ولجت مغارة علي بابا و لم أصرخ: افتح يا سمسم و لم أخف العسس و لم أنتظر الأربعين حرامي ، فقط كانت غزالة هذا الوجه البدوي المميّز بملامح الكبرياء و العفة يرتسم في كل الغرفة ، هذه الغرفة السر أو الأعجوبة هاته التي تجد فيها " حتى حليب الغولة" كما يقول المثل التونسي ، غزالة الضاربة في المحبة لمدينتها ، تنطق حروفها و كأنها تتهجى صلاتها و تمزج ألوان لوحاتها برائحة الشاي الأخضر و الأحمر " تاي نعنع" بحذف الهمزة الاولى من " أتاي" مغربنا ، التاي ، تاي و التسمية و المذاق كذلك يختلف من القصرين للمغرب و لكن اليد، ذات اليد التي تخلط الصباغ والألوان و تخيط الثياب للجمعية المسرحية هي ذاتها من تفتح دهاليز ذاكرة القصرين و تحكي لنا ما يغيب و ما يخفى و يصرخ بالعالم : نحن هنا ، لن نرحل و لن نشيخ سنخلط " بوقرعون " و القيحوانة كما ينطقها التوانسة ونصنع أحلامنا المؤجلة ، بنفس اليدين ونفس الاصرار ، صنعت لي ثيابا خضراء ، لمَ لم تجد غير تلك القطعة اليتيمة الملقاة ، صنعت لي منها ثوبا يزيده الليل اخضرارا و النور الباهت داخل الحديقة ، سحرا و غموضا ، هي يدي أخيرا تطلي وجهي و تحول ملامحه إلى الضبابية
و تجعل روحي تحلق عاليا فوق الشجر و البنيان و تلتحف بياض المساء و تمتزج ببياض اخر ، شفيف سرمدي ، لعله البياض الوحيد الذي ميز أيام و ليالي القصرين في الأشهر الفارطة ، مازالت الروائية و الشاعرة فتحية الهاشمي تواصل تقديم القراءات الزجلية و أنا أقف بين الأشجار أنتظر أن أصنع مفاجأتي الفرجوية و الموسيقى تهيء المساحة و اللحظة المواتية ، ترك لي الجميع الساحة و حلقت مع القمر.
ها وجهي بياض يرسم الأرض مسرحها ، الأرض امرأة تكحلت بدم الشهداء وتعالت ، الليلة عرس مشهدي يؤثثه الأطلس وتتغنى بها جبال الشعابني ، سنوات هي لم أركب فيها ركحا ولم احشر وجهي في الصباغة والألوان وحدها القصرين عرت عني صمت الفرجة وانتشت بحركاتي هنا وهناك .. وحدي والحرف المسرحي ينشد أن المحبة وحدها تكفي الليلة كي تفضي لدواخلنا بفرحها ونشيد شهدائها .