دعوة الى كتابة القصيدة الجديدة

بقلم:مهند الياس


.. لقد مر الشعر العربي ، بمراحل مختلفة ، غذته بنحولات كثيرة ، حيث افضت هذه - التحولات - الى تجديد بعض ما علق به من تضييق في المفهوم والكتابة ، والتحرر من بعض القيود .. وهذه الاضافات التي سعت الى تحرير الشعر من قوالبه التقليدية ، رسمت افاقا جديدة للشاعر ، ومنحته الولوج الى الافق الارحب وحتى يكون ابداعه يحمل منطلقا يتمتع بحرية فعل الكلمة الشعرية الحرة ، وما تفصح من بناء عال لدلالة المعنى الشمولي للصورة ، والايقاع في ان واحد ..!

.. وعندما استقرت الحالة الشعرية عبر العصور المتأخرة ( منفلة) هذه الحالة من قبضة العصور المتقدمة التي قيدت الشعر لفترات طويلة ، اصبح الشاعر يتمكن بطريقة كبيرة في افراغ ما تجيش به حريته بمنطلق تام ..!

اذا .. فتحولات الشعر وسعت من دائرة تجربته واغنت الشاعر بطريقة لم تكن في حساباته ..!

ان القصيدة ( الخليلية) اصبحت مجرد طريقة تقليدية ، لم تحفل الا بحدودها ، ولكن عندما ولدت قصيدة التفعيلة من خلال مخاض عسير لها ، احدثت ضجيجا وصل هذا الضجيج حد ( التحريم) لدى بقعض المتزمتين ، بل وجعلوا هذا التحول في القصيدة العربية ( شرك) بالقيم العربية واصالتها وضربة للتراث والشعر العربي ..!!

ان قصيدة التفعيلة ، اثرت بشكل مباشر في عملية البناء الكامل للقصيدة ا لجديدة واعطت اثراءها الجاد ، حيث حصل الشاعر على مساحة اكبر في توطيد رسمه لالحانه وتكثيف خياله الواسع في حرية تامة .. والسؤال الذي يطرح نفسه : - لماذا شعر التفعيلة .. الم يكن العمود هو الاولى بكتابة القصيدة ..؟!

.. اعتقد ان الاجابة على هذا االسؤال ، يرمي الى نقطة واحدة .. وهي ان الاجدر في الجيد ، وهو الذي تتناوله الحقيقة ، فاذا كان العمود يمتلك افقا متجددا لكل زمان ومكان لما جاءت قصيدة التفعيلة وفرضت نفسها بهذه القوة ..!

ان البعض ومن سوء نية ، اعتقد جزافا بان ما احدثته قصيدة التفعيلة ،، هو الخروج على صناعة الخليل وان هذه الصناعة لايمكن ان يتجاوز الشعر ولا الشعراء على حدود فعالياتها ،، متناسين بن قصيدة التفعيلة .. ولدت من رحم قصيدة العمود ، ولم تبارح خيمتها .. سوى انها شربت من مخاضها بشيء من الحرية ..!!

.. لقد وطدت قصيدة التفعيلة خيمتها الكبيرة ووسعت فضاءها ودلك بعد ان وجدت ان الشاعر استيقظ على امل كبير في الخروج الى تضاريس الشعر الواسعة والتي لم يكن يفطن اليها من قبل .. وهي تضاريس ليست غريبة على الشاعر .. فاصبحت القصيدة تلآئم مناخ طقوس الشاعر التي تتجانس مع فعاليات اللغة ، وتستعين با فاقها المرنة ..!

.. بعد ذلك جاء فضول الشاعر بان يبدأ من جديد في توسيع امكانياته والسيطرة على اوسع مدارات خياله عن طريق الانطلاق باتجاه الاكثر شمولية .. واطلاق جماح شاعريته فكتب قصيدة ( النثر) .. حيث وجد من هذا ( المنطلق) الوؤية الجديدة المتفتحة .. والتجاوز على كل ماهو يشكل اسوارا على حريته .. وبعد ان اكتشف ايضا السر الخفي لحقيقة ما يسمى بديمومة الشعر ..!

