المدينة : سطاتعدد المساهمات : 3معدل النشاط : 8تاريخ التسجيل : 12/11/2012العمر : 48الموقع : www.da-wawin.com
موضوع: سرد : علام القبيلة . الأربعاء 14 نوفمبر - 1:14
عــــــلاَّم القبيلة
رأيتُ علاَّم القبيلة على جواده الأسود ذي البقعة البيضاء وسط الجبهة، جواد عربي أصيل ، أصيل في ألفته ، أليف في خدمته، خدوم دائما ، لاتوجد لكلمة العجز معنى في قاموسه . رأيت العلاَّم أمام "الصّربة"يتمختر في مشيته ...يبَلغَتِه الصّفراء الفاقِع لونها التي كانت تتحول إلى حذاء حينما يكون العلاّم على خيله الأصيل، لابسا جلبابه النّاصع بياضه، كبياض ثلوج قمة جبل توبقال بالأطلس الكبير ...عمامة العلاّم البيضاء تعكس حركات رأسه. تختزن بين طيّات موجاتها حكمة دفينة لا يفك طلاسمها إلا الرّاسخون في" بلية" التبوريدة... أراه يمتطي جواده و الأخير ينسج خطى متثاقلة، يؤديها في تناغم قل نظيره...أراه شامخا و "الصّربة" أمامه كسلطان تؤدى له مراسيم البيعة. علام القبيلة يتموقع دائما أمام الخيّالة..من كثرة محبته للخيل التمس من السلطان أن يغرس تمثال خيل عربي في وسط مدينته. كان محبا للبادية، طموحا جدّا، كان يطالع دروسه على أضواء الزّنقة التي كان يسكن بها حينما يطفئ عليه جدّه أنوار المنزل. درس كثيرا . اشتغل. صعد السلالم الى أن وصل أمام وجه السّلطان...أبان على عبقرية المسؤول الكبير...، أصبح خياله مصاحبا لخيال السلطان لا يتلاشى إلاّ مع خفوت أنوار القصر...و مع ذلك لم يتنكّر لرائحة تراب البلدة و المدينة الأم...، يتفقدها كل مناسبة راكبا سيارته الرباعية الدفع المتعددة الخيول، يزور كل مكان يروق له في البلدة. لا يودع المدينة إلاّ بعد تفقد آخر متسكع بليل المدينة، مدينة الخيول، مدينة الكلأ، مدينة الخضر، مدينة التجارة و الصناعة ...، طالب علاّم القبيلة بأن يكون للمدينة شاطئا بحريا. أصبحت مدينته مدينة الشواطئ و الحيتان... لم يرق له ما يرى بأم عينيه : جنرالات و محبّو التسلط و الشطط ...ذوو البطون النتنة، يتربعون على كراسيهم الفاخرة، رؤساء في قبضتهم فرق... شجع بدوره فريقه كما جلب له دعما و امكانيات يحسد عليها. أعطى لون الفريق لونا يمزج بين لون زرقة سماء المدينة و بياض راية علاّم القبيلة. أصبح فريقه يقارع بقرونه فرقا افرنجية كما تلهب نار بطولته الوطنية... من يتجرأ أن يتكلم أمام علاّم القبيلة ، من يعارض ستعزف عليه مزامير" الربيب" ، سيبكي كثيرا، سيزج به في سجون باردة برودة ملتقى مدينة أزمور و المحيط، سيذوق حرارة لسعات عقارب زمن تازمامارت... أمام العلاّم أناس لا يتكلمون بألسنتهم، حتى و إن تكلّموا، تكلّموا خفية و مخافة من بطش السلطان ... الأفواه مقفلة في الخارج وإن كانت يتيمة الأسنان فهي سليطة اللسان، أما في الحانات فهي مفتوحة تقارع كؤوس الخمر الغالي و الجعّة ، و تغازل البارميطات ...، دائما في غياب على بيوتهم ، يسكنون الحانات ، كما يرغمون نساءهم لزيارتهم بجانبها، لا يتفوهون إلا و هم مخمورون...مراراتهم تتصبب بعرق الحقد و تتقطر بعصارة الحسد...أما علاّم القبيلة فقد كان ضمن منصبه في الأبراج العالية و مقاما شريفا في القصور السلطانية. لا يتحرك السلطان إلا بمشورة علام القبيلة الثاقب الفكر ، حيث منافسوه يكيدون له كيدا و هو يكيد لهم كيدا. في كل مكيدة تنقلب سيوف الغدر الى صدورهم، و تنغرس مخالب السلطان في أعينهم ، فلا يرجعون من حيث انطلقوا إلا وهم عميٌّ لا يبصرون. قبل انطلاق كل موسم . علاّم القبيلة كان يعطي انطلاقة موسم العيطة و التبوريدة، تبركا بنعمة الولي الذي يتربع في وسط المدينة بجانب القصبة الاسماعيلية، تمر الأيام السبعة للموسم صاخبة بدوي زغاريد النساء والعازبات، سحابات البارود ترسم غمامات فوق رؤوس الخيل الراكضة فوق تربة التيرس الخصبة، بينما تصدح أصوات شيخات العيطة شدوا، و بهجة في سماء المدينة ترسل الشيخة من حلقها كلاما ، ثقافة، لا بل تاريخا يحيي أمجاد الأجداد، و تدعو الأحفاد الى شحد الهمم للتشبت بالأصالة و الطموح نحو التجدد و المعاصرة.
