الـــــمـــــطــــــر الأبــــيــــض:
************************
الأرض القاحلة, و الأحياء العطشة, و النبات الدبلان, تنتظر حزن السماء , و دموعها ( المطر)
و الأنسان ما هو مطره ؟, من أين يرتوي ؟, و هل يحتاج للمطر ؟ نــــــــعم الانسان يحتاج للمطر.
لكن لمطر من نوع أخر, مطر الحب و الرحمة, وبر الوالدين, نعم إنه المــــطر الأبــــــــــيـــــــــض:
كنت أشتغل مع تاجر من تجار المدينة, و في يوم من الايام جلست مهموما أتأفف من حمل مطالب الدنيا.
و اليأس يكاد يتسرب للقلب, كان كل شيء ظلام أمامي, تنبه إلي التاجر بعين متفحصا, دخل مكتبه, ونادى
علي, ثم قال لي: أجلس , جلست شارد الدهن مكلوم الكبد, قال لي ما بك؟؟؟, قلت لا شيء سيدي.
قال لي : ما بك؟ و أياك ان تكذب علي, قل: قلت سيدي, لي أم و طفلان و زوجة, أمي آلم بها مرض لا أدري
من أين أدبر مال العلاج, لا أصبر على حالها, و الدمع يتصبب من عيني, وهو صامت لا يتكلم بأيي كلمة.
ظننت اني أكلم بخيل, شعرت اني أصب الماء في الرمل, و خيم الصمت في المكتب, قام التاجر من على مقعد
مكتبه, وجاء إلى مقعد جنبي و جلس, و وضع يده على كتفي, وقال:
أتدري مذا أدرفت من عينيك ؟, قلت دموع, قال لا, بل أدرفت مطر’ نعم مطر أبيض: سترتوي به امك و أسرتك
تلك الأرض الخصبة و الطييبة, و خيرها سيعم عليك, لا تحزن, قم أكمل شغلك, وقل حسبي الله و نعم الوكيل.
قمت من مقعدي أتصبب عرقا, و شارد الذهن , و بعد ساعة خرج التاجر من متجره و راح تجاه بيته.
و قبل ما يدهب قال لي: غلق الأبواب, و لما تطمأن على أمك , و أولادك, تعالى لي للبيت, قلت إن شاء لله .
دهبت للبيت و انا أمشي في طريقي أسأل نفسي , سأدخل لبيت؟( المرضي) هكذا كان يسميه الناس و كل
التجار, و انا ليس لي حتى بذلة كي نغير بذلتي, و ما سبب دعوته لي للبيت ؟ أقصا ما وصل له تفكري هو أن .
سيعطني شيئ من المال كي نأخد أمي للطبيب, دخلت البيت و أنا أجد رائحة امي يعانقني على عتبة الباب, و طفلي
الصغير يلعب على الباب يصنع للعبته بيده, و هي تتكون من قصبة عليها أسلاك, قلت في نفسي, حتى أطفالنا
إن أرادت تلعب فاعليها أن تصنع لعبتها بنفسها !!, ( يقال الحاجة أم الأختراع )
دخلت البيت, أكلنا لقيمات مع بعض , قلت لأمي غدا إن شاء الله سندهب عند الطبيب, قالت إن شاء الله كل شيئ بيده.
خرجت من البيت الذي يوجد في حيي كله صفيح لا يمكن أن يسمى مسكن بل هي أقرب لمخيم اللاجئين من بلد أخر.
دخلت للحي الذي يسكنه ( المرضي ) الراقي و توجد فيه كل المرافق الضرورية للحياة الكريمة , دخلت الباب, وانا
أمييز بين المدخلين , ( يعني باب بيتي و باب بيت ( المرضي ) مدخل طوله 25 متر و عرضه 3 امتار على جنباته
شجيرات و ورود تزيين المدخل عن اليمين و عن الشمال, و باب خشبي رفيع " تمنيت ان يكون سرير نومي".
