وصية الربيع بن خيثم لابنه رائعة
هذا ما أوصي به الربيع بن خيثم
وعظ ابنه فقال يا بني :
اني قد وسمت لك وسما ووضعت لك رسما ان انت حفظته
ووعيته وعملت به ملأت أعين الملوك وانقاد لك به الصعلوك
ولم تزل مرتجى مشرفا يحتاج اليك ويرغب إلى ما في يديك
فأطع اباك واقتصر على وصية ابيك
وفرغ لذلك ذهنك واشغل به قلبك ولبك
اياك وهذر الكلام وكثرة الضحك والمزا ح ومهازلة الإخوان
فإن ذلك يذهب البهاء ويوقع الشحناء
وعليك بالرزانة والتوقر من غير كبر يوصف منك ولا خيلاء تحكي عنك
والق صديقك وعدوك بوجه الرضى وكف الأذى من غير ذلة لهم ولا هيبة منهم
وكن في جميع أمورك في أوسطها فإن خير الأمور أوساطها
وقلل الكلام وأفش السلام وامش متمكنا قصدا ولا تخط برجلك
ولا تسحب ذيلك ولا تلو عنقك ولا ردائك ولا تنظر في عطفك ولا تكثر الالتفاف
ولا تقف على الجماعات ولا تتخذ السوق مجلسا ولا الحوانيت متحدثا
ولا تكثر المراء ولا تنازع السفهاء
فإن تكلمت فاختصر وإن مزحت فاقتصر
واذا جلست فتربع وتحفظ من تشبيك أصابعك وتفقيعها
والعبث بلحيتك وخاتمك وذؤابة سيفك
وكثرة طرد الذباب عنك وكثرة التثاؤب والتمطى وأشباه ذلك
مما يستخفه الناس منك ويغتمزون به فيك
وليكن مجلسك هاديا وحديثك مقسوما
وأصغ إلى الكلام الحسن ممن حدثك
بغير إظهار عجب منك ولا مسألة إعادة
وغض عن الفكاهات من المضاحك والحكايات ولا تحدث
عن إعجابك بولدك ولا جاريتك
ولا عن فرسك ولا عن سفيك
واياك وأحاديث الرؤيا فإنك إن أظهرت عجبا بشيء منها
طمع فيها السفهاء فولدوا لك الأحلام
واغتمزوا في عقلك ولا تصنع تصنع المرأة ولا تبذل تبذل العبد
ولا تهلب لحيتك ولا تبطنها وتوق( يعني احذر ) كثرة الحف
ونتف الشيب وكثرة الكحل
وليكن كحلك غبا ولا تلح في الحاجات ولا تخشع في الطلبات
ولا تعلم أهلك وولدك فضلا عن غيرهم عدد مالك
فإنهم إن رأوه قليلا هنت عليهم وإن كان كثيرا لم تبلغ به رضاهم
وأخفهم في غير عنف ولن لهم قي غير ضعف ولا تهازل أمتك
واذا خاصمت فتوقر وتحفظ من جهلك وتجنب عن عجلتك
وتفكر في حجتك وأر الحاكم شيئا من حلمك ولا تكثر الأشارة بيدك
ولا تحفز على ركبتيك وتوق حمرة الوجه وعرق الجبين
وإن سفه عليك فاحلم وإذا هدأ غضبك فتكلم
وأكرم عرضك وألق الفضول عنك وإن قربك سلطان فكن منه
على حد السنان وإن أسترسل اليك فلا تأمن من انقلابه عليك
وارفق به رفقك بالصبي وكلمه بما يشتهي ولا يحملنك ما ترى من الطافه
إياك وخاصته بك أن تدخل بينه وبين أحد من ولده وأهله وحشمه
وإن كان لذلك منك مستمعا وللقول منك مطيعا
فإن سقطه الداخل بين الملك وأهله صرعة لا تنهض وزلة لا تقال
وإذا وعدت فحقق وإذا حدثت فاصدق
ولا تجهر بمنطقك كمنازع الأصم ولا تخافت به كتخافت الأخرس
وتخير محاسن القول بالحديث المقبول
وإذا حدثت بسماع فانسبه إلى أهله وإياك الأحاديث العابرة المشنعه
التي تنكرها القلوب وتفق لها الجلود
وإياك ومضعف الكلام مثل نعم نعم ولا لا وعجل عجل وما أشبه ذلك
ولا تكثر الاستسقاء على مائدة الملك
ولا تعبث بالمشاش ولا تعب شيئا مما يقرب اليك على
مائدة بقلة خل أو تابل أو عسل
