القصيدة اليتيمة - أبو القاسم التنوخي
بسم الله الرحمن الرحيم
أخبرنا أبو المنصور ظافر بن طاهر المطرز بقراءتي عليه في يوم الثلاثاء ثامن ذي الحجة سنة إحدى وأربعين وستمائة بالإسكندرية.
أنبأ الحافظ أبو طاهر أحمد بن محمد بن أحمد السلفي، قراءة عليه، وأنا أسمع.
أنبأ الشيخان: الإمام ابو محمد جعفر بن أحمد بن الحسين اللغوي، وأبو الحسين المبارك بن عبد
الجبار بن أحمد الصيرفي ببغداد.
قالا: أنبأ القاضي أبو القاسم علي بن المحسن بن علي التنوخي.
قال: أنشدنا هذه القصيدة أبو الحسن علي بن محمد النحوي الوزان، عن أبي النضر النحوي الحلبي، عن الزجاج، عن محمد بن حبيب قال: من غفل شعري ذي الرمة قوله: وأنشدناها أبو الحسين محمد بن عبيد الله النصيبي الأزدي، وأخبرني أن أبا عمر محمد بن عبد الواحد صاحب ثعلب أنشده عن أبي العباس أحمد بن يحيى لدوقلة المنبجي.
وقرأتها على أبي العباس أحمد بن محمد الموصلي المعروف بالأخفش، أنشدني جماعة عن أبي بكر
محمد بن الحسن الأزدي، عن أبي حاتم السجستاني، عن الأصمعي، وأبي عبيدة قالا: القصيدة اليتيمة.
وأنشدنيها رجلٌ من الكتاب يعرف بأبي الحسن السوراني، عن أبي محمد بن درستويه عن المبرد قال: القصيدة علتي لا يعرف قائلها وهي اليتيمة.
وفي جميع هؤه الروايات اختلاف ألفاظ، وزيادة ونقصان.
وعرضتها على ابي القاسم بن جرو الأسدي فأمضاها. هذا قول جعفر.
وقال المبارك بن عبد الجبار: وعرضتها تصحيحاً على أبي القسم عبيد الله بن محمد بن جرو
الأسدي. وقال لي أبو الحسن علي بن الحسن الرازي: سمعت ابا عبد الله بن خالويه ينشد القصيدة فسألته: لمن هي؟ قال: تروى لسبعة عشر شاعراً. واللفظ للمبارك بن عبد الجبار.
قصة القصيدة
ذكر في قصة نظمها ان ابنة احد الأمراء في نجد واسمها دعد كانت شاعرة بليغة وأميرة فاتنة ,فخطبها من أبيها كثير من الأمراء فأبت الزواج إلا برجل أشعر منها . فنظم شاعر من تهامه قصيدة وركب ناقته قاصدا نجد , وفي الطريق مر ببعض أحياء العرب فأضافه كبير الحي وسأله عن حاله وسبب مقصده فذكر له السبب وأطلعه على القصيدة وقتل الرجل بعد أن حفظ القصيدة وذهب الى الاميرة ليخطبها ، فسألته من أي الديار انت فأجاب من العراق فلما سمعت القصيدة رأت بيتا يدل على ان قائلها من تهامة فصرخت بقومها : هذا قاتل بعلي ،فقبضوا عليه واستنطقوه فاعترف .
وقيل سميت اليتيمة لأنها قتلت ناظمها أو لأنه لم يعرف قائلها.
هذه القصيدة اكتسبت شهرتها لبيت فطنت له المرأة، كدليل على ذكاء المرأة العربية وفطنتها، وحدث ما حدث وإليكم ملخص القصة كما قرأته
الحسين بن محمد المنبجي المعروف بدوقلة هذا الشاعر كما تقول أشهر الروايات هو الذي نظم قصيدته والتي تعد القصيدة الوحيدة أو " القصيدة اليتيمة " كما أطلق عليها بعد ذلك، ولكن لا يوجد تأكيد على كون هذه القصيدة تنسب له أم لا، هذا بالإضافة لتعدد القصص التي تروي المناسبة التي قيلت فيها وتقول إحدى الروايات إن هذه القصة ترجع إلى زمان بعيد حيث كانت هناك ملكة تدعى دعد كانت ملكة لليمن قد أخذت على نفسها عهدا بألا تتزوج إلا بمن يمتلك من الفصاحة والبلاغة ما يكفي لأن يغلبها به، وعرفت هذه الملكة بجمالها الأخاذ الساحر مما جعل الشعراء يتبارون في نظم وعرض مالديهم من قصائد عليها، ولكن لم تنل أي من قصائدهم إعجابها، كان دوقلة هو أحد الشعراء الذين سمعوا بخبر الملكة وما تريده من مواصفات الشخص الذي سوف يصبح زوجاً لها، وكما سمع عن هذا سمع أيضاً عن جمال الملكة الباهر فانطلق ينظم الشعر فأبدع واحدة من أروع القصائد والتي مازالت تحتل مكاناً متميزاً بين قصائد الشعراء، وبينما هو في طريقه إلى الملكة ليعرض عليها قصيدته مر بأحد الأحياء فنزل عند أحدهم، وبينما دوقلة عنده أخذ يسرد عليه قصيدته هذه القصيدة التي أعجبت الرجل كثيراً ولاقت في نفسه قبولاً واسعاً، وشعر دوقلة بمدى الإعجاب الذي جرى في نفس الرجل كما شعر بالغدر الذي قد يقع به فقام بإلحاق قصيدته ببيت ذكي أملاً في ذكاء دعد، أن تكتشف الغدر الذي سيلحق به وبالفعل كما توقع دوقلة قام الرجل بقتله وحفظ القصيدة لكي يلقيها هو على مسامع دعد، وعندما ذهب الرجل لدعد لكي يلقي عليها قصيدة دوقلة سألته عن الديار الذي أقبل منها قال إنه من العراق فلما سمعت القصيدة وجدت بها بيتاً يدل أن صاحبها من " تهامة " وهو البيت الذي يقول فيه دوقلة: إِن تُتهِمي فَتَهامَةٌ وَطني أَو تُنجِدي يكنِ الهَوى نَجدُ
وما أن ختم القصيدة هبت دعد من مقعدها صارخة بقومها : أقتلوا قاتل زوجي، وهكذا فمن قتل يقتل فعلى الرغم من أن هذه القصيدة كانت سبباً في قتل صاحبها إلا أن الذي غدر به قتل هو الأخر، وبقيت هذه القصيدة بعد ذلك خالدة .. وأشكركم وهي دعوة للصدي المقداد أن يستمر في هذا النيش المفيد مع التحية .........
=======================================
هَل بِالطُلولِ لِسائِلِ رَدُّ = أَم هَل لَها بِتَكَلُّم عَهدُ
أبلى الجَديدُ جَديدَ مَعهَدِها = فَكَأَنَّما هو رَيطَةٌ جُردُ
مِن طولِ ما تَبكي الغيومُ عَلى = عَرَصاتِها وَيُقَهقِهُ الرَعدُ
وَتُلِثُّ سارِيَةٌ وَغادِيَةٌ = وَيَكُرُّ نَحسٌ خَلفَهُ سَعدُ
تَلقى شَآمِيَةٌ يَمانِيَةً = لَهُما بِمَورِ تُرابِها سَردُ
فَكَسَت بَواطِنُها ظَواهِرَها = نَوراً كَأَنَّ زُهاءَهُ بُردُ
يَغدو فَيَسدي نَسجَهُ حَدِبٌ = واهي العُرى وينيرُهُ عهدُ
فَوَقَفت أَسأَلَها وَلَيسَ بِها = إِلّا المَها وَنَقانِقٌ رُبدُ
وَمُكَدَّمٌ في عانَةٍ جزأت = حَتّى يُهَيِّجَ شَأوَها الوِردُ
فَتَبادَرَت دِرَرُ الشُؤونِ عَلى = خَدّى كَما يَتَناثَرُ العِقدُ
أَو نَضحُ عَزلاءِ الشَعيبِ وَقَد = راحَ العَسيفَ بِملئِها يَعدو
لَهَفي عَلى دَعدٍ وَما حفَلت = إِلّا بجرِّ تلَهُّفي دَعدُ
بَيضاءُ قَد لَبِسَ الأَديمُ أديم = الحُسنِ فَهُوَ لِجِلدِها جِلدُ
وَيَزينُ فَودَيها إِذا حَسَرَت = ضافي الغَدائِرِ فاحِمٌ جَعدُ
فَالوَجهُ مِثلُ الصُبحِ مبيضٌ = والفَرعُ مِثلَ اللَيلِ مُسوَدُّ
ضِدّانِ لِما اِستَجمِعا حَسُنا = وَالضِدُّ يُظهِرُ حُسنَهُ الضِدُّ
وَجَبينُها صَلتٌ وَحاجِبها = شَختُ المَخَطِّ أَزَجُّ مُمتَدُّ
وَكَأَنَّها وَسنى إِذا نَظَرَت = أَو مُدنَفٌ لَمّا يُفِق بَعدُ
بِفتورِ عَينٍ ما بِها رَمَدٌ = وَبِها تُداوى الأَعيُنُ الرُمدُ
وَتُريكَ عِرنيناً به شَمَمٌ = وتُريك خَدّاً لَونُهُ الوَردُ