الأيام السّبعة صخرة ينحت فيها زوار المدينة من ساكنيها و قراها بصماتهم، و تدخل في سجل تاريخهم و ذاكرتهم، ما داموا يمشون على تربتها و يرتوون من مائها. علاّم القبيلة ينام في هدوء وطمأنينة، ما دام سكان بلدته ينسون مشاكلهم، و يمسحون الدمع و الآهات على جدران تلك الأيام السبعة. رؤوس الأموال تتحرك كما تتحرك الرؤوس الآدمية، الكل يأكل و يطعم، الأمور تسير بخير. مدينة علام القبيلة اتسعت شوارعها وأزقتها، تضاعف بنيانها و صارت دور الصفيح بين العمران منعدمة. أبناء البلدة يغترفون من بحر العلوم، و يطلبون المعرفة من المحيط. المدينة أمست ذات شأن بين أخواتها، مادامت راية علاّم القبيلة ترفرف فوق سمائها. راية علاّم القبيلة ثناثرت شظاياها بفعل سم عقارب الزمن وزمن العقارب. الصُّربة تفرقت و كل فارس مضى إلى حال سبيله. الأبناء غادروا البلدة و تركوا الأم وحيدة، بلعتهم بطون المدن الكبرى. أرصفة شوارع المدينة تآكلت و الأزبال تبعثرت في كل مكان...غاب الموسم و حضر المهرجان... ذوو الأنفس الضعيفة أخذوا بلجام الأمور. عقِمت كل الخيول. عمّ الفساد داخل مدينة الذهول. علاّم القبيلة كان قد مات منذ أمس بعيد بعدما أصابه الخرف.حلف باليمين كنسر جارح جريح ألا يموت أمام أعين الأوغاد. مات مغتربا في ديار أوربا القصية و القاسية. عاد إلى بلده محشوا في صندوق خشبي بارد... لم يدفن في مسقط رأسه كما أوصى بذلك و كما أراد له أبناء بلدته بحرارة. دفن علاّم القبيلة أينما يعلم الجميع. ب/د/الزيراوي
saydsalem عضو فعال
المدينة : المنوفية - مصرعدد المساهمات : 862معدل النشاط : 1028تاريخ التسجيل : 31/12/2011الموقع : dawawin.forum.st
موضوع: رد: سرد : علام القبيلة . الأحد 27 يناير - 5:37
أسلوب ينساب كشلال هادر جرفني معه إلى شواطئ وسكت الكلام . لك من الفردوس دُرر وفرش وبطائن من استبرق تحيتي د. السيد عبد الله سالم المنوفية - مصر
سعيد محمودي المدير العام
المدينة : الدار البيضاءعدد المساهمات : 7236معدل النشاط : 12091تاريخ التسجيل : 08/12/2009الموقع : www.da-wawin.com
موضوع: رد: سرد : علام القبيلة . الأحد 27 يناير - 13:56
أخي الفاضل الاستاذ بوشعيب دواح الزيراوي على هذا البوح المعبر تحياتي واحترامي