المدينة : الدار البيضاءعدد المساهمات : 7236معدل النشاط : 12091تاريخ التسجيل : 08/12/2009الموقع : www.da-wawin.com
موضوع: حكاية مسعود / ذ. محمد مباركي الأحد 6 مارس - 0:05
المهم أن مسعود انطلت عليه الحيلة و انهزم ،
تميزت مدينتي في منتصف القرن الماضي بكونها أصغر مدينة في هذا الجزء من المملكة، كانت في منزلة بين القرية و المدينة، الكل فيها يعرف الكل. و الغريب ترصده الأعين منذ أن يدخل المدينة حتى يخرج . من أين جاء ، و أين نزل ، و ما نوع القرابة التي بينه و بين مضيفه ، و لماذا زاره ، و كم مكث عنده ، وهل ينوي زيارته ثانية ؟. و أكثر سكان المدينة تطرفا في جمع أدقّ المعلومات عن الغرباء كان هو " مسعود " الزنجي . الجميع يعرفه و هو يعرف الجميع صغيرهم و كبيرهم . و أحيانا يختبر ذاكرته بسؤال أحدهم ، و هو على يقين تام من الإجابة ، " أنت ابن فلان ؟ " ، فيرد الآخر بالإيجاب ، فيطمئن قلبه ، خاصة إذا كان يعرف أباه و أمه و أجداده حتى .
بعض المسنين قالوا أن مسعود ينحدر من قبيلة زنجية من قبائل " التكرور" ، كان أبوه يتكلم لغة "البامبارا" . و مسعود ذاته تعلم هذه اللغة ، لكن مع الزمن لم يعد يتكلمها، أو بالأحرى لم يجد من يتكلمها فيكلمه بها ، لكنه كان يردّد بعض الكلمات، تعرف أنها للسبّ و الشتم و البذاءة ، يطلقها على خصومه كالسهام .
قالوا أيضا أن جده لأبيه كان عبدا في " تمبوكتو "، هرب متأبطا حريته على مطية سرقها من سيده أوصلته إلى منتصف الطريق و نفقت ، فأكمل الطريق مشيا حتى وصل إلى هنا ، لتزوج من أمة اشتراها من شيخ إحدى الزوايا بالمنطقة ، و أعتقها في مسجد المدينة أمام جمع من المصلين، و بذلك حافظ على نطفته في أصوله الزنجية ، فأنجبت له ابنا وحيدا سماه " مبارك " هو والد مسعود .
ورث مسعود عن والده و جده بنية جسمانية قوية و روحا مرحة خفيفة محبوبة . يمازحه معارفه بمقولة يكررونها دائما :
" يا صاحب الوجه الأسود و القلب الأبيض ".
فيردّ عليهم ببداهة :
" يا أصحاب الوجوه البيضاء و القلوب السوداء "، و يقهقه قهقهة المنتصر.
ما سمع أحد في المدينة أن " مسعود " مرض يوما أو زار طبيبا أو تناول دواءً. و كان إذا سمع بمرض أحدهم، عاده، و مازحه بكلمات لا تخلوا من التجريح الخفيف..
" يا أسفي على الدجاج الأبيض كيف يمرض بسرعة " .
و كلما سألوه " ألا تمرض يا مسعود ؟ " ردّ بانفعال مفتعل :
" أعوذ بالله من أعينكم يا أولاد الحرام ، فقلبي أبيض ليس كقلوبكم " . ثم ينصرف لحاله .
لم تعلمه المدينة إلا سائقَ عربة يجرّها حصان إرلندي ضخم ، يحمل فيها أسطال الحليب . ينقلها من مزرعة " الخالدي " إلى ثلاث محلبات بالمدينة موزعة على أحياءها ، يملكها حمزة و أحمد و العيد .
بعد جولته الصباحية التي يوزع فيها الحليب على أصحاب المحلبات ، يمرّ بأحد البقالين يتبضع و يعود إلى المزرعة ، يغيب ساعة ثم يعود في عجالة إلى مقهى " اليزيد " يسأل عمّا جدّ من أخبار في غيابه القصير . يعود هذه المرة على دراجة هوائية " مفلسة" لم يبق منها إلا العجلتين و المقود و الكرسي .
و للفرملة يستعمل رجله اليسرى ، حتى أصبحت هذه الدرّاجة مضرب المثل في الإفلاس ، كأن يقول أحدهم :
" أفلس من دراجة مسعود " .
و كان مسعود يحتجّ على كل من لمسها أو حاول إعارتها ، بأنها رأسماله الوحيد في هذا البلد رغم إفلاسها .
طلب منه بعض أصدقائه في مقهى " اليزيد" أن يشتروا له دراجة جديدة ، أو أن يصلحوا له دراجته بإضافة الأضواء والفرامل و استبدال الكرسي المغلف بجلد الخروف بآخر جديد ، لكنه صرخ فيهم :
" أنا أريدها هكذا مفلسة يا أولاد الحرام "
و حلف بالطلاق ألا يسمح لهم بمسها .