فاذا كان الصراع لم يفتأ قائما بين العمود والتفعيلة .. جاءت قصيدة النثر فحسمت الموقف .. وكأنها على ميعاد لغرض ان تضع حدا لما كان ولما يكون او لما سيؤل له الجدل ..!

لقد كتب الشعراء القصيدة الشعراء في الغرب بطرق كثيرة وحاولوا من خلال تلك الكتابات ان يكتشفوا حالات جديدة ، ولكن هذه الحالات بقيت بين المد والجزر حتى بزوغ القرن العشرين وظهور شعراء وطدوا شكل القصيدة وتركوا للشعر حريته في التغبير وبالذات تركو للشاعر ان يحقق ابداعه بالصورة التي يتفاعل معها الجمهور ويتلقفها التوثيق ..!

فقد حاول الشعر في الغرب ان يستنهض روح التقليد بشيء من الرومانسية والسريالبة والقوالب الاخرى غية في اغناء الشاعر بحالات .. ولكن كلها توقفت عند محطة الابداع الذي رفض كل ماهو غير جدير للتقبل ..!

ان قصيدة النثر ، ماهي الا محاولة قد تكون ليست الاخيرة على مضمار الشعر ، ولكنها قد تكون مفتاح لابواب سوف تشرع لاتطلاق القصيدة الى اكثر فضاءاتها .. فالشعر لايمكن ان يحكمه قانون الثابت بقدر ما تحكمه قوانين ( المتحول) ..!

و اذا كانت اللغة هي التي تصنع الشعر والشعراء ، فان في ذلت الوقت تصنع عصورا .. وتصنع تحولا .. وتصنع ابداعا ..!

... ان ظاهرة جديدة بدأت تأخذ مسارا بل وحيزا لافتا للنظرفي كتابة الشعر العربي ، وقد اسهمت هذه الظاهرةكما تبدو في الاخذ بالمجال الكثر جدارة ، وقد حققت نتائج باهرة وقد توافقت مع الشاعر في بناء رؤيته الفنية الشعرية في توسيع مجال رسم القصيدة .. الا وهي القصيدة الجديدة ، كما اطلق عليها وهي تخالف ( التفعيلة) في التوسع عبر مجالاتها .. فاذا كانت التفعيلة من الرجز مثلا فلا يحق لها ان تأخذ من تفعيلات المتدارك او المديد او الرمل او اي بحر اخر .. وهذا التضييق جعل الشاعر يصطدم بالحدود المرسومة امامه ولا تدعه ان يتجاوز هذه الحدود وينطلق نحو الفضاءات الواسعة ولكي تأخذ قصيدته حريتها الاكثر شمولا لذلك بدأ الشاعر يضع ( العروض) .. في كافة بحوره ويختار من كل تفعيلاته لاشباع حاجة قصيدته بالتزويق االلحني وحتى يكون هتالك تشكل في البحور .. لا في البحر الواحد ..!

وهتا .. لا اعتقد ان الشاعر ابتعد عن ( خيمة) الخليلي .. اقول بالعكس فقد وظف البحور جميعها .. واستفاد من تفعيلاتها واوزانها ..!

ان البعض يرى ان هذه العملية ‘ هي عملية هدم - اكرر - لتراث الشعر العربي الذي وظبه الخليل بن احمد الفراهيدي .. ولكن كما اعتقد ان هذا الادعاء لا يطابق وجه الحقيقة بشيء .. واقول ماهو راي الخليل ( لوكان حيا) في الشعر الاندلسي الذي جاء مجددا للشعر ومتحررا لبعض قيوده ..!

ان القصيدة الجديدة التي اروم باطلاق صفة لها ب .. قصيدة التفعيلات او ب.. القصيدة الجديدة .. هي التي تتوثب لكي تأخذ مكان صدارتها في تحولات الشعر العربي .. ذلك لانها جمعت شمولية المعنى الشعري التكاملي من الخليل الى النثر .. وبهذا قد اغلقت باب الجدل الدائر حول الشعر واباحت للشاعر ان ينطلق ،، ولكن على اساس ناموس الايقاع اللحني للتفعيلة ..!

‪ *******