نشيد الغاب
انقضت أيام الصيف الجميلة وبانت علائم الفصل الكئيب...خلا الشاطئ الرملي من الأجساد المتباينة السمات والرشاقة كانت تُثري طيف المنظر الزاهي بلون التّآلف وصور الحب بين الأشباه التي كانت تخلع عباءة الغربة فيكل لحظة تستبدلها بوشاح الصداقة مشدودا بحبال المودة إلى أوتاد الطبيعة البشرية تحت خيمة الدفء الإنساني.
وها قد جئت أعزيك أيتها الرمال في ما فقدت من الحركة الدؤوب، كانت أقدام الصبايا والفتيان ترسمها على أديمك تشكيلة للوحة المرح والحب والأنس... لن أسأل أين ما كان ها هنا بالأمس؛ بل سأسير بضع خطوات، أمشي الهوينا، أهدهد قلب سكونك بترانيم لن أضع لها وزنا ولن التزم بمقام صوتي وأنا أنشد كلماتها مما يتداعى على مسرح مخيلتي. وإن وخزتني شوكة من نشاز، فسيرميها صوتي في دنيا النغم الشارد لترتدّ منسجمة مع باقي ما بقي فيك من ذكريات جميلة تهمسها الريح في أذن الزمن .
وأنت أيتها الخمائل الواقفة في طابور الموت بشموخ، جئت هذا المساء لأغني بين أحضانك لحن الحياة الأبدية، وقد كسرت قيثارة المذرين بفنائك الناعين خضرة هذا الوشي المصفرّ في لون اللهب المادّ لسانه إلى مهجتي متراقصا نشوان يتمايس على نسمات هذا الأصيل...
جئتك أحمل في عيني نشيدا شجيا حتى لا أودّعك بدموع التماسيح كما يفعل غيري . وقد لا أجدك مثلما أنت ها هنا إن حلّ صيف الحزن الآتي. سيُحوّلون مكانك هذا إلى مبنى فخم، وستعمّه فوضى الأهواء وصراخ الأرواح تحت سياط سلطة الورق، وسيذوب الصراخ في صخب المعدن لينصهر الكل في سيل الحماقات الجارف... سأمرّ حينها من هنا وأحييك في تلك الأعمدة الرخامية المنصوبة، وأقف على باب المبنى حتى يسمح لي بالدخول ، وعندها لن أكترث بما يكسو أرضية المكان من السجاد الفاخر ولا بالأضواء الباسمة في خبث مصفر ومحمر، وسيطرد سمعي أي صوت كي يمتلئ المكان بنشيد حفيف وشيكِ هذا بعد أن تسجل الأيام أنغامه في ذاكرة النغم ...
وستهبّ من صدري ريحٌ كعاصفة رملية تحجبني عن أنظار الذين اغتصبوك، وتذرو بذور الحب خارج الحيطان فتنبت شتلات الجمال أبهى وأنضر مي كل قلب وعلى كل خد وفي كل لحظ غسلت أهدابه الأمواج ، وعلى كلّ ثَغْرٍ لامستْ شفتيه بسمة الحياة!