سمع الناس قصة مسعود و دراجته المفلسة ، حتى الأغراب حملوا معهم هذه الحكاية ، و تندر بها الجميع مع الزيادة و النقصان ، بل مثلها الأطفال على خشبة الزقاق ، و ضحكوا و أضحكوا أقرانهم و أمهاتهم .
لكن تبقى أغرب " مؤامرة " حيكت ضد مسعود هي تلك التي نسج خيوطها أصحاب المحلبات الثلاث
و كان الشيطان رابعهم . اتفقوا على الإيقاع بمسعود و طرحه على فراش المرض ، بشن حرب نفسية قصيرة عليه ، و نفذوا " مؤامرتهم " صبيحة يوم السبت .
فمن عادة مسعود أن يبدأ بحمزة في توزيع الحليب ، و كان حمزة هذا ماكرا ،إذ بادره متصنعا الدهشة
" ما بك يا مسعود ؟ " ، رد عليه مقطبا " لا شيء" . اقترب حمزة منه أكثر و نظر في وجهه و عينيه مليّا و أردف " ما لهذا الاصفرار قد غلب على سواد وجهك ؟ " ، انتفض مسعود و رد بكلمة نابية لاذعة ، و ركب العربة و لم يأبه لسؤال حمزة. و عند وصوله إلى محلبة أحمد ، و قبل أن يردّ أحمد التحية عليه ترك كوزا قصديريا يفلت من يده و يرتطم بالأرض محدثا صوتا تنبه إليه المارة ، و صرخ :
" ما بك يا مسعود ؟ " ردّ مسعود باندهاش ، هذه المرة ، " لا شيء ، ما بكم هذا الصباح يا أولاد ..؟ "
تصنع أحمد الجدّ و أمطره بأسئلة عن الاصفرار الذي علا وجهه ، و جاءه بكرسي و أجلسه عليه واضعا إياه بين الشك و اليقين .
أما عندما وصل إلى محلبة العيد ، جرى صاحبها إليه و ساعده على النزول من العربة ، و منعه من إنزال أسطال الحليب هو من قام بذلك ، و جاءه بكرسي و كأس من الشاي ، لحظتها لم يشك العيد في نجاح " مؤامرتهم " ، كما لم يشك مسعود في كونه قد مرض ، خاصة لمّا أحس بوهن شامل يسري في أوصاله حتى كاد يسقط من على الكرسي .. تمالك .. طلب من العيد أن يساعده على ركوب العربة للعودة بسرعة إلى المزرعة .. ففعل العيد بنشاط شيطاني وهو يدعو له بالشفاء و يشيعه بنظرات ظاهرها الحزن و باطنها فرحة " الانتقام " من هذا الذي لم يهزم ، صاحب الوجه الأسود و القلب الأبيض صاحب الضحكة المنتصرة دوما ، لا يمكن الفصل بين جدّه و هزله .
المهم أن مسعود انطلت عليه الحيلة و انهزم ، و بهزيمته تندر الناس سنوات ، و علقت الحكاية مكتوبة على جدران المدينة الصغيرة بعد أن حولها أحد المجانين إلى قصة قصيرة ، نشرتها إحدى المجلات ، منهم من قرأها أو قرئت عليه ، منهم من استحسنها و منهم من وصف الكاتب بمزور للحقيقة ، و منهم من لعن المزاح و المقاهي ، و تساءل عن مصير مسعود إن كان قد قام من سقطته بعد هذه
" المؤامرة المازحة ". و علق آخر قائلا " أمثال مسعود إذا سقطوا فقومتهم مستبعدة، و حتى إن قاموا لن يعدوا إلى سالف عافيتهم ". و تساءل آخر " إن كان مسعود قد اكتشف " المؤامرة " و من دبّرها ".
و هو ما لم يذكره الكاتب.
و في المساء قصد جمع من هؤلاء، أحد الذين صنعوا " المؤامرة" ليسمعوا الحكاية كلها.