كانت السماء غائمه , الجو يميل للقتامة كقتامة نفسي , أرتعش بردا زائد رعشة من أنني أدخل أول مرة كالضيف
عند أحد أغنياء المدينة, أنا إنسان أقل من بسيط, متعود الجلوس على الحصير, و في أحسن الحالات أجلس على جلد شاه,
( الهيضورة ) و مسند مملوء بالخراق , و بقايى التياب المتهرئة, و على جنبي مائدة لا يتجاوز رتفاعها على الأرض
شبر, و أبريق أتاي و كأس , و قطعة خبز مع قليل من الزيتون, أنا لست متعود على الجلوس في (الصالونات) الفاخرة.
و لا الولائم الضخمة, و لا الأكل بالسكين و الشوكة, كل هذا الأحساس نتابني و أنا أمشي على المدخل, وقفت على باب
مسكن ( المرضي ) " الڤيلى " للتفت على يمين الباب و تحت رجلاي زربية موضوعة على عتبة المدخل , أحسن من
فراش بيت الضيوف الدي, يوجد زر على علو متر و نصف , ضغطت على الزر , سمعت صوت " ألو من ؟ "
قلت : أنا " الغريب " نفتح الباب امامي , و نفس الفتاة صاحبة الصوت الأول , قالت : أذخل , ذخلت , و عاد
الباب و انسد , هل أنا في قصر تسكنه الأشباح ؟؟! أين أتجه ؟ هل أصعد ؟ أم أقف ؟ هل أزيل (حدائي ؟؟ ) ولو أنه
لا يستحق أن أسميه حداء, هو مجرد أسم و بقايى حداء, و بينما أنا في دهشة و تردد, تطل علي فتاة من على شرفة
داخل ( الڤلى ) و قالت لي تفضل أطلع , أردت أن أزيل ( حدائي ) لأن الدرج كلهم مفروشين ببلاط ( سجاد ) جميل .
صعدت, و رجلاي لا تكاد تحملني, متردد, و الفتاة ترحب بي: تفضل ... تفضل أدخل, دخلت و انا مندهش, كأنني
في حلم, كل هذا كنت أشاهده في المسلسلات على التلفاز, وهي تتابع خطواتي, تفضل ... تفضل أجلس, لا أدري على
أيي مقعد أجلس, كلما هممت أن أجلس على مقعد متأخر تقول لي الفتاة لا لا هنا, و ما كدت أن أجلس حتى دخل علي
( المرضي ) و قال لي : أهلا أهلا, قمت سلمت عليه, ثم قال لي أجلس, جلست, قال لي , تشرب أتاي أم قهوى ؟؟؟.
قلت له كل شيئ خير, أشار بيده للفتاة فانسرفت, التفت إلي وقال: أسمع أبني "غريب" كل ما تراه هو مجرد لعبة.
و قصة قصيرة, ممكن أن تكتب في أقل من صفحة, نعم لعبة, الحياة لعبة على مسرح, الجمهور فيه هم الابطال.
و الأبطال هم الجمهور, قلت له , و أنا و أمثالي قدرهم أن يكونوا ممثلون في الأدوار الهامشية أو خلف الكواليس حتى
إن أرادوا أن يتمتعوا بالمسرحية هم في الصفوف الخلفية إن وصلوها, دخلت الفتاة تحمل صحن مملؤ بالحلوى.
و أبريق أتاي و أبريق قهوى, و أبريق حليب, قال لي ماذا تشرب ؟؟ قلت أتاي , و لو كان ودي أن أشرب قهوى
لكن ترددت لأنها تحتاج شيئ آخر في شربها, قدح صغير موضوع في صحن صغير حبات سكر ملعقة صغيرة .
