يسعدنا أن نستضيف ضمن فعاليات برنامج " حوارات ثقافية" أحد رواد الكتابة بالمغرب والمختص في أدب الطفل الأستاذ العربي بنجلون مدير مجلة " كتابات" المهتمة بالفكر والإبداع.
الكاتب المفرد بصيغة الجمع؛ حيث اجتمع فيه ما تفرق في غيره . أليس هو بسليل وخريج مدرسة الحركة الوطنية المجيدة ؟ فهو المربي والقاص والشاعر والروائي والناقد والمؤلف والمؤطر والباحث والحكواتي والفاعل الاجتماعي والإعلامي . الكاتب الذي شرب من معين الثقافة والإبداع الأصيل . والذي يعرض منتوجه القصصي في التربية غير النظامية بصفة معتمدة بدول أوربية.
ألم يعين رئيسا لتحرير القسم العربي بالشركة الدولية للإعلام بـ ( جنيف سويسرا) 2007؟ .ألم يحرز على جائزة اليونسكو عن " قاسم أمين وتحرير المرأة" 1975؟ ألم ينل الجائزة الأولى للعرض الثقافي في المهرجان المغاربي الأول لمسرح الطفل 1990 ؟ ألم ينل تنويها واستحقاقا من جامعة ابن زهر ـ كلية الآداب والعلوم الإنسانية ـ بأكادير 1988؟ ألم يكن عضوا بجمعية النقد الأدبي باتحاد الكتاب العرب بسورية منذ 1992؟ ألم يكن عضوا باتحاد كتاب المغرب 1982؟
ألم..........؟ ألم........؟
كرونولوجية مساره الإبداعي تتوزع عبر مثلث يربط بين الوطن الأم و الشرق والغرب ؛ ومؤلفاته الخاصة بأدب الطفل ترى الاهتمام الكافي بمن يولون الأولوية لتنشئة البراعم على القيم النبيلة ؛ والسبل الحميدة باعتبارهم عماد المستقبل ، ونهضة الأمة. وإصداراته المتنوعة والمتعددة تخللت جل الأجناس من تربية نظامية وغير نظامية ؛ ونقد وإبداع ؛ وأدب للأطفال..
الحديث عن الطفل وأدب الطفل من الأمور التي تشغل بال الأسرة والمدرسة والمجتمع ؛استدرجنا أستاذنا العربي بنجلون ليجيبنا عن بعض منها لأنها تتعلق باهتماماته وانشغالاته وتخصصه. وللمبحر في عالم " النت" متعة القراءة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
ـ ماذا يمثل الطفل ككائن له خصوصياته.. بالنسبة لكاتبنا العربي بنجلون؟
الطفل مشروع مواطن ناجح، إذا أحسنا تربيته وتعليمه. وكلما كبر ونما عوده، ولم نعتن به أولم نتعهده بالتقويم، إلا وقدمنا للمجتمع مواطنا فاشلا. لهذا اخترتُ هذا الميدان، ميدان التربية والتعليم، واخترتُ هذا المجال، مجال الكتابة للطفل أولا وأخيرا.
ـ الكتابة للطفل تستوجب معرفة عميقة لعالمه الجواني لإشباع تعطشه المعرفي والسيكولوجي..هل هذا صحيح ؟
طبعا، فأنا كنت طفلا، ومازالت الطفولة ماثلة بين عيني، أوظفها في الكتابة للصغار والكبار معا. وحاليا أؤلف كتابا عن الطفولة وما عانيته في صغري من مشاكل. كما أنني ألفتُ كتابا عن أمراض الطفولة النفسية والذهنية، وكتابا آخر عن الكتابة للطفل، قصة ورواية وشعرا ورسما وهوايات متنوعة. فهذا الركام كله، جعلني أقتحم ميدان الكتابة للطفل بثقة. بالإضافة إلى ذلك، فأنا أتعقب الجديد في الأبحاث النفسية والعقلية للأطفال، بل أعاشرهم من خلال قراءاتي لهم في المدارس والنوادي، وأفتح معهم حوارات ونقاشات، لأرى مدى تطور وعيهم، وكي أظل مسايرا لهم.
