جولة في العالم الصغير
لا يختلف عن عالمنا الذي نعيش فيه، بل هو كنسخة نبعت منه ، وقد ارتأى لي أن أتقصى عن خبره ،ونبش غوره، في محاوله لفهم سره.
عالم صغير أتعبني الترحال بين منعرجاته وممراته الوعرة ، حتى استعصى علي مزيد من البحث لاستزادة الحوط به والالمام بمكنونه. ومع ذلك فقد اقتفيت أثره وتمكنت من اكتشاف القليل من قيمته وقدرا ضئيلا عن كمه وكيفه.
فقد رأيت فيه صلابة كصلابة الجبل، وشموخا يوازي شموخه ، به قوة كقوة الاعصار اذا طغى ،يضاهيه قسوة اذا بغى،أشده تحملا وأضعفه احتمالا ، شاهدت فيه نزعة الى الوحشية كوحشية الأسد ، ووداعة كوداعة الحمل ، ورقة كرقة الغزال وجماله ، وجدت فيه جبن الذئب ومكره ، وخبث الثعلب ثم دهاءه ، منه خصوية انبثقت من قفر يرتاده قحل ،
صادفت فيه وفاء الكلب وأخلاصه، وألفة القط وحدته ،منه تبر ولجين وبرنيز، توام الطبيعة في تناقضاتهاواختلاف الوانها،
به الابيض بصفاءه ووضوحه ، والاسود في غموض قتامته ، واللون الأحمر بشدته، ورمز الحب الذي يتسم به، له من الأخضر مثال النعمة والازدهار،كما اقتبس من الازرق أمانه وطمأنينته ، وأخذ من البني غرابته ومن الاصفر شبهته،
كما رايت ثم رايت فيه البحر بهيبته ، وخطورته على من يستهين بسكونه، نسخ من الهواء أهميته ، ومعنى الزهور وجدوى جمالها كزينة للحياة حوله، مثل الأرض تختزن به شتى انواع الكنوز ، واكتشفت أن فيه طائرا شاديا،و في كل صباح يتعلم الطيران، ثم تفاجات عندما لاح لي منه جهد النملة واستماتتها،
اجتمعت فيه الصفات باغربها ومعتادها ، فيه طبع العجب، وكل ما من شأنه أن يناى بك عن المتوقع.
عالم صغير لا يعرف، ولا أعرف، الى أين ستنتهي مسيرة كيانه ، ومتى سيأتي أوان اجله، او ما يمكن ان يخفف من وتيرة سرعته المحتدة ، ويستكين الى ما فطر عليه ، معترفا ببداهة ضعفه ، ملتزما بقوانين رسخت كأساس لوجوده ، يتخذ قيمها نبراسا لتواجده ، لا يحيد عنها اتقاء الخروج عن منحاه المفروض عليه أن يسلكه.