الحمدلله الَّذي أجرى الخلق وأجرى عليه ما قدره في كلِّ زمانٍ ومكانٍ، والحمد لله على السَّرَّاء والضَّرَّاء والصَّلاة والسَّلام على من عانى المرض والبلاء وقال: «من كانت الآخرة همه جعل الله غناه في
قلبه وجمع له شمله وأتته الدُّنيا وهي راغمةٌ، ومن كانت الدُّنيا همه جعل الله فقره بين عينيه، وفرَّق عليه شمله، ولم يأته من الدُّنيا إلا ما قدر له» [أخرجه التِّرمذي 2465 وصحَّحه الألباني].
أمَّا بعد: فقد كثرت وتفشت الأمراض النَّفسيَّة والرُّوحيَّة والعضويَّة في هذا العصر وتعدَّدت أنواعها وأشكالها واجتهد من اجتهد في علاج ما أصابهم فبذلوا الغالي والنَّفيس ولم يتغير شيء، فما زالت هذه الأمراض بانتشار ولا حول ولا قوة إلا بالله، وقد حصل ما حصل او بعضه بسبب غفلة كثير من النَّاس عن أسباب لتحصن من الوقوع في مثل هذه الأمراض ومنها القلق، والهمّ، والحزن، والكرب، والضِّيق، فهي لا تقتصر على المرضى النَّفسيِّين فحسب بل هي عامَّةٌ على كلِّ الشَّرائح في المجتمع، لا تفرِّق بين مسلمٍ ولا كافرٍ ولا كبيرٍ وصغيرٍ أو غنيٍّ أو فقيرٍ أو رجلٍ أو أمراةٍ، وتهتك بالمتعلم وغير المتعلم فاليوم يحتاج كثيرٌ من البشرية إلى من يفتح لهم نوافذ السَّكينة وينور قلوبهم؛ لتدلف النُّفوس إلي واحات الرَّحمة ولتذوق طعم الرَّاحة والطَّمأنينة لتشرق حينئذٍ الحياة وتذاق لذَّتها فلا يضر المرء حينها إن يعيش في وسط هذا الزُّحام من جمود الحياة وتقلص سعادتها، فالعبد يحتاج الي كلِّ ملطفٍ يلطف به أرجاء نفسه لتصفو ويطرق كلّ بابٍ يستطيع؛ ليترقى في درجات الفلاح والعلو،
وإن القران أعظم ما تطمئنُّ به القلوب وترتاح وأنجح ما تدفع به الهموم والأتراح وسنقتبس من معينه في هذه الكلمات آياتٍ (للسَّكينة والطَّمأنينة والخوف والحزن والشِّفاء والانشراح) ونسلِّط عليها الضَّوء؛ لنعرف الحقَّ ونستبينه ولا ننسى الذِّكر فإنَّه سلامة للقلوب وشفاء لما في الصُّدور قال -تعالى-: {أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرَّعد: 28]، قال ابن القيم: "وكان شيخ الاسلام ابن تيميه اذا اشتدت عليه الأمور قرأ آيات السَّكينة"، وقد استفاد ابن القيم من شيخه فعمل بها حيث يقول: "وقد جربت أنا أيضًا قراءة هذه الآيات عند اضطراب القلب ممَّا يرد عليه فرأيت لها تأثيرًا عظيمًا في سكونه وطمأنينته" انتهى كلامه رحمة الله عليه، فما أشدّ حاجاتنا للرِّجوع الي كلام الله وسنَّة رسوله -صلَّى الله عليه وسلَّم- عند حالات القلق والهموم والاضطربات العصبيَّة والأحزان فقد عصفت بكثيرٍ من أبناء الجيل فجعلتهم ما بين جريح ٍوقتيلٍ مع أنَّ العلاج بسيطٌ جدًّا، والوصفة يملكها كلّ مسلمٍ
م/ن
نرمين من المغرب
[right]