أكد الباحث محمد الفاسي على أن
سائر النواحي التي اعتدنا وجودها في الشعر العربي الفصيح نجد لها مقابل في الملحون،فشعراء
الملحون نظموا في الشعر الغنائي بسائر أنواعه من: وصف للطبيعة في قصائد تسمى
الربيعيات أو تحمل أسماء أخرى كالعرصة والرياض والصبوحي والديجور (الليل)والفجر
والذهبية (أي غروب الشمس )وغير ذالك. ونظموا
في وصف مجالس الانس والمرح مع التعرض لذكر محاسن الفاتنات في قصائد تحمل هذه
الاسماء :النزاهة والزهو وشعبانة والمزيان وجمهور البنات والفصادة والجحام وتسمى
بهذين الاسمين الاخرين القصائد التي يكون موضوعها وصف الحفلات التي كانت تقام
بمناسبة الفصد .كثير من قصائد هذا النوع التي موضوعها وصف الجمال تعرف باسم من
أسماء النساء كزينب أو فاطمة . أما القصائد الغرامية فهي تحمل أسماء كثيرة مثل
المحبوب والمعشوق والجار والمرسول والجافي والهاجر واللايم والمرسم أي الحي الذي
يسكنه المحبوب والشمعة .
ونظم شعراء الملحون في الخمريات والقصائد في
هذا الغرض تسمى الدالية والكاس والخمرية والساقي والساحي والخمارة .وأشتهر في هذا
الغرض كبار شعراء الملحون أمثال الشيخ الجيلالي والسي التهامي المدغري وسيدي قدور
العلمي والكندوز والحاج ادريس الحنش ...
ونظم شعراء الملحون في الاغراض الدينية
كالتصليات والمديح في الاولياء والادريسيات والعيساويات والجيلاليات
والتيجانيات وسبعة رجال وجمهور
الاولياءوالحسن والحسين ولالة فاطمة الزهراء وغيرها وكذا القضائد التي يطلق عليها
التوسل والاغاثة والخلوق أي مولد النبي عليه السلام والوفاة والمعراج ومكة وطيبة
كما نظموا في الحكم وكثير من
القصائد في هذا الموضوع تسمى الوصاية والثوبة والقلب والموعظة النفسية والطبايع
ومنها ما يسمى بحرف القافية كالتائية لسيدي قدور العلمي
نظموا في المدح إلا ان أتناجهم
فيه لا يقبل ولا يحفظ وحيث أن هذه الاداب شفاهية بمعنى أنها لا تحفظ في الغالب إلا
في ذاكرة الرواة فإن أغلب أشعار هذا الباب قد ضاع وهذا ما يدلنا على أن العامة
يفهم المعنى الشعر الحقيقي’ فهو لا يرى
فائدة في شعر لم يقل عن سجية وإخلاص والشاعر المداح يحتقر عندهم ولا يحفظ شعره حتى
في غير المدح ،نعم إذ كان المدخ مقترنا بعاطفة دينية أو وطنية فإنه يقع عليه
الإقبال
أما الهجاء فقد برعوا فيه وتفوقوا ويسمى بالشحط
وإذا كان شعر المديح لم يحفظ فإن الهجاء لهم به ولع ويرون فيه الشعر الصادق فإنه
غالبا ما يصدر عن غضب وتأثر ،وذلك انه كثيرا ما تقوم نزاعات بين اشياخ الملحون حول
قضايا ترجع لفنهم وتؤدي إلى مسجلات ومناقضات مما يدفعهم الى الهجاء وقد حفظت قصائد
كثيرة ممتازة في هذا النوع الادبي وهي تحمل اسماء مختلفة منها الداعي اي الذي يدعي
المعرفة والتفوق وهو دون ذلك ومنها المطموس ومنها ما يحمل اسم القافية كالضاضية والواوية
ومن أشهر القصائد الهجائية قصر العنان للشاوي وقد ابتكر الغرابلي وبريسول في
مساجلاتهما معاني جديدة مقتبسة من الحروب البرية والبحرية فسموا قصائدهم (المدفع الكبير
) والقرصان اي السفينة الحربية التي كان يغيرون بها غلى أعدائهم .
وقد بلغ ولعهم بالهجاء لحد انه لا تخلو قصيدة
إلا في ما قل باستناء كلام السي التهامي المدغري وسيدي قدور العلمي،لا يختماها
صاحبها بهجاء خصومه ولو بإشارة خفيفة فإذا أطال فذلك ما يسمى بالزرب،ويغنون بذلك
أنهم يحيطون إنتاجاهم بزرب من الشوك فلا يستطيع أحد من المعاندين الجاحدين
الاقتراب منه ولا خرق ساحته ،ورغم كل هذا فإنهم لا يحبدون الهجاء الشخصي أي الذي
لا يكون سببه خلافا فنيا أو مساجلة وإنما
مجرد هجو ناتج عن عدواة مثلا ومثل هده القصائد يطلقون عليها اسم فضيحة وهي لا تقبل
ولا تحفظ ويعاملونها معاملتهم لقصائد
المدح ويرون أن فائدتها شخصية ولا تعني إلاالقائل ومن قيلت فيه.
