الطاب عثمان حسيني زجال الصحراء
. التأخر الدراسي
1 التعرف على التأخر الدراسي
يعد التأخر الدراسي / ــ هناك من يصطلح عليه الفشل الدراسي ــ من أكثر الكوابيس المرعبة التي تبقى مسيطرة على الإباء والأبناء خلال المستويات التعليمية الأولى، قبل أن يتحدد مسارهم التعليمي ويأخذون التوجه الذين يرغبون به، ولان المدرسة الابتدائية هي الإرهاص الأول الذي توضع عليه لبنات التوجه الدراسي، وبالتالي فأي اضطراب في هذا المستوى يعني التعثر، هذا إذا لم نستثني بعض الحالات.
التأخر الدراسي هو "حالة نقص في التحصيل الدراسي" لأسباب عقلية/ عضوية أو اجتماعية أو نفسية انفعالية .. بحيث تنخفض نسبة التحصيل دون المستوى العادي؛ بمعنى تأخر في مستوى التحصيل على النسبة المتوسطة وقد يكون هذا الأخرــ التأخر الدراسي ــ في مادة دراسية أو أكثر فالبعض تجد تحصيله في مادة الرياضيات أو التاريخ ضعيف نضرا إلى عوامل ذاتية وموضوعية لكن تحصيله الدراسي في الفيزياء أو الكيمياء يكون جيد والبعض الأخر تجده متأخر دراسيا في مادة الفيزياء أو الكيمياء لكن مستواه التعليمي يكون جيد في المواد الأخرى وقد يكون دائم أو مؤقت كان يكون مستوى التحصيل الدراسي خلال مرحلة التعليم الأساسي لكن خلال مرحلة التعليم الثانوي التأهيلي يكون جيد أو العكس . وفي الإطار الميداني سيتم تحديد الأسباب إحصائيا كالآتي :
أسباب التأخر الدراسي 119
العامل الأسري 56 46%
العامل الذاتي 21 18%
العامل المدرسي 21 18%
عوامل أخرى 21 18%
وعلى العموم يبقى التأخر الدراسي من المشاكل الأكثر انطراح في الأوساط التعليمية بمختلف مراحل المدرسة ، فهو ظاهرة تربوية عامة لقيت اهتماما واسعا من لدن الباحثين والمهتمين بهذا المجال، فالتأخر الدراسي يجمع بين ما هو نفسي وما هو اجتماعي وما هو اقتصادي وما هو تربوي ، ويعاني منه جميع الإطراف المشاركة في العلاقة أو العلاقات التربوية داخل المدرسة وخارجها بما في ذلك الأطفال المتأخرين دراسيا بالدرجة الأولى، وكذلك المدرسون والأطر التربوية داخل المدرسة، والآباء وأولياء الأمور .. هذه المعطيات وغيرها، هي التي ستأطر هذا العنصر ومن خلالها سنحاول تفسير الأسباب الذاتية، سعيا للفهم وبالتالي محاولة التشخيص العلمي الموضوعي، لأسباب التأخر الدراسي قبل أن نعرج على نقطة أخرى تتمثل في العلاقة التواصلية للمتأخرين دراسيا داخل المجال المدرسي وهنا إذا قلنا التأخر الدراسي عند الطفل أو التلميذ المتمدرس، ألا ينعكس التأخر الدراسي على سلوك الطفل ؟ وبالتالي على العلاقة التربوية داخل المجال المدرسي ؟ ما هي تجليات هذا لانعكاس على العلاقة التربوية .
2 أسباب التأخر الدراسي
ليس صحيحا أن نربط أسباب التأخر الدراسي بسبب دون غيره بل هناك مجموعة من الأسباب المتفاعلة تتراوح بين ما هو ذاتي وموضوعي، وهناك بعض المتغيرات المرتبطة بالتأخر الدراسي حاولنا دراستها في البحث الميداني الذي شمل عينة من المدارس الابتدائية، ولأنه كما سبق الإشارة إلى ذلك يصعب تحديد سبب التأخر الدراسي وكذا الإطراف المباشرة والغير المباشرة المسئولة عنه حولنا ربط أسبابه بثلاث متغيرات رئيسة وهي، العوامل الذاتية بالضرورة: تلك التي تكون ناتجة بالأساس عن مرض عضوي أو اضطراب نفسي، والمتغير الثاني هو العامل الأسري، المستوى الاقتصادي والانتماء الطبقي لاجتماعي والبنية الثقافية و والمستوى التعليمي للوالدين وأفراد الأسرة بصفة عامة، وعندما نقول العامل الأسري فهو يحتوي بشكل ضمني المحيط الاجتماعي بما في ذلك المجتمع ككل، أما المتغير الثالث والذي حاولنا أن نكون أكثر جدية في أخد أثاره فهو العامل المدرسي الذي تتعدد الأطراف الفاعلة والمتفاعلة فيه؛ والمقصود بالعامل أو المتغير المدرسي هو ما يرتبط بالمعرفة من جهة ويدخل في هذا النطاق المقررات الدراسية والبرمجة الزمنية ومن جهة ثانية ما يرتبط بالتجهيزات أو المستوى الايكولوجي ومحيط المدرسة والأساليب المعتمدة في العملية التعليمية التعلمية داخل المدرسة سواء ارتبطت بالفصل المدرسي أو كانت خارجه ويمكن إدراجها في الأتي :
ذهبت نسبة 18% من المبحوثين ( عينة المدرسين إلى اعتبار أن سبب التأخر الدراسي عامل عضوي مرتبط بذات الطفل لكن تبقى هته النسبة فارغة إذا لم يتم تحليلها سيكوبيداغوجيا، يعني ما المقصود بالعامل الذاتي ؟ ما هي الجوانب التي يشملها هذا العامل ؟ كيف يتم تحديد هته العوامل كعناصر مؤثر في التأخر الدراسي ؟
أ ـ الأسباب العقلية :
تتمثل الأسباب العقلية للتأخر الدراسي في بعض الاضطرابات المرتبطة بالأساس بذات الطفل كانخفاض نسبة الذكاء ؛ فالمتأخرون دراسيا تكون نسب الذكاء لديهم دون المتوسط 78% وهي نسبة من المتأخرين دراسيا الذين لديهم ذكاء دون المتوسط .