2
اما أتاي طقوس بسيطة, لا يحتاج إلا إلى صب, و الكأس في اليد, نعم هو مشروب البسطاء بإمتياز,
رشف ( المرضي ) رشفة من فنجان قهوته , و وضعه على المائدة أمامه , و التفت إلي كانه يريد أن يقول
لي كل شيئ دفعة واحدة, لكن طاقته البشرية لا تسعفه, يحاول أن يكمل الكلمات بحركات يده, ثم قال:
سأحكي لك حكاية عشتها بحدافرها, ما سمع بها أحد مني من قبل, حتي أبنائي ما سمعوا بها ولا يعرفون
عنها شيئ, لكن أنت اليوم بشرودك في المتجر أعدتني للماضي كله, و رسمت لي لوحة من قصتي, و الماضي
الدفين الحي, في رفوف ذاكرتي:
ختلطت أمامي الأوراق من جديد, حاولت ان أستجمع قواي الذهنية, بعدما زدحمت الأسئلة في ذهني, هل دعاني
كي يحكي لي حجاية ؟؟ هل انا كل ما ينقصني قصص ؟ هل سيشكي لي همه ؟ هل انا ناقص هم ؟؟ وضعت الكأس
على المائدة تظاهرت بالتركيز, حتى لا يشعر أنني أتغاضى عنه :
قال لي: {{ كان شاب و أمه يسكنا في مدينة. بعدما جاؤا مهاجرين لها هو و أمه و أبوه, الذي كان يشتغل حارس
عمارة, و الأم تشتغل في المنازل. كل يوم في بيت, مات الأب, بقي الشاب و أمه, دات يوم قالت الأم للأبن, بني.
ما بقي من العمر إلا القليل, إن أباك ترك لك شيئ من المال, كنا نعيش التقشف, و الأبتعاد على كل ما هو كمالي
بل كنا نتنازل على ما هو ضروري في كثير من الأحيان, هكذا قصت الأم للأبن القصة, ثم سلتمه المبلغ المالي, وقالت
له, هو لك أبني, و أنت أصبحت, سيد البيت: أخذه الأبن من يدها, منحني الهامة, و هو يشعر أنها تقدم له كنوز كسرى.
و عرش قيصر, و ملك "سليمان" و عيناه على رجليها, مسكه, و خر على ركبتيه يقبل رجليها و يديها, و يقول.
سمحني أمي, و ا دعي لي أمي , و هي تبتسم بسمة السماء في فصل الشتاء بالسحب الممطرة بالخيرات, كي تنبت الزهور.
و بعد أيام جلس بين يدي أمه الحنونه و قال لها: أماه ما رأيك أن نرحل للقرية حيث يوجد الأهل ؟ قالت نعم على شرط .
قال ماهو ؟ قالت: لما نعود تتزوج, قال خيرا أماه, أخد المبلغ و أودعه عند شيخ كان يسكن بجانبه, كان يدعى بــ ( طاهر )
لم يأخدوا معهم شيئ إلى زاد الطريق, كانت القرية من حيث هم تبعد عن المدينة التي ستوطنوها أكثر من300 "كلو متر"
و كان غالب سكان تلك القرية يهجرون بلادهم, لا يبقى فيها إلا العاجز, أو المحب للتراب, أو من يمتلك قوت سنة, اما شباب القرية نادرا ما تراهم هناك, من قلة فرص الشغل, و طموح الشباب, مباني القرية كأنها أطلال مدينة أثرية, من عهد دولة
حمو رابي, بعد مسيرة أكثر من أربع أيام, وصل غيرب و أمه لقريتهم, و الأم المنحنية الظهر عاد بها الزمان لأغوار الطفولة,
كأنها تعيش في زمان غير الزمان, و تتفحص مكان غير المكان الذي و لدت فيه, و هي تقول: هناك كانت أشجار الرمان.