فإن السحابة قد صيرت لنفسها مهابة
ولا تمسك إمساك المثبور ولا تبذر تبذير السفيه المغرور
واعرف في مالك واجب الحقوق
وحرمة الصديق واستغن عن الناس يحتاجوا اليك
واعلم ان الجشع يدعو إلى الطبع والرغبة كما قيل تدق الرقبة
ورب أكله تمنع أكلات
والتعفف مال جسيم وخلق كريم ومعرفة الرجل قدره تشرف ذكره
ومن تعدى القدر هوى في بعيد القعر
والصدق زين والكذب شين ، ولصدق يسرع عطب صاحبه
أحسن عاقبة من كذب يسلم عليه قائله ومعاداة الحليم خير من مصادقة
الأحمق ولزوم الكريم على الهوان خير من صحبة اللئيم
على الإحسان ولقرب ملك جواده خير من مجاورة بحر طراد
وزوجة السوء الداء العضال ونكاح العجوز يذهب بماء الوجه
وطاعة النساء تزرى بالعقلاء
تشبه بأهل العقل تكن منهم وتصنع للشرف تدركه ،
وأعلم أن كل امريء حيث وضع نفسه
وإنما ينسب الصانع إلى صناعته والمرء يعرف بقرينه
وإياك وإخوان السوء فإنهم يخونون من رافقهم ويحزنون من صادقهم
وقربهم أعدى من الجرب ورفضهم من استكمال الأدب
واستخفار المستجير لؤم والعجله شؤم وسوء التدبير وهن
والإخوان اثنان فمحافظ عليك عند البلاء وصديق لك في الرخاء
فاحفظ صديق البلاء وتجنب صديق العافية فإنهم أعدى الأعداء ومن اتبع الهوى مال به الردى
ولا يعجبنك الجهم من الرجال ولا تحقر ضئيلا كالخلال
فإنما المرء بأصغريه قلبه ولسانه ولا ينتفع به بأكثر من أصغريه
وتوق الفساد وإن كنت في بلاد الأعادي ولا تفرش عرضك لمن دونك
ولا تجعل مالك أكرم عليك من عرضك
ولا تكثر الكلام فتثقل على الأقوام
وامنح البشر جليسك والقبول ممن لاقاك
وإياك وكثرة التبريق والتزليق فإن ظاهر ذلك ينسب إلى التأنيث
وإياك والتصنع لمغازلة النساء وكن متقربا متعززا منتهزا في فرصتك
رفيقا في حاجتك متثبتا في حملتك
والبس لكل دهر ثيابه ومع كل قوم شكلهم
واحذر ما يلزمك اللائمة في آخرتك ولا تعجل في امر حتى تنظر في عاقبته
ولا ترد حتى ترى وجه المصدر ،
ومنازعتك اللئيم تطمعه فيك
ومن أكرم عرضه أكرمه الناس وذم الجاهل إياك أفضل من ثنائه عليك
ومعرفة الحق من أخلاق الصدق والرفيق الصالح ابن عم
ومن أيسر أكبر
ومن افتقر احتقر
قصر في المقالة مخافة الإجابة
والساعي إليك غالب عليك
وطول السفر ملالة وكثرة المنى ضلالة
وليس للغائب صديق
ولا على الميت شفيق وأدب الشيخ عناء وتأديب الغلام شقاء
والفاحش أمير والوقاح وزير والحليم مطية الأحمق
والحمق داء لا شفاء له
والحلم خير وزير والدين أزين الأمور
والسماجه سفاهة والسكران شيطان وكلامه هذيان
والشعر من السحر
والتهدد هجر والشح شقاء والشجاعة بقاء
والهدية من الأخلاق السرية
وهي تورث المحبة
ومن ابتدأ المعروف صار دينا
ومن المعروف ابتداء من غير مسألة
وصاحب الرياء يرجع إلى السخاء ولرياء بخير خير من معالنة بشر
والعادة طبيعة لازمة إن خير فخير وإن شرا فشر
ومن حل عقدا احتمل حقدا
ومراجعة السلطان خرق بالإنسان والفرار عار
والتقدم مخاطرة وأعجل منفعه إيسار في دعة
وكثرة العلل من البخل وشر الرجال الكثير الاعتلال
وحسن اللقاء يذهب بالشحناء
ولين الكلام من أخلاق الكرام