كما يمكن أن ترجع إلى بعض العوامل العضوية التي تنعكس على وظائف بعض العمليات العقلية المعرفية كضعف القدرة على التركيز بسبب الشرود الذهني والأفكار "التسلطية" كما أن لاضطراب الذاكرة والتذكر عامل متغير يساهم في التأخر الدراسي للمتمدرس ؛ فعدم قدرته على معالجة واسترجاع الخبرات التي يكتسبها خلال العملية التربوية / التعلمية ، ولا ننسى عامل القدرة اللغوية ...وصعوبة التفكير المجرد
ب ـ الأسباب النفسية :
يعد الجانب النفسي الانفعالي عامل أساسي ومتغير مؤثر في العملية التربوية؛ وذلك نتيجة عدم الاتزان الانفعالي التي يمكن أن تتجلى في سرعة الانفعال والقلق الناتج عن الاضطراب الانفعالي والخوف الذي نتعدد أسبابه بين ما هو اجتماعي وثقافي ونفسي تكويني والشعور بالنقص والخجل والغيرة والميل إلى العدوان نحو الذات ونحوى الأخر سوء كان هذا الأخر يمثل الزملاء والإقران أو المدرسين أو حتى موضوعات التجهيزات المدرسية مثل تكسير النوافذ الذي في الغالب ما يكون نتيجة لضعف الثقة بالنفس والثقة بالنفس هنا ليس في معناها السطحي المتداول ولكن في مستوى أعمق يعود بالضرورة إلى التكوين البنيوي في الشخصية ضف إلى ذلك الاستغراق في أحلام اليقظة و الثورات الانفعالية الحادة كما تتميز نظرتهم نحو المدرسة ونحو دواتهم بالسلبية وذلك نتيجة شعورهم بالفشل والإحباط وعدم التقبل من المدرسة ومن المنزل ينعكس على عدم تقبلهم لدواتهم ومن الآخرين وهذا ما يؤدي إلى التقليل من دافعياتهم نحو المدرسة ونحو الاكتساب المعرفي بشكل عام أما بالنسبة لسلوك الطفل المتأخر دراسيا فقد أكدت نسبة 7% من المبحوثين على أن سلوكهم يكون طبيعي بينما 57% منهم يكون سلوكه يتميز بالعدوانية أو كما يصطلح عليه في الوسط المدرسي بالشغب الموجه نحو الذات ونحو المعلم ونحو المدرسة بينما أكدت نسبة 36% منهم أن المتأخرين دراسيا يتميزون بالانطوائية والانكماش حول الذات وتفضيل الانزواء عوض الانفتاح والتواصل سواء مع الأقران أو مع الزملاء هذا السلوك الأخير يكون داخل المجال المدرسي بينما سلوكاتهم الخارجية ــ خارج المدرسة ــ تكون أكثر حركية واندفاعية وبالتالي فان هذا العامل النفسي هو متغير أساسي في دراسة التأخر الدراسي .
ج ـ الأسباب التربوية:
إن هذا العامل هو مربط الفرس، كيف ذلك .
فالتلاميذ المتأخرين دراسيا الذين يكون مستوى ذكاءهم دون المتوسط تكون المناهج التعليمية تفوق مستواهم العقلي هنا يختل التوازن بين المناهج التربوية المقررة في المدرسة ومستوى ذكاء الطفل وأثبتت الدراسات أن التلاميذ المتأخرين دراسيا يتوقف نموهم غالبا في سن الثالثة عشر والنصف (13.5) ويكون اقل من المتوسط بحوالي عامين(2) تقريبا خاصة في المواد التعليمية التي تحتاج إلى تفكير مجرد مثل الهندسة الرياضية والعمليات الحسابية ويجب تكون لديه ذاكرة الاحتفاظ وقوة الانتباه من اجل مسايرة المقرر الدراسي دون تأخير.
