ضاق الأربعة ذرعا بالتسكع في الشوارع، والبحث عن شغل، أو الهجرة إلى ما وراء البحار..وأخيرا رسوا على فكرة حاولوا ترجمتها بشكل عملي واقعي بكثير من الدقة والحذر..
اقتنوا محملا لحمل الموتى من ملحق أحد المساجد، واتجهوا صوب مكان خال للاستعداد لتطبيق الخطة العملية التي ستدر عليهم أموالا كما توهموا لسد بعض الحاجيات وقضاء بعض المآرب.
تم الاستعداد والتهييء، وانطلقوا في التطبيق رافعين المحمل على أكتافهم منخرطين في الشارع مع المارة مرددين تراتيل الشهادتين مما جعل بعض الناس يشاركوهم المسير طمعا في الأجر ، في اتجاه المسجد لصلاة الجمعة والصلاة على الجنـــازة ؟.
وصلت الجنازة المسجد، انشقت الصفوف للسماح لها بالتقدم احتراما. رفعت عاليا، وبدأت تمرر من قبل حجاج المسجد إلى أن وضعت في مقدمته.همهمات المصلين تتوالى :" إنا لله وإنا إليه راجعون". قضيت الصلاة وقام المصلون ثانية للصلاة على الجنازة، بعدما أعلن المأموم عنها بقوله: " الصلاة على الجنازة" ." جنازة رجل".
همس المصلون ثانية بالتكبير وبقولة " إنا لله وإنا إليه راجعون". " أنتم السابقون ونحن اللاحقون".
عند الانتهاء من الصلاة وقف أحد من الثلة أمام المصلين رافعا صوته ،مقسما بأغلظ الأيمان بأنه لن يسامح الميت بدعوى أنه لم يف بتسديد ما بذمته من دين. فتدخل بعض المصلين " آلعن الشيطان آسيدي".أعوذ بالله من الشيطان الرجيم".
كم أقرضتـــه ولم يســدده له؟.
ثمانون ألف درهم، قيمة أدوات منزلية اقتناها مني ..
أوه بزاف..مبلغ مهم آ سيــدي.. ولكن السيد مات دابا.
قال أحدهم : ألديــه أبناء ؟
لا.
هل لـــه زوجة ؟
بلــى ، ولكن طلبت مني أن ألحق به المقبرة عندما طالبتها برد الديـــن ؟.
مـــا شـــاء اللــه ! الله يعفو علينــا…
تدخل أحد أصدقائه لحل عقدة الدين الذي على الميت بفتح باب التضــامن التطوعي لجمع بعض المال من المصلين ، لنيل ثواب هذا الرجل النكرة..وأنا أفتتح بنفسي باب التطوع والتضامن. هاهي آسيدي خمسون درهما..
توالت العطايا من قبل المتعاطفين، وذوي النيات الحسنة الطامعين في الدار الآخرة، بتوالي الدراهم على المكلف بجمع الصدقات، إلى أن وصل المبلغ إلى ألف وخمسمائة درهم..سلمها المفتتح لعملية الجمع لصديقه قائل له : تفضل . هل تسامحه في المبلغ المتبقي ؟.
رد عليه : لن أســـامحه؟ لقد ضيعني ..
كيف ؟ والرجل مات، والدنيا كلها إلى زوال. قالها أحد المصلين.
رد عليه : آسيدي رزقي هذا ورزق أولادي..
لا حول ولا قوة إلا بالله يقولها مصلــي آخر.
يتطوع صديقه الثالث بترغيب الآخرين في المساهمة لمن جاد الله عليهم من فيض رزقه..فمنهم من غادر المسجد والتحق بمتجره أو منزله القريب ليسحب منه مبلغا إضافيا لينال الأجر والثواب.
وصل المبلغ خمسة آلاف درهم..استعطف الناس الدائن بالسماح فيما تبقى لأن الوضع المأتمي لا يتطلب الإلحاح وعدم المسامحة، فديننا الحنيف لا يشدد علينا، فكيف نشدد على أنفسنا،يقولها شيخ هرم مستعيذا بالله من الشيطان..
يقبل في الأخير موهما الكل بأنه لولا وساطتهم وتدبيرهم لثلثي المبلغ لرفض ولما سمح مدينه..
تفرق المصلون يمنة ويسرة صوب أبواب المسجد الأربعة، حاملين أحذيتهم وهم في صخب من هول ما حدث. فمنهم من يدعو الله أن يلحقه به في النور، ومنهم من يردد مقطعا من أغنية ناس الغيوان "الدنيا خسرات"، ومنهم من ..ومنهم من…! وسط هذه الضوضاء انسحب أصحاب الخطة العملية في صمت تاركين وراءهم المحــمل بما حمـــل.
انفض الجمع الحاشد، وخلا المسجد إلا من المأموم الذي يبحث عن أصحاب الجنازة لإخراجها من المسجد صوب المقبرة لدفنها، ولم يجد إلا شرذمة قليلة لا زالت بالقرب من المسجد تتحــاور..فسألهم إن كانوا هم أصحاب الجنازة. أجابوه بالنفي.. بعد ذلك شعر المأموم بثقل المسؤولية الملقاة على عاتقه بحكم مسؤوليته عن المسجد.. بدأ يضرب أخماس في أسداس، ألقى بنفسه مرة أخرى داخل المسجد مهرولا..ثم خرج. لا زالت الثلة تتذاكر فيما بينها، طلب منهم مساعدته في كيفية التخلص من الجثة أو الإعلام بها للسلطات المحلية للقيام بالتحقيق بشأنها..تركوا أحذيتهم بالخارج، وألقوا بأنفسهم بالداخل.. المحمل هناك..رمق أحدهم أن الملفوف في الثوب يمثل شكلا غريبا عن المألوف، ساقه فضوله إلى لمسه، اكتشف أنه هش الملمس..نقل لمن معه إحساسه بغرابة الجثة بعض الشيء.
كيف ؟ تساءل أحدهم.
المس الجثة بيدك وستلاحظ ؟.
ألمس ها…ها..لا يا أخي. الميت حرمة ويجب احترامه لا باللمس ولا بغيره.
ألا تعلم بأن الميت عند فقدان الروح يتصلب ويزداد وزنه.؟.
بلــــــــــى.
إذن ، فالمس الجثة وقـــارن .
بدأ الآخرون يهمهمون في حل لغز هذه الجثة، ويستفسرون أنفسهم.
من أتــى بها ؟ من هم أصحابها ؟ لماذا تركوها ؟ وكيف….؟
وأخيرا طلبوا من المأموم بحكم مسؤوليته عن المسجد لمس الجثة بناء على ملاحظة أحدهم بغرابتها للتأكد من مصداقية ذلك.
توجه صوبها للمسها – بعدما شجعه من وجد حلا للغزها -. سمع خشخشة تحت الثوب الأبيض..عمل على تأكيد لمسه بإمساك طرف من أطرافها، لم يفلح لسماعه الخشخشة بصورة واضحة، بدأ يعقد العزم على أنها ليست جثة، أزال الثوب الأبيض الملفوف بطريقة عشوائية عنها بكل تؤدة، لم يجد سوى سروالا وقميصا عبئا بكل عناية بقليل من التبــــــن…

