رماد الأيام..اعتباطية الأفكار..معاندة القدر..تناقض الوجدان..
عندما يختار الخوف تربة أجسادنا..وتعلن النوارس الحصار..ينتفض هولاكو معلنا كتم الأصوات ..انها لعبة الزمن المهجنة ..يغتصب الكلام..وتصادر الحروف والكلمات..وتنتهك حرمة اللغة..لتصبح مع الأيام أما عاهرة ..تلد اللقطاء ..ويصبح نهر الحياة مستنقعا للضفادع وخفافيش الظلام.
هكدا حدثني صديقي الدي راودت ألسنة الكراباج جسده النحيل..أخد نفسا عميقا ثم تابع حديثه ..
اعلم يا رفيقي أن هاته الجدران تغتال بداخلها الحرية..وأن وراء تلك الأسوار يجثم الخوف والموت فوق الصدور..وبين هنا وهناك تستباح القيم ..وتباد الكرامة..
مثقل صديقي بقواميس تحيي نزيفه الداخلي..ليسقط داخل عوالم الألوان والفرشاة..يتخد من زنزانته محرابا لطقوسه..يرسم..يخط..بلون النور والظلام..مدن السعادة والتعاسة..يراقب من النافدة الضيقة لون البحر..يراقص بفرشاته موجه بحركة المد والجزرباقة ورد متجعد..يتسلل من داته نحو حكايات لم يتبق منها غير طلاسم وملامح يجتاحها ضباب المساء..فيعود لداته..لحريته الجوفاء..مستقرءا ما تبقى من سنوات عمره مغازلا طيفه العبثي
يسترسل صديقي حديثه قائلا/
كثيرون هم من يريدون تبليط الفضاء..تتقيأنا الشوارع..يحاصرنا التاريخ بأسئلته المخفرية..مشاكسة هي أيامنا..متمردة هي أحلامنا..ويستبد بنا العمر لحظة بلحظة..ومسافات الليل تطول..نتقوقع داخل صدفات الخوف ..ويطول الارتعاش..متيمون لحد الهوس بهدا الوطن..وان أثمر نخيله سياطا تنهش أجسادنا
عشقناك يا وطن لحد الثمالة
وان صارت حقولك جمرا
وان كحلت عيوننا بالرماد
ولو جرعتنا السم الزعاف
ولو دعستنا عجلات جورك الجائر في جبروت
فحلمنا أن تحيا في أمان يا وطن
نرسم بالدم لوحة الصبر للصغار..ننقش بأجسادنا مدائن النور لبراعم الزهور..نشيد فوقك حلمنا الوردي حبا وان كان حبك ألما يعصرنا
ولادتنا صودرت فيك يا وطن
أحلامنا أجهضت فيك يا وطن
أيامنا صارت ينابيع دم حبا فيك يا وطن
شرد صديقي بمقلتين صديدتين ..ثم أغمض عينيه وقال /
الوحدة عجوز متسكعة ..تطارد آمالنا المحبطة داخل زنازن الملل الضارب في أعماق أرواحنا الواهنة
هل تعلم أننا جئنا طواعية الى هاته الرموس؟ هل هل تدري أننا اخترنا نفيا قسريا بمحض ارادتنا؟ يبنما الأقلية تختنق بالرياش ونحن نختنق بروت الأيام العارية..انها معادلة غير عادلة
يؤرقنا هدا الصمت اليؤوس
يؤرقنا حبنا للوطن غير المرخص
تؤرقنا تفاهة مجابهتنا غير المتكافئة
ويؤرقنا تناقض دواتنا ..اخفاقات ..يأس..انفعالات عشوائية..كل دلك ولازلنا مصرين على التحدي والصمود والتمرد ونحن في عزلة تامة عن البقية الباقية..وحدنا هنا نسابق الزمن جوادا جامحا ..نناقش حلما مجهضا يحتضر..نجابها اعصارا متمردا يتقادفنا نحو جزر الدينصورات والسنوريات البائدة..لنتحول الى نقوش أثرية وحفريات في متاحف الوطن..فمادا بعد كل هدا؟
توقف صديقي برهة ليلتقط أنفاسه ..صرنا كالأنعام في مأدبة اللئام..صرنا صدى للأحلام..صرنا فقاقيع مساحيق بكل الألوان والأحجام..يا رفيق الدرب قريبا سندخل في خبر كان
الحب اختيار بين أن تكون أو لا تكون
الانتماء انتحار فكري بين الممكن والمستحيل
الصمت حجر أصم متقوقع أحادي الدات
الايديولوجيا ترويج للبلادة والغباء
اننا لا نستجدي رغيف البقاء ..بقدر ما نستجدي رغيف الكرامة
سكت صديقي وشرع يرسم بدم جراحه جغرافية الوطن ..ليدخل في صمت أبدي بعد أن خط آخر كتاباته على الجدار .. هنا ترقد آخر الحيوانات الناطقة المنقرضة[center]