بين يدي السورة
سورة الإخلاص مكية ، وقد تحدثت عن صفات الله جل وعلا الواحد الأحد ، الجامع لصفات الكمال ، المقصود على الدوام ، الغني عن كل ما سواه ، المتنزه عن صفات النقص ، وعن المجانسة والمماثلة ، وردت على النصارى القائلين بالتثليث ، وعلى المشركين الذين جعلوا لله الذرية والبنين .
بسم الله الرحمن الرحيم
قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ ـ 1 ـ الله الصَّمَدُ ـ 2 ـ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يولَدْ ـ 3 ـ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ ـ 4 ـ
اللغــــــة : ( الصمد ) السيد المقصود في قضاء الحاجات ( كفوا) الكفؤ : النظير والشبيه
سبب النزول
روي أن بعض المشركين جاؤوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا محمد صف لنا ربك ، أمن ذهب هو ، أم من فضة ، أم من زبرجد ، أم من ياقوت ؟ فنزلت ((( قل هو الله أحد..الله الصمد..))) السورة
التفسير
((( قل هو الله أحد ))) أي قل يا محمد لهؤلاء المشركين المستهزئين : إن ربي الذي أعبده ، والذي أدعوكم لعبادته هو واحد أحد لا شريك له ، ولا شبيه له ولا نظير لا في ذاته ولا في صفاته ، ولا في أفعاله ، فهو جل وعلا واحد أحد ، ليس كما يعتقد النصارى بالتثليث((الأب والإبن وروح القدس ) ولا كما يعتقد المشركون بتعدد الآلهة ...
وصف الله تعالى بالواحد له ثلاثة معان كلها صحيحة في حقه تعالى : الأول : أنه واحد لا ثاني معه فهو نفي للعدد ، والثاني أنه لا نظير له ولا شريك له ، والثالث : أنه واحد لا ينقسم ولا يتبعّض ، والمراد بالسورة نفي الشريك ردا على المشركين ، وقد أقام الله في القرآن براهين قاطعة على وحدانيته تعالى ، وذلك كثير جدا ، وأوضحها أربعة براهين : الأول، قوله تعالى ((( أفمن يخلق كمن لا يخلق ))) ؟ ــ وهذا دليل الخلق والإيجاد ــ فإذا ثبت أن الله تعالى خالق لجميع الموجودات ، لم يصح أن يكون واحد منها شريكا له والثاني : قوله تعالى ((( لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا ))) ــ وهو دليل الإحكام والإيداع ــ الثالث : قوله تعالى ((( لو كان معه آلهة كما يقولون إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا ))) وهو دليل القهر والغلبة ــ الرابع : قوله تعالى : ((( ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله ، إذاً لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض ))) ــ وهو دليل التنازع والاستعلاء، ثم أكد تعالى وحدانيته وا ستغناءه عن الخلق فقال : ((( الله الصمد))) أي هو جل وعلا المقصود في الحوائج على الدوام ، يحتاج إليه الخلق وهو مستغن عن العالمين ..قال الألوسي الصمد السيد الذي ليس فوقه أحد ، الذي يُصمد إليه ــ أي يلجأ إليه ــ الناس في حوائجهم وأمورهم ((( لم يلد )))أي لم يتخد ولدا ، وليس له أبناء وبنات ، فكما هو متصف بالكمالات ، منزه عن النقائص قال المفسرون : في الآية رد على كل من جعل لله ولدا ، كاليهود في قولهم ( عزير بن الله ) والنصارى في قولهم ( المسيح بن الله ) وكمشركي العرب في زعمهم أن ( الملائكة بنات الله ) فرد الله تعالى على الجميع في أنه ليس له ولد ، لأن الولد لابد أن يكون من جنس والده ، والله تعالى أزلي قديم ، ليس كمثله شئ فلا يمكن أن يكون له ولد ، ولأن الولد لا يكون إلا لمن له زوجة ، والله تعالى ليس له زوجة وإليه الإشارة بقوله تعالى (((بديع السموات والأرض أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة ))) ؟ ! ((( ولم يولد ))) أي ولم يولد من أب ولا أم ، لأن كل مولود حادث ، والله تعالى قديم أزلي ، فلا يصح أن يكون مولودا ولا أن يكون له والد ، وقد نفت الآية عنه تعالى إحاطة النسب من جميع الجهات ، فهو الأول الذي لا ابتداء لوجوده : القديم الذي كان ولم يكن معه شئ غيره ((( ولم يكن له كفوا أحد ))) أي وليس له جل وعلا مثيل ، ولا نظير ، ولا شبيه أحد من خلقه ، لا في ذاته ، ولا في صفاته ، ولا في أفعاله ((( ليس كمثله شئ وهو السميع البصير ))) قال ابن كثير : هو مالك كل شئ وخالقه ، فكيف يكون له من خلقه نظير يساميه ، أو قريب يدانيه ؟ تعالى وتقدس وتنزه ، وفي الحديث القدسي ( يقول الله عز وجل : كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك ، وشتمني ولم يكن له ذلك ، فأما تكذيبه إياي فقوله : لن يعيدني كما بدأني : وليس أول الخلق أهون علي من إعادته ، وأما شتمه إياي فقوله : اتخذ الله ولدا ، وأنا الأحد الصمد ، الذي لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفواً أحد )
...........................
هذه السورة الكريمة مؤلفة من أربع آيات ، وقد جاءت في غاية الإيجاز والإعجاز ، وأوضحت صفات الجلال والكمال ، ونزهت الله جل وعلا عن صفات العجز والنقص ، فقد أثبتت الآية الأولى الوحدانية ، ونفت التعدد ((( قل هو الله أحد ))) وأثبتت الثانية كماله تعالى ، ونفت النقص والعجز ((( الله الصمد ))) وأثبتت الثالثة أزليته وبقاءه ونفت الذرية والتناسل ((( لم يلد ولم يولد ))) وأثبتت الرابعة عظمته وجلاله ونفت الأنداد والأضداد ((( ولم يكن له كفواً أحد ))) فالسورة إثبات لصفات الجلال والكمال ، وتنزيه للرب بأسمى صور التنزيه عن النقائص .
..........................
روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( من قرأ ((( قل هو الله أحد ))) فكأنما قرأ بثلث القرآن ) قال العلماء : وذلك لما تضمنته من المعاني والعلوم والمعارف ، فإن علوم القرآن ثلاثة : *** توحيد ، وأحكام ، وقصص *** وقد اشتملت هذه السورة على التوحيد فهي ثلث القرآن بهذا الاعتبار ، وقيل : إن ذلك في الثواب أي لمن قرأها من الأجر مثل أجر من قرأ ثلث القرآن ، والله أعلم
...............
***تم بعونه تفسير سورة الإخلاص ***
المرجع : صفوة التفاسير ، تأليف : محمد علي الصابوني الأستاذ بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية ــ مكة المكرمة ــ جامعة الملك عبد العزيز ــ المجلد الثالث