وَتُجيلُ مِسواكَ الأَراكِ عَلى = رَتلٍ كَأَنَّ رُضابَهُ الشَهدُ
والجِيدُ منها جيدُ جازئةٍ = تعطو إذا ما طالها المَردُ
وَكَأَنَّما سُقِيَت تَرائِبُها = وَالنَحرُ ماءَ الحُسنِ إِذ تَبدو
وَاِمتَدَّ مِن أَعضادِها قَصَبٌ = فَعمٌ زهتهُ مَرافِقٌ دُردُ
وَلَها بَنانٌ لَو أَرَدتَ لَهُ = عَقداً بِكَفِّكَ أَمكَنُ العَقدُ
وَالمِعصمان فَما يُرى لَهُما = مِن نَعمَةٍ وَبَضاضَةٍ زَندُ
وَالبَطنُ مَطوِيٌّ كَما طُوِيَت = بيضُ الرِياطِ يَصونُها المَلدُ
وَبِخَصرِها هَيَفٌ يُزَيِّنُهُ = فَإِذا تَنوءُ يَكادُ يَنقَدُّ
وَالتَفَّ فَخذاها وَفَوقَهُما = كَفَلٌ كدِعصِ الرمل مُشتَدُّ
فَنهوضُها مَثنىً إِذا نَهَضت = مِن ثِقلَهِ وَقُعودها فَردُ
وَالساقِ خَرعَبَةٌ مُنَعَّمَةٌ = عَبِلَت فَطَوقُ الحَجلِ مُنسَدُّ
وَالكَعبُ أَدرَمُ لا يَبينُ لَهُ = حَجمً وَلَيسَ لِرَأسِهِ حَدُّ
وَمَشَت عَلى قَدمَينِ خُصِّرتا = واُلينَتا فَتَكامَلَ القَدُّ
إِن لَم يَكُن وَصلٌ لَدَيكِ لَنا = يَشفى الصَبابَةَ فَليَكُن وَعدُ
قَد كانَ أَورَقَ وَصلَكُم زَمَناً = فَذَوَى الوِصال وَأَورَقَ الصَدُّ
لِلَّهِ أشواقي إِذا نَزَحَت = دارٌ بِنا ونوىً بِكُم تَعدو
إِن تُتهِمي فَتَهامَةٌ وَطني = أَو تُنجِدي يكنِ الهَوى نَجدُ
وَزَعَمتِ أَنَّكِ تضمُرينَ لَنا = وُدّاً فَهَلّا يَنفَعُ الوُدُّ
وَإِذا المُحِبُّ شَكا الصُدودَ فلَم = يُعطَف عَلَيهِ فَقَتلُهُ عَمدُ
تَختَصُّها بِالحُبِّ وُهيَ على = ما لا نُحِبُّ فَهكَذا الوَجدُ
أوَ ما تَرى طِمرَيَّ بَينَهُما = رَجُلٌ أَلَحَّ بِهَزلِهِ الجِدُّ
فَالسَيفُ يَقطَعُ وَهُوَ ذو صَدَأٍ = وَالنَصلُ يَفري الهامَ لا الغِمدُ
هَل تَنفَعَنَّ السَيفَ حِليَتُهُ = يَومَ الجِلادِ إِذا نَبا الحَدُج
وَلَقَد عَلِمتِ بِأَنَّني رَجُلٌ = في الصالِحاتِ أَروحُ أَو أَغدو
بَردٌ عَلى الأَدنى وَمَرحَمَةٌ = وَعَلى الحَوادِثِ مارِنٌ جَلدُ
مَنَعَ المَطامِعَ أن تُثَلِّمَني = أَنّي لِمَعوَلِها صَفاً صَلدُ
فَأَظلُّ حُرّاً مِن مَذّلَّتِها = وَالحُرُّ حينَ يُطيعُها عَبدُ
آلَيتُ أَمدَحُ مقرفاً أبَداً = يَبقى المَديحُ وَيَذهَبُ الرفدُ
هَيهاتَ يأبى ذاكَ لي سَلَفٌ = خَمَدوا وَلَم يَخمُد لَهُم مَجدُ
وَالجَدُّ حارثُ وَالبَنون هُمُ = فَزَكا البَنون وَأَنجَبَ الجَدُّ
ولَئِن قَفَوتُ حَميدَ فَعلِهِمُ = بِذَميم فِعلي إِنَّني وَغدُ
أَجمِل إِذا طالبتَ في طَلَبٍ = فَالجِدُّ يُغني عَنكَ لا الجَدُّ
وإذا صَبَرتَ لجهد نازلةٍ = فكأنّه ما مَسَّكَ الجَهدُ
وَطَريدِ لَيلٍ قادهُ سَغَبٌ = وَهناً إِلَيَّ وَساقَهُ بَردُ
أَوسَعتُ جُهدَ بَشاشَةٍ وَقِرىً = وَعَلى الكَريمِ لِضَيفِهِ الجُهدُ
فَتَصَرَّمَ المَشتي وَمَنزِلُهُ = رَحبٌ لَدَيَّ وَعَيشُهُ رَغدُ
ثُمَّ انثنى وَرِداوُّهُ نِعَمٌ = أسدَيتُها وَرِدائِيَ الحَمدُ
لِيَكُن لَدَيكَ لِسائِلٍ فَرَجٌ = إِن لِم يَكُن فَليَحسُن الرَدُّ
يا لَيتَ شِعري بَعدَ ذَلِكُمُ = ومحارُ كُلِّ مُؤَمِّلٍ لَحدُ
أَصَريعُ كَلمٍ أَم صَريعُ ردى = أَودى فَلَيسَ مِنَ الرَدى بُدُّ
------------------------- انتهت القصيدة اليتيمة
نجزت وهي ستون بيتاً.