تقديـــــــــــــــــــم
ــــ عندما يرخي ظلام الليل سدوله، وتشتعل الحياة بلهيب الجمار الحارقة، تغدو القلوب مثقلة بالهموم، ينقشع القمر وتبتسم النجوم يعم الصمت ويأتي طيف من الخيال ليعانقنا، فنحكي له عن يوم مليء بالحزن. من سراديبه يقدم لنا الأمل،
إذّاك يأتي وقت الإبداع؛ يحمل الفنان الريشة والأقلام ليرسم لنا صبح عيد جديد ،
أمّا أنا فاللّيل عندي حروف ومعاني، وسمر في الدّرب الغيواني لعيون قلب مثقل رخيم تناثرت شعابه بين قضايا الأمس واليوم، في سرب من القصائد الزجلية التي اعتبرها شموع تضيء بنورها ظلام الحزن الدّامس .
لم أكن أفكر بجد في جمع هته القصائد في ديوان، قبل أن اقرأ بعض الأعمال الزجلية المنشورة، مع كامل احترامي وتقديري لأصحابها، لقد وجدت أن ما عندي هو أهل لان ينشر ويطلع عليه القارئ العزيز، وجدت أن فلدات الأكباد هته، تعبر بصدق عن قلب يدق بالألم ويعانق في الأفق الأمل، وتؤكد أن للزجل دور في مقاربة القضايا الراهنة، والتعبير عنها، وإبداء رأي فيها .
في البداية كتبت لشيء واحد؛ وهو التعبير عن رأي متواضع في مجموعة من القضايا باللغة التي يفهمها ، ولا يفهمها، الجميع ــ بعد إذن أهل اللّغة إن سمحوا لي بتسميتها كذلك ــ، فكثيرون هم أولائك الذين يعتقدون ، بوعي أو دونه، بأن الزجل هو اللغة العامية ، ربما سيكون لي رأي أخر ؛فإذا كانت العامية هي اللغة البسيطة والمتداولة ، يتقنها الجميع صغارا وكبارا، لا نحتاج فيها الى الكثير من الفهم لنعرف مدلولاتها، فإن الزجل ليس كذلك ، كيف؟: هو الكلام المنظوم والمقفّى، والاهم من هذا، هو أنه الكلام الذي يحمل المعاني والعبر بين الحروف والكلمات، ولا نفهم مدلولاته إلا بالاطلاع على ما خلف السطور ، وكم هو الأمر صعب، فهو عمل أو إنتاج ارتبط بالمجذوب أو البوهالي الذي أراد من خلاله ان يقول لا؛ لا للظلم لا للقهر...، من هذا نفهم انه، وبلغة آل علم النفس، منفذ للتفريغ والترويح عن النفس واستظهار المكبوتات الكامنة في لا شعورنا . وعلى هذا الأساس بنيت كتاباتي؛ كتبت لأجل الأصدقاء في المجموعة الغنائية، ــ مجموعة أشبال الغيوان ــ ، وعلى العموم فهذه فلدات كبدي اهديها لكل من تجرع مرارة الحزن كؤوسا، ولكل من ضاق بالظلم ضرعا، ولكل من احترق قلبه عشقا، ولكل من سلبت أرضه غصبا، ولكل من احتلت بلاده جورا، ولكل من تأمل في عظمة الخالق وقال سبحان الله، ولكل من فارق الأم الحنون واشتاق الى أن تلقاه، والى كل من عانق الأمل وواجه الألم والمعانة والصعاب، الى كل من أدارت له الدنيا ظهرها وغابت عنه شمس الفرح والابتسامة وغدا للحزن خليل،والى كل من يعشق المعاني ويستأنس بالنغم الغيواني ...
وللإشارة فاني هذا العمل يحتوي في الأخير على جزء يسير من ملحمة " عبق السنين .. عبث ونهش في الذاكرة " التي أنا بصدد كتابتها ، هذا الجزء تحدثت فيه عن بعض الذكريات على هامش الطفولة الحبلى بلحظات الألم والأمل .
في الأخير لم أجد بداً من شكر أصدقاء الدرب الغيواني: إبراهيم، مصطفى، إسماعيل، خالد، بن هذان .. لأنهم الملهم الذي أوحى لي بدء الكتابة في هذا المضمار الزجلي، وأقول لهم من خلف الذكريات: "من رحم الدرب نشانا، جمعتنا الأفراح والاقراح، جمعنا الأمل والألم، جمعتنا الضحكات والابتسامة، فليس صعب أن يموت الإنسان .. بل أن لا يجد الوسيلة ليعيش حياته، وها نحن وجدناها وبها نحيى سمر فن وإبداع، نستبق الزمن ، ونرسم باللحظات ذكريات، وقد لا يسعفنا العمر لنصنع لها شيئا ،فنقول آه من أحوجنا الى تلك الأيام.