نزار الفراوي و م ع بيان اليوم : 20 - 02 - 2012
يبدو المشهد جليا ومترسخا عاما بعد عام، في المعرض الدولي للكتاب والنشر بالدار البيضاء. العناوين المغربية تحتل موقعا طليعيا، ليس فقط ضمن منشورات دور النشر الوطنية، بل أساسا على رفوف الأروقة الشرقية، ومن بينها دور ذائعة الصيت في مصر ولبنان بوجه خاص. هي هجرة من نوع خاص فرضتها عدة عوامل ذاتية وموضوعية، حملت المؤلف والمبدع المغربي على طرق أبواب الشرق العربي لإصدار ثمرات فكره أو موهبته الأدبية، وإن أصر الكثير على أن الأمر يعد في حد ذاته عنصرا إيجابيا من حيث توطيد علاقات التكامل والتبادل الثقافي بين شرق العالم العربي ومغربه.
على جانب الرواق المخصص لدار «النايا» السورية، نصبت لوحة تضم قائمة بالكتب المغربية التي أصدرتها الدار خلال العام الجاري، في مراودة دعائية للقارئ المحلي، 14 عنوانا في الرواية والشعر والدراسة الأدبية. يحضر ضمنها مصطفى لغثيري بروايتيه «ابن السماء» و«على ضفاف البحيرة»، وابراهيم الحجري بدراسته «الشعر والمنفى» ونور الدين محقق بكتابه «بريد الدار البيضاء» وشعيب حليفي بروايته «رائحة الجنة» والزهرة رميج بروايتها «عزوزة» وغيرهم.
هذا الوضع ليس استثناء، فناظم حمدان مدير دار النشر «دال» السورية يعرض في رواقه بالدار البيضاء مجموعة إصدارات مغربية إبداعية ونقدية: «الحياة والسلطة» لمصطفى الحسناوي، «وهج الليل» (رواية) لمحمد عز الدين التازي، «المتخيل والقدسي في التصوف الإسلامي» للميلودي شغموم وغيرها. وهو يعتزم المضي في انفتاحه على الكتاب المغربي بالنظر إلى تجدده وارتفاع الطلب عليه من قبل جمهور المشرق العربي.
يقول ناظم في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء إن الأمر لا يتعلق بهجرة، بل بظاهرة إيجابية في سياق التكامل الثقافي المنشود بين المشرق والمغرب. يذكر بأن المغاربة معروفون في الشرق بأسبقيتهم في الدراسات النقدية والفكرية، ونقلهم لمبتكرات الفكر الغربي، وذلك سر جذبهم لاهتمام دور النشر الشرقية بما يجد في هذا المجال مغربيا.
الجديد هو في مجال الإبداع الأدبي، يعتقد الناشر السوري أن القارئ المشرقي استنفد متعة الأعمال السردية العربية الكلاسيكية ويود التعرف على المزيد من المنتج السردي المغربي الذي يتميز بنكهة تجريبية أقوى.
ويلوم ناظم حمدان الناشرين المغاربة لكونهم لا يبذلون الجهد الكافي لتوسيع نطاق إشعاع الكتاب المغربي بينما «لا نتردد نحن في تمشيط الجغرافيات القريبة والبعيدة بحثا عن الجيد».
ويلتقي هذا الناشر بالكاتب المغربي أحمد المديني الذي يقبل «مجازا» الحديث عن هجرة الكتاب المغربي إلى الشرق، لأن الأمر يتعلق في نظره برحلة «اضطرارية». يتساءل المديني الذي كان من أوائل من تعامل مع الدور المشرقية، في تصريحه للوكالة «هل عندنا مؤسسات محترفة منظمة، هل لدينا نظام مهيكل لرعاية الكتاب المغربي» ليخلص إلى أن الطباعة في الخارج، وأساسا في المشرق العربي، ليست في حد ذاتها امتيازا. وقال «يهمني بالدرجة الأولى أن يروج كتابي في المغرب، حيث نسغ أعمالي ومرجعيتي الاجتماعية».
مشروع ملفت ذلك الذي انخرطت فيه دار «ورد» السورية بإقدامها على نشر الأعمال الشعرية الكاملة لعبد اللطيف اللعبي. ويعزي صاحب الدار، مجد حيدر، وهو نجل الروائي حيدر حيدر، الارتفاع الملحوظ في عدد العناوين المغربية الصادرة في الشرق العربي ببساطة «إلى كون الإنتاج الغزير للمبدع المغربي يفوق طاقة استيعاب دور النشر المحلية». وللجانب الفني أيضا وقعه في هذا المجال «الكاتب المغربي يقبل على الدور الشرقية بدافع اهتمامه بجودة الكتاب كمنتوج يضاهي جودة الكتاب الأوروبي». وينبه مجد حيدر إلى جانب مهم هو الآخر، «مسألة حقوق التأليف أيضا مهما كانت ضئيلة تضمن عائدا ولو اعتباريا للكاتب المغربي».
ومع تعدد الدوافع، تحظى إشكالية التوزيع بدور هام في هذه الهجرة المشرقية للكتاب المغربي. يقول الروائي عبد الكريم الجويطي «لدور النشر المشرقية قدرة هائلة على توزيع الكتاب في أقصى تخوم العالم العربي». ومع أن الكاتب المغربي لا يحصل أحيانا على نفس الحقوق المتاحة له لدى دور النشر المغربية، يقول الجويطي، فإنه يخضع لإغراء فرصة التوزيع واسع النطاق فضلا عن التقاليد الراسخة في الشرق لمهنة الكتاب، من حيث طبيعة الرقن وتصميمات الغلاف ومختلف جماليات الإصدار.
كما لا يخفي عبد الكريم الجويطي الذي صدرت له «زغاريد الموت» عن الدار العربية للعلوم (بيروت) ما يضمره آخرون «أحيانا ننشر في الشرق من أجل الحصول على الاعتراف بنا هناك، حتى حين تتوفر شروط نشر أفضل في المغرب».