وأكدت العديد من الدراسات أن هناك نسبة من المتغيبين يكونون من فئة المتأخرين دراسيا فعلى المستوى النفسي لهؤلاء تنخفض لدافعية لديهم في مسايرة المقرر التعليمي لأنهم متأخرين عن الأقران والزملاء فيجدون أنفسهم خلال الحصة التعليمية خارج الإطار العام أو سياق هذه العملية لأنهم عاجزين فيتولد لديهم شعور بالإحباط ناتج عن الصراع النفسي فيضطرون للتغيب عن الفصل تجنبا للألم النفسية وتبريرا لسبب التأخر الدراسي لديهم . وان كراهيتهم لبعض المواد الدراسية ترتبط بالأساس من كراهيتهم للمدرسي هذه المواد نتيجة استخدام هذا المدرس لأساليب لا تربوية في العملية الدراسية كان يستعمل بعض الأساليب العقابية الضرب بالعصا ــ العقاب الجسدي أمام الزملاء تكون له اثر سلبية على نفسية المتعلم ــ والتحقير من مستوى المتمدرس أمام زملاءه إن لم تؤدي إلى خلق بعض العقد النفسية لذا التلميذ تنعكس بالسلب على علاقاته الاجتماعية والتواصلية وكذلك على مستوى تحصيله الدراسي.
ومن النتائج التي تم تحصيلها خلال البحث الميداني للمدارس الابتدائية خلصنا إلى أن ما نسبته 68 % من المدرسين يفضلون اللجوء إلى الأساليب العقابية الزجرية هذه النسبة تتوزع بين 20% يفضلون اللجوء إلى العقاب الجسدي تحت مبرر لا تربوي وهو أن " الطفل كموني إلى ما تحك ما يعطي ريحت " وفي هذا كما سبق الإشارة إلى ذلك اثر سلبية على نفسية الطفل خصوصا وان هذا العقاب الذي يتعرض له يكون أمام الزملاء . بينما ذهبت نسبة 23% أساليب تظن هي أنها اخف ضرر وهو العقاب اللفظي كأسلوب أفضل دون وعي منها أن الآثار النفسية التي يمكن أن يخلفها هذا النوع من العقاب قد تكون أعمق من الآثار التي يخلفها العقاب الجسدي أما بالنسبة للفئة الثالثة وهي فضلت العقاب المنزلي وهي تشكل 25% لكن 32% من المبحوثين فضلت اللجوء إلى أساليب أكثر حداثة وهي تغييب أي آلية عقابية قد تلحق ضرر بالتلميذ أو الطفل المتمدرس درءا لأي مخلفات نفسية قد تخلفها هته الأساليب التقليدية.
إن اضطراب العلاقة التربوية التواصلية بالأساس بين المدرس والمتمدرس تؤدي إلى ضعف مردودية التلميذ فضلا عن ذلك فان عدم اهتمام المدرس بالمتمدرس وبمشاكله الفردية والاجتماعية وإرهاقه بكثرة الواجبات المنزلية وضعف كفاية المدرس يؤدي إلى وكذا موقف المدرسة السلبي من بعض التلاميذ من شأنه أن يؤدي ــ وهذا أمر محتم ــ إلى التأخر الدراسي له .
طبعا لا يمكننا حصر عوامل وأسباب التخلف الدراسي في العوامل الموضوعية بل إن هناك عوامل ذاتية تخص ذات الطفل المتمدرس نفسه كان لا يحسن مثلا التعامل مع الوقت وان يقضي غالبية الأوقات في اللعب أو مشاهدة أفلام الكارتون لا نقصد بهاذ القول انه ليس لهذه الأنشطة دور تربوي معين ولكنها تكون سلبية إذا كانت تشغل كل أوقات التلميذ خارج فترات الدراسة كما انخفاض الدافعية للتعلم ــ وسنستفيض في الحديث عن هذه المسألة في فصل لاحق ــ تكون لديه منخفضة كما أن جل المتمدرس للطرق والمنهجيات السديدة في التعامل مع المقرر الدراسي من شانه كذلك أن يساهم في التأخر الدراسي له ، الذي يكون كذلك راجع إلى سبب قلة الاهتمام بالواجبات المدرسية وهنا تجدر الإشارة إلى أن الفاعل التربوي المعلم يكون هو الحاسم في هذه المسالة كيف ذلك ؟ إن إثقال كاهل التلاميذ بالواجبات المدرسية يجعل منها عبئا وان أحسن القول فإنها تأخذ طابع العقوبات المنزلية وبالتالي يجد التلميذ نفسه ملزما بها ليس لفائدتها على تثبيت المعارف التي اكتسبها في الفصل وإنما ولكن لتجنب عقاب المعلم الذي إن لم يكن ماديا فسيكون لفظيا يضطر إلى الغياب خوف من العقاب أو الإحراج أمام الزملاء تحت ذريعة المرض أو شيء من هذا القبيل والغياب المتكرر في إحدى المواد التعليمية لهذه الأسباب يجعله يكون صورة سلبية عن الذات.