ـ هل كل كاتب يفترض أن يكون كاتبا للطفل وذا قدرة على إبداع الأدب الطفولي ؟
ـ طبعا، لابد أن يكون محبا لهذه الشريحة الإنسانية، وذا ميل كبير نحوها، وله استعداد طبيعي للتعامل والتواصل معها، وإلا فشل في أداء مهمته. وفي الوقت نفسه، يساير إبداعات الطفولة في مختلف دول العالم، لأن الأطفال أطفال، سواء كانوا في الجنوب أوفي الشمال. ينْشُدونَ العطف والحنان والعناية، ويهوون اللعب، والعيش الهني، والسلم والأمن، والرياضة والحركة والرحلة، وكل ما هو ممتع ومسلٍّ. وعلى كاتب الأطفال أن يكون ملما برغائب الطفل هذه، ليركز عليها في كتاباته ويرسخها بين الأطفال، حتى ينشأوا متزني النفس والعقل والعاطفة.
ـ ما هي متطلبات فن الكتابة للطفل؛ التي يجب توفرها في أي كاتب مبدع يريد خوض لجاج عالم الطفولة ؟
أولا، الرغبة في الكتابة لهذه الفئة. ثانيا، أن يحدد المرحلة العمرية التي يستهدفها، أهي الواقعية من 1 إلى 5 أم مرحلة الخيال الحر من 6 إلى 9 أم...ثالثا، أن يُلِمَّ بكل مرحلة من هذه المراحل، من حيث الخصائص المميزة لها، كالنفسية والذهنية والعقلية واللغوية وو...رابعا، أن يتواصل معهم باستمرار.
ـ هل يؤمن ذ العربي بنجلون بأن الكتابة للطفل عبارة عن رسالة تربوية تثقيفية منزهة عن غرض أي تجاري ؟
يجب أن تكون كذلك، لأن الغرض التجاري يسقطها في السطحية والنفعية ويقلل من البحث والتطوير والتحديث، فالمادة دائما، تفسد الأغراض المعنوية النبيلة. وفي الدول المتقدمة، تُسخَّر كل الإمكانات لنجاح البحث في عالم الطفولة، دون أن نصب عينيها الأغراض المادية.
ـ هل مقولة : " إن من يكتب إلى الطفل يجب أن يكون عايش الطفولة عن قرب .. أي أن يكون مربيا" صحيحة ؟
لا، هناك استثناءات، مثل الأستاذ أحمد عبد السلام البقالي، الذي كان مترجما، ولم يكن مربيا أو اشتغل في حقل التعليم. لكن أغلبية الكتاب، لهم علاقة بالتربية، لأن دورهم فيها، وتكوينهم التربوي، يدفعانهم إلى الكتابة للأطفال.
ـ خبرة الكاتب وموسوعية اطلاعه هل تخول له الكتابة للطفل؛ أم أنها يجب أن تكرس بالموهبة ؟
أجل، ينبغي أن يكون الكاتب موسوعة في كافة العلوم والمعارف والآداب واللغة، لأنه يحتاجها في تمرير كثير من الرسائل للأطفال، في مجال الصحة، ومجال السلوك، ومجال الصناعة، والبيئة، والعناية بالبيئة. فمثلا، في هذه الأيام، طُلِب مني قراءة قصص للفتيان في الثانوي، وهؤلاء بحكم القانون هم أطفال، فاخترت موضوعات عن السيدا والتدخين والمخدرات. وكان علي أن أطالع كتبا علمية في هذه المجالات، لأضَمِّنَ معلوماتها في تلك القصص، كي أقدم للفتيان معلومات علمية سليمة. وهكذا ترى أن كاتب الأطفال، يجب أن يبقى على صلة بالثقافة والفكر والعلم.. وعبد الكريم غلاب يقول: إذا لم أقرأ، فلن أكتب.وهو من ضمن كتاب الشباب!.!.
