشف أن كل مايربطني هو المرض. فأين توارت كل الأشياء الجميلة، التي كان من المفترض أن تصلني بهذا الماضي، بهذا التاريخ ؟. أين المجد ؟ أين العزة ؟ أين النصر ؟ أين النخوة العربية…؟. كل شيء توارى بسبب هذا المرض اللعين ، الذي فرض نفسه حبلا واصلا بيني وبين تاريخي.." إلى أن يستفهم قائلا : أي علاقة تجمعكم أنتم ياسادتي بهذا التاريخ ؟. إني أدعوكم هذه الليلة الاستثنائية، أن تكونوا استثنائيين. وتحددوا طبيعة علاقتكم بتاريخكم، وقبل ذلك ، لا تنسوا أن تحددوا عناوينكم من فضلكم، فلا زال في الليلة متسع لتحديدها ".
هذا المونولوج بين نفسية و ذات البطل الذي يقترب من الحوار الداخلي غير العلني تجاه موقف معين لا يمكن الإفصاح عنه على اعتبار أهمية الصراع الدائر في النص المسرحي لتحقيق التوازن، وبالذات الصراع النفسي، وصدى الصراع مع الآخرين، وردة الفعل لقاء أمر معين. فحديث الكاتب عن " كاترين" له دلالات رمزية متعددة ، تفتح الأفق للمتلقي لكي يستقرىء ما بين السطور،.فهي ممثلة لمرحلة تاريخية لاندحار العرب، مرحلة فقدان الهوية، وفقدان كل ما يمت بصلة للأنفة والشجاعة والنخوة..التي كان يتمتع بها العربي في أزهى عصوره الذهبية. كما أن " كاترين" من ناحية أخرى ضربة قاضية للمرأة التي كانت تتبوأ المكانة اللائقة بها بحكم الثقافة التي كانت سائدة والتي كانت تعتبر المرأة ككيان، له خصوصياته وعنصر لا مناص منه لتكملة معادلة التوافق بين الجنسين. ففي الاختلاف يتم التكامل الذي من خلاله تتم سيرورة الحياة بطريقة طبيعية. فاستغلال المرأة عن طريق تشييئها، أي نزع الكينونة عنها، وممارسة كل أنواع العسف والاضطهاد عليها، رسم بصورة بانورامية ما تبديه المرأة من معالم الزينة والفرح شكلا، وإضمار الشر الذي يتطاير جوهرا. وهذا ما حذا بالكاتب بوصف نفسه بالغبي في ص 52 و53 قائلا : ( اكتشفت أني أمام كاترين ، لم أكن سوى غبي..
ولم أكن سوى جبان.
لقد كنت غبيا بما فيه الكفاية. وصدقت كلام الفيلسوف "سارتر" حيث قال : إن المرأة لا تستحق أن نجعل منها قضية.
وانتهيت إلى أن المرأة لا تستحق أن تكتب من أجلها.
فكسرت جميع أقلامي . ومزقت جميع أوراقي.
وقررت فقط أن أبكي من أجلك، حتى تقتنعي بأني أحبك.
فيا للمذلة ! ويا للغباء !
كيف يتحول البكاء إلى وسيلة حتمية للإقناع ؟!.
هل علينا جميعا أن نتمادى في البكاء حتى تقتنع إسرائيل وجيوشها بأن القدس لنا، والبيت لنا ؟.
المشكلة ياسادتي لا تنحصر في كيفية إقناع الآخر بل في كيفية إسقاط هذا الآخر من برج غروره وكبريائه ).
متعة النص عندما جعل كاتبه بطل مسرحيته يعيش صراعات مختلفة مع نفسه ومع القيم ومع الآخرين ومع جميع المؤثرات ، حول الزمان والمكان، والرائحة والصوت والضوء، والضجيج والصمت. وذلك بإحالة هذين المفهومين إلى مختبر اللغة حيث يستشهد بأن الصمت عبارة عن ضجيج من الكلمات ، والعرب عبروا عنه بالقول : "الصمت حكمة". فهل صمتنا الطويل أفادنا في مرحلة البناء والتقدم ، أم بقينا نجر أذيال الخيبة والمهانة؟. لذا سيعلن البطل ثورته بدلا عن الآخرين ضد نفسه، وسيعلن حقيقته أمامهم ص 41.
النص المسرحي " ضجيج الصمت" جاء في فصلين. وواجهة غلافه تحمل لوحة تشكلية معبرة عن إطار به خطوط أفقية، وبداخله شبح رجل يرفع يديه كأنه في زنزانة، حيث يطغى اللون البنفسجي المعبر عن الضجيج، واللون الأصفر المعبر عن الصمت. لوحة تصميم الغلاف من إنجاز الفنانة خديجة الإدريسي.
الكتاب في 64 صفحة من الحجم الصغير. صيغ بأسلوب تتقاطع فيه القصة مع الشعر.. ويطرح للمعالجة الكثير من الإشكالات مما جعله غنيا من حيث التيمات، وغنيا أيضا من حيث الصور الشعرية والبلاغية والمحسنات البديعية..ف كما قال بيتر بروك : ( إن الحياة في المسرح، أكثر قابلية للقراءة وأكثر قوة لأنها أكثر تركيزا، فعملية اختصار المساحة وضغط الزمن يخلقان درجة من التركيز "
وهذا بالفعل ما أقدم عليه الكاتب الموهوب كمال الأيوبي في إصداره المسرحي هذا. فالكتاب جدير بالقراءة.

[img][/img][img][/img]قراءة في كتاب : ضجيج الصمت لـ كمال الأيوبي Gfrt001
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مولاي علي درار
مدير خلجات سردية
مدير خلجات سردية
مولاي علي درار


المدينة : اكادير
عدد المساهمات : 1351
معدل النشاط : 1752
تاريخ التسجيل : 20/07/2010
العمر : 70
الموقع : www.da-wawin.com

قراءة في كتاب : ضجيج الصمت لـ كمال الأيوبي Empty
مُساهمةموضوع: رد: قراءة في كتاب : ضجيج الصمت لـ كمال الأيوبي   قراءة في كتاب : ضجيج الصمت لـ كمال الأيوبي I_icon_minitimeالخميس 15 ديسمبر - 20:30

شكرا لك اخي الاستاذ عبد الكريم القيشوري على هذا الطرح المفيد و التقديم النقدي لكتاب ضجيج الصمت للمبدع كمال الايوبي

حقا اننا في حاجة لمثل هذه القراءات التي تعرف بمنتوجنا الثقافي الجميل والمفيد

اتمنى ان اقرأ لك المزيد هنا

تحيتي وتقديري لك
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
قراءة في كتاب : ضجيج الصمت لـ كمال الأيوبي
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» قراءة في كتاب: الجيش المغربي عبر التاريخ للأستاذ عبد الحق المريني
»  قراءة في كتاب: Esquisse d'histoire religieuses du Maroc: Confre'rie et Zaouias ل: Georges Drague
» صور حفل توقيع مجموعة قصصية " ضجيج الذاكرة للمبدع القاص ابراهيم ابويه بمدينة اصيلا
» المهرجان ابن مسيك للمسرح الاحترافي بالمركب كمال الزبدي بحظور مبدعي دواوين
» رحبوا معي اجمل ترحيب بأخي الاستاذ الريمي كمال فمرحبا به بيننا

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات دواوين الثقافية و الأدبية :: المنتدى الثقافي :: أخبار ثقافية-
انتقل الى:  
أركان منتديات دواوين الثقافية و الأدبية