كانت تغني بالحانة، على تلك الخشبة القديمة المتآكلة، وحولها جوقة من العازفين الشائبين الشاردين،
..كانت تغني عن الحب البائس، الذي ولربما جعل الحانة تكتظ بالتعيسين، ..وبالحانة صور لعشاق، ومن بينها واحدة لمدونا بالأبيض والأسود، وستائر فقدت لونها الأصلي واتخذت آخر بسبب دخان السجائر الكثيف، ..
كانت تغني حين دخل رجل وسيم من الباب الازرق الصغير، سمعها تردد:
سأنساه، ولو أني لن أحب أحدا بعده، لكن سأنساه..
لحظة رأته توقفت عن الغناء، واستمر البقية من العازفين في العزف، ترجلت ونزلت من على الخشبة تتبعها اطراف فستانها الأصفر الطويل، انتبه عازف الكمان بعدما لاحظ انسحاب الفستان من أمامه إلى أنه لم يعد يسمعها تغني، رفع رأسه فرءاها تتقدم بخطى بطيئة، لكنها لا تغني، فنوقف عن العزف، وكذلك توقف صاحب الناي وعازف البيانو وصاحب القيتارة، ثم راقبوا باهتمام ماذا ستصنع،
توقفت أمام الرجل الوسيم على بعد خطوة، الذي ابتسم ثم مد يده اليسرى، ولم ينطق بحرف، نظرت إلى وجهه قليلا ولم تتردد كثيرا حتى وضعت كفها الأيسر بكفه الممدودة، اقترب منها خطوة وضمها، فدرفت دموعها، أما هو فلم تفارقه ابتسامته التي وعلى ما يبدو أنها تسحقها، بعدها رقصا رقصة الحب والحياة، رقصا في صمت، إلى أن كسر شخص ثمل قنينة أيقض صوت الإنكسار النائمين على الطاولات والتائهين والعازفين الشاردين، فظهر شخص قصير أصلع ذو لحية شهباء من خلف ستارة زرقاء، جر الثمل من ذراعه وقال:
يجب أن تذهب لتنام، أنت تزعج الزبناء المحترمين، ..
خرجا من الباب الأزرق الصغير، ثم عاد صاحب الكمان للعزف وصاحب الناي والبيانو، أما صاحب القيتارة فكان قد اتكأ عليها ونام .