ـ ذ العربي بنجلون ككاتب للطفل له صدى طيب على مستوى الو طن العربي ـ هل داخل الوطن يتردد نفس الصدى ؟
ليست لنا داخل الوطن أية اهتمامات بأدب أو بالكتابة للأطفال، وكل ما يقال ويثار ما هو إلا ذر الرماد في العيون، والتظاهر بالعمل من أجل الطفولة. ولهذا فالطفل شبه مغيب من المشهد الوطني، كأنه لم يوجد بعد
أحاول أن أدلي بدلوي في هذا المجال، فأجد تشجيعا من دول أروبية وعربية، كأنجلترا والاتحاد الأروبي في تأليف كتب ثقافية للأطفال غير المستفيدين من التربية النظامية، وكذلك من دول عربية، كالكويت وعُمان ومصر واليمن للمساهمة إما في الكتابة أوفي المشاركة في أنشطة. وبالنسبة للمغرب، فالاهتمام تجلى في المؤسسات التعليمية، التي تتوفر على مدراء ومسؤولين تربويين، يشعرون بأهمية الكتابة للأطفال والعناية بتثقيفهم. لكن على المستوى الرسمي، فلا يوجد أي اهتمام، ويكفي أن أقول لك إنه ذات معرض للكتاب، شاءت الصدفة أن ألتقي بوزيرة نابت عن وزير الثقافة في تدشين المعرض، وهي الآن سفيرة، فاسترسلت أمام الوفد المرافق في إبراز أهمية الكتابة للطفل، فقاطعتها قائلا: كل المسؤولين، يا سيدتي، يرددون هذه الأغنية، ولكنهم لا يفعلون شيئا !.. فغضبت وانصرفت من الرواق الذي كنت موجودا فيه.
ـ هل المغرب ـ في نظرك ـ حقق اكتفاء ذاتيا بالنسبة للأدباء الذين يكتبون للطفل؟
لا أحد يفكر في ثقافة الطفل أو الكتابة له، وكل ما هو موجود، بفضل الجهود الفردية والعطاء الذاتي، وبفضل بعض دور النشر، التي لاتضع الربح في مقدمة تشجيعها لهذا المجال.
ـ كيف تقيم وضع الكتاب؛ و الكتابة للطفل من خلال معايشتك ومشاركتك ـ أيضا ـ في المعرض الدولي للكتاب ؟
ليست لنا داخل الوطن أية اهتمامات بأدب أو بالكتابة للأطفال، وكل ما يقال ويثار ما هو إلا ذر الرماد في العيون، والتظاهر بالعمل من أجل الطفولة. ولهذا فالطفل شبه مغيب من المشهد الوطني، كأنه لم يوجد بعد.
ـ اعتزمت وزارة التجهيز والنقل عقد شراكة مع اتحاد كتاب المغرب ( خاصة المهتمين بأدب الطفل) لإنجاز مشروع قصصي حول أدب الطفل يخص "آداب الطريق ـ قوانين السير" هل هذا صحيح؟
ربما هذا هو المشروع الوحيد الناجح في تاريخ المغرب، والذي بالفعل يتغيا توعية فِلْذاتِ أكْبادِنا بأهمية السلامة الطرقية، وهو يقترب من مرحلة التنفيذ. ولقد سبق لوزارة ما، أن أرادتْ التوجه نحو أدب الطفولة، بنية إبراز اهتمامها، ففشلت لأنها راهنت على الربح، ولم تستطع أن تشرك معها المختصين، أمثال الراحل البقالي والكاتب الكبير محمد الصباغ والكاتب عبد الفتاح الأزرق، وغيرهم كثير..,هذا سر فشلنا في أي مشروع، وأعني عدم إشراك الْمُلِمِّين بالقطاع الذي نريد النهوض به.
ـ ماذا عن الوزارتين المهتمتين بالتربية الوطنية والثقافة . هل هناك من مشاريع ؟
لا علاقة لي بِهِما، ولم أسمع عنهما شيئا. فالأولى تخوض في مشاكل الانتقالات والتعيينات، والثانية في الأمور العادية التي تتكرر كل سنة، من مثل إصلاح آثار، أو دعم فرقة مسرحية، أو منح جائزة الكتاب، وكفى. أي لا توجد خطة للنهوض بالثقافة بصفة عامة، سواء بالنسبة للصغار، أو بالنسبة للكبار.
أجرى الحوار : عبدالكريم القيشوري.