وجدة
ahmed chorfi عضو نشيط
المدينة : casablancaعدد المساهمات : 75معدل النشاط : 76تاريخ التسجيل : 02/02/2011الموقع : dawawin.forum.st
موضوع: رد: حكاية مسعود / ذ. محمد مباركي الأحد 6 مارس - 14:14
أستادي سعيد محمودي البارحة حكاية عمر واليوم حكاية مسعود أنت إنسان مجد ومجتهد وقدوة لي أتمنى أن أقرء المزيد فائق إحتراماتي تلميدك أحمد الشرفي
سعيد محمودي المدير العام
المدينة : الدار البيضاءعدد المساهمات : 7236معدل النشاط : 12091تاريخ التسجيل : 08/12/2009الموقع : www.da-wawin.com
موضوع: رد: حكاية مسعود / ذ. محمد مباركي الأحد 6 مارس - 14:29
أخي وصديقي العزيز أحمد الشرفي يسعدني مرورك البهي والدائم وأعدك بالمزيد تحيتي لكاتب الحكاية لك اجمل التحيات ومزيدا من التألق والعطاء
عدل سابقا من قبل سعيد محمودي في الثلاثاء 21 أغسطس - 13:55 عدل 1 مرات
ahmed chorfi عضو نشيط
المدينة : casablancaعدد المساهمات : 75معدل النشاط : 76تاريخ التسجيل : 02/02/2011الموقع : dawawin.forum.st
موضوع: رد: حكاية مسعود / ذ. محمد مباركي الأحد 6 مارس - 14:37
أستادي أنا إشتقت إلى قصيدتك ٠الرحى والقرشال٠وأتمنى أن تتحفنابها إحترماتي تلميدك أحمد الشرفي
سعيد محمودي المدير العام
المدينة : الدار البيضاءعدد المساهمات : 7236معدل النشاط : 12091تاريخ التسجيل : 08/12/2009الموقع : www.da-wawin.com
موضوع: رد: حكاية مسعود / ذ. محمد مباركي الإثنين 20 يونيو - 16:33
انشاء الله أخي أحمد الشرفي ستكون المناسبة قريبا انشاء الله وتسمعها بصوتي أعدك بدالك شكرا لك ولمرورك البهي وتحيتي لكاتب الحكاية
حياة نخلي عضو فعال
المدينة : الجديدةعدد المساهمات : 318معدل النشاط : 410تاريخ التسجيل : 07/06/2011العمر : 49الموقع : dawawin.forum.st
موضوع: رد: حكاية مسعود / ذ. محمد مباركي الإثنين 20 يونيو - 22:53
قصة رااائعة يمكن من خلالها استخلاص مجموعة من العبر في أهمها...
-اذا أوهمنا الاٍنسان بشئ يمكن ان نصدقه ونكون ضحيته ، فالتأثير النفسي على الاٍنسان أبلغ من الجسدي..وتكون عواقبه وخيمة
كما تطرقت القصة الى العديد من الظواهر الاٍجتماعية السلبية كالنميمة والحسد ..راقتني جدا هذه الحكاية الشعبية التي تنبع من صميم واقعنا ...اشكرك أستاذ سعيد محمودي...أجمل التحايا
نعمة عبد السلام عضو فعال
المدينة : أصيلةعدد المساهمات : 147معدل النشاط : 229تاريخ التسجيل : 04/06/2011الموقع : dawawin.forum.st
موضوع: رد: حكاية مسعود / ذ. محمد مباركي الإثنين 20 يونيو - 23:12
شكرا لك أخي سعيد محمودي وشكرا لمحمد مباركي جميل ماقرأت هنا
ابراهيم الرامي نائب المدير العام
المدينة : العرائشعدد المساهمات : 3588معدل النشاط : 4910تاريخ التسجيل : 27/06/2010الموقع : www.da-wawin.com
موضوع: رد: حكاية مسعود / ذ. محمد مباركي الإثنين 20 يونيو - 23:38
رائعة هي هذه القصة أخي سعيد لقد عشت لحظات مع قصص مسعود ،فتارة ينتصر وتارة تنطوي عليه الحيل بورك فيك اخي سعيد ..انتفاء موفق نتتظر منك المزيد من القصص الرائعة تحياتي
البعليوي عبد السلام مشرف الزجل
عدد المساهمات : 1359معدل النشاط : 1721تاريخ التسجيل : 27/05/2010الموقع : www.da-wawin.com
موضوع: رد: حكاية مسعود / ذ. محمد مباركي الثلاثاء 21 يونيو - 0:11
الاخ العزيزالسي سعيد محمودي آثارت انتباهي هذه الحكاية وقراتها إنها من صميم واقعنا وما اكثرها وهنا وجدت كلمة مؤامرة من المخبتين الذين يحسدون الناس ولو على حساب صحتهم تحيتي
سعيد محمودي المدير العام
المدينة : الدار البيضاءعدد المساهمات : 7236معدل النشاط : 12091تاريخ التسجيل : 08/12/2009الموقع : www.da-wawin.com
موضوع: رد: حكاية مسعود / ذ. محمد مباركي الثلاثاء 21 يونيو - 23:55
شكرا لك أختي الفاضلة حياة نخلي على مرورك البهي وردك المعبر بارك الله فيك
سعيد محمودي المدير العام
المدينة : الدار البيضاءعدد المساهمات : 7236معدل النشاط : 12091تاريخ التسجيل : 08/12/2009الموقع : www.da-wawin.com
موضوع: رد: حكاية مسعود / ذ. محمد مباركي الثلاثاء 21 يونيو - 23:56
شكرا لك أختي نعمة عبد السلام على مرورك الكريم وتحيتي لكاتب الحكاية
سعيد محمودي المدير العام
المدينة : الدار البيضاءعدد المساهمات : 7236معدل النشاط : 12091تاريخ التسجيل : 08/12/2009الموقع : www.da-wawin.com
موضوع: رد: حكاية مسعود / ذ. محمد مباركي الثلاثاء 28 يونيو - 0:35