و تحت ذالك التل كنا نحن فتيات القرية نقطف أوراق و أزهار الحنة, و هنا نعم هنا كانت عين, كان شباب القرية يأتون كي
يمارسون هيواية القنص, " قنص اليمام"مشت غير بيعد ووقفت, و تنهدت"هييييييه"لتفتت لشجرة تين عالية وارفة الظلال. ثم قالت هذه الشجرة, غرسها جدك يوم خطبة أبيك لي,... قالت دعني أستريح تحتها قليلا, جلست و كأنها تستريح من ثقل حمل
الزمان, زمان الشقاء, و تعب المدينة التي تأكل جمال الطبيعة في دهن الأنسان, و الأبن يتامل وجه حبيبته, ومصدر حياته.
كانها تعيش لحظة رومنسية, و نادرا ما يرى أنسان يمر , مرت اللحظات, و الأيام كانها ساعة, لكن هي ثلات أشهر كاملة.
كل فصل الربيع, قرر الشاب و أمه العودة, إلى مدينة المادة, و شوارع الغربة, و أزقة الوحشة, لا صوت يعلو فوق صوت الدرهم, ما كاد يستريح الشاب من تعب الصفر حتى لقيه جار له, وقال له مات الشيخ ( طاهر ):
ما بقي له وقت كي يستريح, راح لبيت الشيخ الهالك, لم يجد احد عاد, وهو في حيرة من أمره, مات ؟! و مالي ؟! تعب أمي و أبي عشرات السنين ؟! يحاول أن يتمالك نفسه.
عاد للبيت, لم يخبر أمه يحب أن يتركها تستريح, في الصباح خرج يبحث عن رأس الخيط الدي يوصله لامانته "ماله"
سأل أحد الجيران كان يجالس ( طاهر ) كثيرا: هل ورث أحد السيد ( طاهر ) ؟؟ قال لا, قال الشاب و من أخد متاعه ؟؟.
قال الرجل: كل ما تركه لا يساوي شيئ كثير, فقط البيت المتواضع الذي لا يمكن ان نسميه بيت, لكن كل ما سمعت أنه أهداه في
حالة مرضه لصديقه, ( حبيب ) قال الشاب: أين أجده ؟؟قال الرجل: إنه مولع بالصيد ممكن تجده على الشاطئ تحت الحجر المثقوب, انطلق الشاب بعدما أخذ عدة الصيد لأنه كان يهوى الصيد بالقصبة في عطلة الأسبوع, لكن هذه المرة لم يخرج كي
يصطاد السمك, بل خرج يبحث على صيد أخر ( مبلغ مالي ) ما إن رءاه جالس على صخرة يمسك القصبة و عيناه على طوابير
الأمواج المتتالية , و كما يقال: أن الصيد بالقصبة يعلم الصبر, من كترة الأنتظار, جلس جنبه بعد ما ألقى عليه التحية.
ألاح بالصنارة بكل ما يملك من قوة على أمواج البحر , جلس يفكر من أين يبدء ؟؟ يشعر أن سمكة تقترب من الصنارة.
و بعد ساعة أمسك بسمكة بدء يجدبها أليه و هي تقاوم, قترب منه ( حبيب) و هو يقول له لا تعاندها كثيرا خدها على مهل.
أخرجها, هنأه على صطياد السمكة, بدئا يتجدبان أطراف الحديث, ثم قال الشاب لــ ( حبيب) عظم الله أجرك في صديقك" طاهر
ثم ستطرد قائلا : كان طاهرا بكل ما تحمل هده الكلمة من معنى , ثم كسى الصنارة بالطعم, ولاح بها على موج البحر.
ثم للتفت إليه و قال له, هل له أبناء ؟؟ قال (حبيب ) لا أعتقد, قال له الشاب: وماله الذي تركه أين هو؟؟ قال له ( حبيب ) أوصاني أن أنتظر أسبوع فإن لم يأتي وارث شرعي أصدقه,
قال الشاب و متى هده الوصية سمعتها منه؟؟ قال ( حبيب ) أكثر من أربع أشهر, و كانت هي أخر زيارة لي .
