"إن غبت عن الطريق تصل إلى الله" أبو يزيد البسطامي.
"وحدهم التائهون يدلوننا" مولانا جلال الدين الرومي.
وسط حياتنا المعاصرة ،الشبيهة بصحراء من المعاني ،ارتفعت صوامع المساجد لتعانق السماء، في حين تشبثت أرواح مرتديها بالأرض ، ظهر التدين و غاب الدين،ظهرت معالم الإسلام ،و اختفت سلالم الإيمان.
لم يكن غريبا أن يقول النبي صلوات الله عليه و سلامه " جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا"،لأنه كان حاضرا في ذهنه الشريف أن المهم في عملية الصلاة هو الإنسان،ليس المسجد،"و أينما تولوا فتم وجه الله "حيثما كنت فأنت قادرا على وصل قلبك به عز وجل ..المسجد في عرفي ليس الجدران ن ليس البناية ، المسجد في عرفي هو كل المعرفة الدينية ، أو لنكن صرحاء كل الموروثات الدينية، فللأسف ورثنا الإسلام لكن لم نرث الإيمان، فالإيمان تجربة معاشة ،حقيقة قلبية نفيسة ف"الإيمان ما وقر في القلب و صدقه العمل"1، و"من ثمارهم تعرفونهم"2.
الإيمان تجربة ، و التجارب تختلف من فرد لأخر ،لهذا وجدت الحقيقة و الشريعة،الأولى تعاش و الثانية تطبق،فإذا كان الرصيد من الأولى ضئيلا ، كان الناتج من الأخرى هزيلا.
ربما نكون ظلمنا المسجد حينما أقمناه على الأرض و عمرناه و عطرناه، و لم نقمه في القلب.
المسجد هنا و القلب هناك في أودية المشاغل، فغادر المسجد لتجد الله،غادر معرفتك القديمة إلى معرفة جديدة، ربما تحفظ العديد من الفتاوى ،ربما أنت ملتح، ربما ترتدين حجابا،ربما درست كتب العقيدة فما تعلمت منها سوى التفسيق و التبديع و التكفير، و أشغلت النفس بهم أهل باطل و نحن أهل حق، الأسماء لها بريق خداع أحيانا ،و الشعارات تسحر العقول، ربما سرنا إلى المسجد بأقدمنا كثيرا، لكن قلوبنا لم تخطو نحو الله ،"و من أعرض عن ذكري فان له معيشة ضنكا" القضية في المعيشة الذكر يرافق المعيشة ( التجربة- الإيمان تجربة ) السعيدة، و "لذكر الله أكبر" من الصلاة فالذكر استحضار لله لجلاله و جماله، و الاستحضار تجربة ، و من التجربة يتكشف المعنى، فحينئذ تعود للمسجد الحقيقي،حينها يقف معك أخيك الإنسان بغض النظر عن دينه أو فكره أو مذهبه أو طائفته، كما وقف نصارى نجران مع النبي صلوات الله و سلامه عليه ،و صلى كل لقبلته، كل على طريقته،لكل جعلنا منكم شرعة و منهاجا.
غادر مسجدك صوب الله، فحين ستجده ستجد المسجد.
أترك مسجدك المعرفي، لا تهدمه، شخصيا لم أهدم معرفتي السابقة، لكني نقحتها و زدت عليها، و سأزيد عليها،و سأستمر في الزيادة "وقل ربي زدني علما" لأجد الله ثم بعدها سيُِبنى المسجد لوحده.
الآن أجسادنا، تصلي داخل جدران، حين نجد الله، سنزور المسجد فتحدثنا جدرانه لأنها لها روح،و سيتبشبش لنا الله أكثر و أكثر ، لأننا عرفنا كيف نزوره.
1- النبي محمد صلى الله عليه و سلم.
2- النبي عيسى صلى الله عليه و سلم