قصة رائعة ، وحبك في التسلسل
كنت موفقا صديقي ...............اخوك الحسن ولدالمسكين

الحسن ولدالمسكين كتب:

قصة رائعة ، وحبك في التسلسل
كنت موفقا صديقي ...............اخوك الحسن ولدالمسكين

الشكر لك الأخ الحسن ؛ وذكريات جميلة لا زلت أحتفظ بها من خلال النشاط المنظم من قبل جمعيتكم "القنديل" والاتحاد العربي للصحافة في دورته الأولى في شهر رمضان.
لك خالص تحياتي .

فصة جميلة جدا
وفقك الله اخي
تقبل مروري البسيط
تحياتي ~ bahia~

سعيد بمرورك الأخت باهية .
مودتي الخالصة .

شكرا للأخ عبدالعالي أولا على القراءة التي أفرزت الإعجاب والتي توجت بملاحظات.
الاقتصار على المأموم وليس الإمام لم ؟ باعتبارالأول المسؤول عن المسجد ؛ ابتداء بفتح الأبواب والأذان وإقامة الصلاة ؛ والتنظيف.. واكتفاء الثاني بإمامة المصلين..
ذكر ناس الغيوان جاء بحكم الكلام المتغنى به والذي يتضمن مغزى: فكلام "الدنيا خسرات مادارت ما بغات". يحيل على الحدث المتحدث عنه في النص وهو عدم مراعاة واحترام المقدسات..
مع الشكر الوافي.
عبدالكريم وليس عبدالعزيز.

قصة جيدة من حيث السرد والتصوير وبناء الشخصيات,
,شدني تسلسل الأحداث لما سوف يحدث بعد,حيث ضاق الاربعة ذرعا بالتسكع ,قابلوه بالنصب والاحتيال
كل التميز سيدي
تقديري

شكرا لك أخي الفاضل الاستاذ عبدالكريم القيشوري على الإبداع والإمتاع
محبتي وتقديري

بهيجة بنار كتب:

قصة جيدة من حيث السرد والتصوير وبناء الشخصيات,
,شدني تسلسل الأحداث لما سوف يحدث بعد,حيث ضاق الاربعة ذرعا بالتسكع ,قابلوه بالنصب والاحتيال
كل التميز سيدي
تقديري

سررت لانشدادك الأخت بهيجة عبر آلية سلسلة تسلسل الأحداث.. التي أسرتك لمتابعة الحكي .
مودتي الخالصة لك أختي.

سعيد محمودي كتب:

شكرا لك أخي الفاضل الاستاذ عبدالكريم القيشوري على الإبداع والإمتاع
محبتي وتقديري

من أجل الإمتاع والمؤانسة ؛ نلج أبواب منتديات دواوين الثقافية.. المشرعة ؛ لنتبادل الخبرات ؛ ولنرفع من ذائقتنا الفنية .
الشكر الموصول للساهر على تدبير شؤون منتديات.ذ سعيد محمودي.
كل التوفيق لكم.