و بسرعة سأل الشاب: و هل تصدقت بماله ؟؟ قال نعم إنها أمانة, و وصية صديقي , قال الشاب: بكل شيئ ؟؟ بكل شيئ ؟؟؟؟
قال ( حبيب ) نعم وما الأستغراب في هدا ؟؟:
3
قال الشاب: اللهم رحمه و تقبل منه هذه الصدقة يا رب , ثم قص له قصة الامانة التي اودعها عنده, ثم جمع عدته , عاد للبيت.
و أصبح الشاب لا يملك درهما واحدا, عاد للام مهموم مكسور الجناح, سألته أمه: هل رحت " للطاهر" ؟.
قال نعم رحت له لكن سبقني ملك الموت له, و أخذه بأمر من الله مند أسبوع, مالنا ذهب صداقة لروحه من غير قصد.
قالت الأم كيف ؟؟ قص عليها القصة من أولها,
كانت الأم قوية, مؤمنة صبورة, قالت للأبن: دع يد القدر تصنع ما تشاء, و مرت الأيام و الليالي, و تعودا على الفقر.
كما يتعود الأنسان على الغنى, ليس لهم من أسم المدينة إلا الأسم, مساكنهم القصدرية في الصيف نار و في الشتاء زمهرير.
ليس له مهنة محددة, المهم عنده قوت يومه, كل شغله الأعمال الشاقة, و مرة الأيام, و الحال هو الحال, وفي يوم كان داهب
للبحث عن الشغل في الصباح الباكر, وجد كيس من المال, أخذه بالهفة, و عاد للأم فرحا, ألقاه أمامها, و هو مسرور و منشرح.
قالت ما هدا ؟؟ قال مال إنه مال, قالت أعوذ بالله, و من أين لك به ؟؟ قال: لقيته في الطريق يا أماه, قالت الحمد لله, اعتقد ان
الامر انتها برضاء أمه على المال, قالت: انا حمدت الله على انك لقيته, لأنني خشيت ان تكون سرقته, قال: لا يا أماه انا أبنك
حتى ولو مت جوعا, قالت غدا تدهب كي تبحث على صاحب المال و ترده له, و هو سيسلمك هدية منه مكافئة على صنيعك و و ناكله بالحلال, قال الشاب: كنت لا أستطيع ان أقول, لا لأمي, ثم دهب يتجول في المدينة لعله يجد صاحب المال.
و هو يردد:
غريب! و علاقتي غريبة مع المال, كأنه يستهزء بي, كانه يسخر مني, يقترب مني يبتسم إلي, يفر مني بالشكل غريب, أهكذا
طبع المال ؟؟! ممكن:
ثم قال: دخلت مسجدا بعد بحث طويل أحسست بالعياء, و بعد الصلاة وقف رجل بين المصلين و قال بأعلى صوته: أيوها المؤمنون, ضاع لي كيس من المال, من لقيه يرده إلي و الله يحسن إليه, تردد الشاب, ثم امتلك نفسه, تبع الرجل من بعيد حتى
ذخل بيته, طرق عليه الباب, خرج الرجل, ثم قال الشاب: هل تسمح لي أن أسأل سيدي ؟؟؟ قال تفضل قل.
قال الشاب: لقيت كيس من المال و أنا أبحث عن صاحبه, هل ضاع لك شيئ ؟؟ فرح الرجل فرحا شديدا ممزوجة بالأستغراب
ثم قال: كيس أحمر ؟؟؟ قال الشاب نعم, لكن كم المبلغ ؟؟ قال الرجل ( 1000 ) درهم معها خاتم عليه أسم " مغمور"
قال الرجل هذه حكاية أخرى لا أستطيع أن أحكيها لك إلا من بعد لو أمكن يا بني, سلمه الشاب الكيس عده الرجل درهما درهما.
فرح الشاب, و ظن أنه سيعطيه من المال شيئ, لكن الرجل فقط ستضافه بقليل من الحلوى و كأس قهوى, شعر الشاب أن الرجل
يريده ان ينصرف, ترنح الشاب , وهو يطارد الكلمات عساها أن تخرج, ثم قال: سيدي كم ستعطني من المال ؟؟؟ قال: لا شيئ.
