لم يكن يعلم "حسن" أنه ذات يوم سيجد نفسه ضمن فرقاء نزلاء الحق العام ، والعديد ممن تختلف التهم الموجهة إليهم، والمقذوف بهم في نزل يختلف عن باقي النزل الموسومة بالأنجم ؛ والمخصصة لقضاء فترة من فترات الاستجمام .
هاله الأمر، وهو يستعرض شريط الحدث الذي غير مجرى حياته رأسا على عقب. مرة وهو في طريقه إلى الدار ، استرعى انتباهه بسوق الحي الذي يعرض لعب الأطفال بمناسبة عاشوراء ، مسدسا بلاستيكيا أسود اللون ـ وكأنه مسدس حقيقي ـ حمله بين يديه، وبدأ يصوب فوهته جهة السماء، محدثا صوتا بفمه عند الضغط على الزناد، منتشيا به وهو يلف على نفسه فرحا كطفل .
ساوم ثمنه.. قبض بائعه الذي لفه له في ورق منمق، كأنه هدية عيد ميلاد. عاد أدراجه إلى البيت مسرعا يطوي المسافات ركضا ؛ حاملا الهدية التي ستغير من وضع أسرته الحياتي .
طرق الباب وهو يخفي ما يحمل لكي لا تضيع المفاجأة ، حيا الأهل، وتوجه مسرعا نحو غرفته، غير ملابسه، وفك الحصار على المسدس ببعثرة ورق الهدية، ضمه إلى صدره ، وأسرع نحو المطبخ لملئه بخراطيش من ماء. كم كانت فرحته وهو يعرض إست المسدس لصنبور الماء إلى أن امتلأت !. أمسكه براحتيه إمساكا ينم عن كثرة مشاهدته لأفلام الويسترن، توجه به نحو زوجته وطفليه، مطالبا إياهم برفع الأيدي في الهواء بأمر صارم ، وبوجه عبوس يعبر عن رغبة في الانتقام، بعيدا كل البعد عن الوجه المألوف، والعلاقة الحميمة بين أفراد الأسرة. رفعت الزوجة يديها وهي مشدوهة للفعل الذي يقوم به زوجها والذي لم تألفه من قبل، تناسلت العديد من الاستفهامات في رأسها ؛ بحثا عما جرى ويجري لبعلها. والطفلين بدورهما يرفعان أيديهما وهما في قمة الهوس من كثرة الضحك. الأب يزمجر بصوت مهووس ، وكأنه قد جن فعلا قائلا : ارفعوا أيديكم وإلا…؟ اعتقدت الزوجة أن الأمر أصبح جديا، بعدما لاحظت زوجها ترتعد فرائصه للقيام بفعل جنائي، وأنه لربما أصيب بمس خلال قضائه فترة من الفترات بالخارج. لقد ترجته، وناشدته بالابتعاد عن اللعب بالنار ، إلا أنه قرر أن يصدر فيهم حكم القوي، بالضغط على الزناد الذي انساب من فوهته ماء زلال ، بلل وجه زوجته ، وثياب أطفاله، وهو في قهقهة من الضحك الهستيري، قررت الأسرة الصغيرة على إثر ذلك ؛ اتخاذ موقف المقاطعة من ربها، الذي أعاشهم لحظة عصيبة كادت أن تفقد الزوجة خلالها أعصابها.. والطفلين توازنهما النفسي..
عادت الأيام إلى مجاريها، بعدما طلب حسن الصفح من أسرته التي عانت من سلوكه الشاذ، وعاتبته على التمثيل بمثل تلك المواقف الخطرة ، والتي تخلق تشنجات على مستوى العلاقات الودية الحميمة. أصر "حسن" على تبرير موقفه بأنها مجرد لعبة بلاستيكية أراد أن يخلق من خلالها جوا دراميا ليس إلا.
ذات يوم، حمل حسن المسدس السالف الذكر، إلى مقر عمله، ليعيد الكرة مع رفاقه في العمل، إلا أنه كان ما لم يكن في الحسبان. شهره في وجه أحد زملائه البغضاء، الأمر الذي جعله يطلب الشرطة ، التي قامت باعتقاله، وطلبت بفتح تحقيق في الموضوع، بعدما ألح حسن بأنه ليس مسدسا حقيقيا بل بلاستيكا إنها لعبة أطفال . لم يعيروه بالا. أمسكوا به وأحالوه على الجهات المختصة للتأكد من صلاحية المسدس، والبحث عن مصنعيه وبائعيه ومشتريه،وعن جنسياتهم، وعن الهدف من بيعه بالسوق الداخلي، و ماغرض" حسن "من اقتنائه ؟.
قذف بحسن في بحر متلاطمة أمواجه، لم يعد يعرف ما يقدم وما يؤخر، خصوصا بعدما حقق معه في الموضوع بطرق استنطاقية.. صرح من خلالها بأنه ينوي السطو على مؤسسة بنكية بامتلاكه للمسدس. رفعت السلطات المحلية يدها بتأشيرها بعدم الاختصاص في الموضوع ، وأحالته على المحكمة العسكرية ذات الاختصاص في شأن امتلاك السلاح. وزج بـ "حسن" في السجن ضمن العديد من المعتقلين كل حسب التهمة الموجهة إليه، في انتظار اليوم الموعود ، يوم الجلسة المحددة للحكم عليه بالمنسوب إليه. ذاع خبره في وسائل الإعلام مما جعل كل من يعرفه من الأقرباء والأبعاد، والأصدقاء و الرفاق، ومن العائلة والمحيط يتصل ويسأل عن صحة الخبر. فالكل أصيب بالذهول.، وبعدم تصديق ما نشر وذاع .
زوجته لم تصدق الأمر في اعتقال زوجها بسبب لعبة عاشورية ، مما جعلها وطفليها وباقي أسرة الزوج يعيشون ماراتون البحث عن مخرج للورطة التي زلت قدم زوجها فيها، بالبحث عن دفاع كفء ، وماراتون القفة اليومية التي أصبحت الأسرة تتحمل عبئها ، و تتحمل تبعاتها.
عند كل زيارة له من قبل أفراد الأسرة ، كان يذكره كل واحد منهم بمقولة : "ألم تعلم بأن اللعب بالنار خطر ولو على سبيل البسط ؟.