اندهش الشاب, و بدأ يناقص المبلغ حتى وصل أن طلب درهم, فامتنع الرجل, دارت الأرض بالشاب, و استغرب, كل هذا الجميل.
و الصنيع, و لا أضفر ولو بدينار واحد ؟؟.
عاد الشاب مهزوم يحمل الهم و الدهشة و الأستغراب, يقول: كل هدا العهد, و الوفاء, و التضحية, أوحرم من درهم ؟؟؟؟؟!!
عاد للأم و قص لها القصة كاملة كأنه يوحي لها هي التي ضيعت له الفرصة و دفعته ليرد المال لصاحبه, لكن الأم قالت له .
دع القدر يصنع ما يشاء, و الأرزاق بيد لله, قالت له قم استرح , حتى ينضج العشاء,
بعد أذان العشاء بقليل, و بينما الشاب نائم, و الأم ذاهبة كي تيقيضه, سمعت احد يطرق الباب, المصنوع من القزدير البالي,
و الخشب المتهرء, خرج الشاب, فتح الباب, فإدا به يجد الرجل صاحب الكيس,
قال الشاب: هل وجدت شيئ ناقص ؟؟ قال لا, قال: وما الأمر ؟ قال: ممكنا أدخل ؟ أنت لا يبدو عليك أثر البخل, قال الشاب.
تفضل, جلس الرجل, و الشاب و أمه صامتين ينتظران أن يقول سبب الزيارة, قال الرجل: و هو يتململ جئتك كي أسلمك الكيس.
نعم أسلمك الكيس كله بما فيه, التفت الشاب للأم و هي أيضا, ينظران في بعضهم بستغراب, الكيس كله ؟ !! ما الأمر ؟؟ !!
قال: أسمع أبني, كان لي صديق أسمه ( حبيب ) له خاتم كان يختم به رسائله, كل توقيعاته, عليه أسم, " مغمور" له أبن
فارقه مع أمه الطالق أكثر من, 30 سنة, ولا يعرف له أثر, هاجر إلى (...) و ترك لي 1000 درهم من دهب, و أوصاني إن لم يعود بعد عمين,
أتصدق به على إنسان يستحقه, و انتهت المدة, احترت في: من هو الأنسان الذي يستحقه ؟؟ أخدت المال كي أذهب إلى أحد الحكماء, لعله يحل لي هذا اللغز, في الطريق ضاع مني الكيس, احترت في أمري كدت أن أجن من البحث على الكيس, قلت في نفسي: لم يبقى لي إللا أن انادي في كل مكان يجتمع فيه الناس, السوق, المسجد, المقهى , كلما رئيت جمع أعلنت فيه أمري.
حتى جئت أنت, و أرجعت لى الكيس, فاستعطفتني أن أعطيك من المال مكافئة فرفضت, أن أعطيك درهم واحد, كنت أمتحنك لأنني
لمست فيك العفة, و الصدق, و لما ذهبت الى سبيل حالك, تبعتك كما تبعتني أنت حتى علمت مسكنك هذا, و أحسست أنك انت
الإنسان الذي يستحق هذه الأمانة, فهي لك كاملة,"1000" درهم, مع الخاتم, هذه هي الحكاية يا " غريب " }}
قلت: ومادا بعد؟؟؟؟؟,
قال لي ( مرضي ) أتدري من هو داك الشاب ؟؟, قلت: و من أين لي ان أعرف ؟.
قال المرضي: داك الشاب هو " انا " نعم هو المرضي, و ذالك المال هو أساس ما تراه من متاع, قلت له: سيدي انا لم أشكو لك حالي, لأنني تعودت على الفقر, حتى أصبح حلاوة حياتي, و قصتك أحمل في داكرتي أغرب منها, لأنني كما قلت لك تعودت الفقر
و عالم الفقراء, الفتفت إلي وقال: لا لا انا لم أدعوك كي أقص عليك قصتي, بل كي أعطيك لألف( 1000 ) درهم و الخاتم لأنك
تستحقه, مثل ما استحققته أنا من الرجل لأنك أذرفت الدموع " المطر الأبيض" من أجل امك, ما أجمل الدموع من أجل الأم,
ثم ناولني لألف ( 1000 ) درهم, و الخاتم, تاملت الخاتم أحسست بالشيئ غريب, خانتني الكلمات, لا أدري ماذا أقول له,
4
أخدت المبلغ مسرعا للبيت, لم أدري كيف قطعت المسافة, دخلت على أمي ألقيت لها المبلغ, و معه الخاتم, لم تتكلم أمي بكلمة.
و انا أيضا لم أتكلم كلمة.
لم تأبه بالمال, قفزت على الخاتم بعد تأمل طويل, ثم قالت لي: من أين لك هدا ؟؟!!!.
و انهمرت بالبكاء, لم أعهدها تبكي مثله مند 30 سنة, قلت اماه ما الامر ؟؟, تكلمت كلمات مختلطة بشهيق, و دموع,
لم أفك رموزها, فر أبني الصغير لحضني مشدوه, احتضنته أسندت ظهري للحائط, لم أستطع ان أفعل شيئ, أحسست ان
هذا المال نحس يجب التخلص منه, قلت في نفسي ما قيمة الدنيا أمام دمعة على خد أمي ؟ .
و بعد ما مرت العاصفة, قالت من جديد من أين لك هدا الخاتم؟؟ قلت: هدية من المرضي يا أماه, ثم أعذت لها كل الحكاية... قالت:
المرضي ؟؟ !!
قلت نعم,
قالت:
أتدري من صاحب هدا الخاتم؟؟
قلت: صاحبه, أسمه ( حبيب )
يكنى " مغمور"
هذا مكتوب على خاتمه.
قبلته و ضغطت عليه بكفها, ثم قالت.
هذا خاتم أباك يا غريب.... خاتم أباك, و أسرعت لركن البيت حيث يوجد صندوق من خشب كأنه من العهد الأندلوسي بزخارفه
فتحته بعناية أخرجت منه رسائل, لأول مرة أراها عليها ختم أبي, قالت هل هو؟؟ هل هو ؟؟, قلت: نعم هو,
أخذت الرسالة أتفحصها.
كانت هذه الرسالة, غرامية أرسلها لها بعد عقد الزواج, في الذكرى الأولى قبل العرس, كانت بالنسبة لها تلك الرسالة,
كنز لا يعوض بثمن, و سر من أسرارها, لأول مرة أعرفها و أطلع عليها,
عدت للحكاية التي حكاها لي المرضي, بكل تفاصيلها, فقط الأن استوعبت فصول القصة, كما استوعبتموها معي انتم,
قرأت الرسالة بعناية شديدة, بصوت عالي, دموع أمي تنزل, كانها:
المطر الأبيض, نعم إنه المطر الأبيض, كله حب و رحمة, لولاه النفوس أرض جرداء قاحلة, لولا المطر الأبيض, ما نبثت
شجرة " عطاء’ و لا نبثة أمل, ولا وردة حب.
ما أجمل المطر الأبيض مع العطاء’ ما اجمل المطر الأبيض على النفوس الخصبة المعطاء, ما أجمل أن تكون دموعك مطر أبيض, و عيونك سماء,
ما أقبح دموع البخيل الشحيح, كانها مطر الصيف,
ما أحوجنا للمطر الأبيض في
زمن الجفاف *
كي تفيض أنهار المحبة,
و تثمر أشجارها على...
كل الضفاف *
يأكل منها أهل العطاء
أهل المطر الأبيض..
يتمتعون بثمورها...
و يحسنون الطقاف *