وينظمون كذلك في الرثاء ويسمونه العزا، أو العزو،إلا
أن القصائد في هذا النوع بما أنه لا يغنى بها فإنها تضيع ولا تخفظ طبعا وإنما نجد
بعضها في الكنانيش القديمة مثل رثاء المنصور السعدي لسيدي عبدالعزيز المغراوي
اضافة الى هده الانواع التي توجد في الأدب العربي
الفصيح فقد أمتاز شعراء الملحون بالتطرق الى مواضيع نادرا ما توجد في الشعر العربي
القديم أوأن الانتاج فيها ضغيف
ومن هذه الأنواع النوع المسرحي الذي للأسف لم
يلهموا اخراجه في شكل تمثيلي حقيقي وإنما بقى في طوره الموسيقي المحض وأن كان
الباحث محمد الفاسي قد رأى أنهم اقتبسوا هذه المحاور ات والمواقف المسرحية الني
نجدها في القصائد التي نظمت في هذا النوع من الألعاب التي كانت تجري بفاس
ومراكش أيام عيد الأضحى وتسمى الفراجة حيث
تعرض روايات هزلية يقوم بتمثيلها أشخاص معروفون باتقان أدوار خاصة
وهذا النوع الأدبي يسمى عندهم ترجمة’ والمواضيع
التي يطرقونها متنوعة لكن أكثرها هوما يسمى الحراز،حيث يصورون شخصا يحب إمرأة
ويحاول الاتصال بها قيأتي في صور مختلفة ليحصل على ثقة بعلها الذي يمنعها ويحرزها
لذلك يسمى الحرازفيصده ولا يترك له مجالا حتى يوفق الى المجيئ في صورة ينخدع فيها
فيتوصل العاشق الى مرغوبه.
وايضا القصائد التي تسمى الضيف وهي تصور
محبوبا يأتي عند محبه متنكرا في صورة من الصور’ ويطلب منه ضيف الله وتجري بينهما
محاورات .ومنها القصائد المسماة القاضي حيث
يصور الشاعر انه يحاكم محبوبه عند القاضي ويقدم حجج محبته وغرامه حتى يقضي
له الحاكم بانه محق في دعواه.
وتارة يكون موضوع القصائد في هذا النوع
المسرحي مفاخرة ما بين أشخاص كالعربية والمدينية أي البدوية والحضرية أو كالامة
والحرة أو كالعجوز والشابة وهكذا.
ومن المواضيع الظريفة في الملحون الرحلات
الخيالية وهم يصورون أنهم يوجهون طائرا ما لزيارة مكة والمدينة شوقا الى تلك البقاع المقدسة فيصف المراحل التي يمر بها
إلى ان يصل الحجاز ’أو يوجهونه الى الحبيب أو الى الأصدقاء ’والقصائد المنظومة في هذا النوع تحمل عادة
أسماء الورشان والحمام والمرحول والطلعة ونحوها .
ولشعراء الملحون براعة في الشعر
الفكاهي والمواضيع التي يطرقونها في هذا الباب كثيرة ومتنوعة وتحمل القصائد
الهزلية عادة مثل هذه الاسماء ’الزردة والضمانة والفار والطجين وغيرها .
وينظم أيضا شعراء الملحون في
نوع يسمى عندهم بالجفريات وهو التنبؤ بالحوادث المستقبلية والواقع أنهم يتخذون هذا
الأسلوب كمطية للنقد السياسي متخذين لهذه الغاية إشارة ورموزا يدركها المعاصرون
وأكبر من برز في هذا النوع الفقيه العميري .وتوجد ايضا مجموعة من القصائد السياسية
بمنسبات وطنية مثل القصائد المسماة التطوانيات حول حرب المغرب مع إسبانيا
1859_1860 .
وينظمون ايضا في الألغاز وعادة يسمى هذا النوع
السولان او السؤال ’وهو مطية لإظهار البراعة في الاطلاع على معلومات عن اشياء
غريبة يستمدونها من إتصلاتهم وملازمتهم لبعض العلماء ومن مطالعة كتب العجائب
والغرائب.
ولهم قصائد تعليمية ينظمون فيها التوحيد
والسيرة النبوية والمنازل الفلكية ومثل هذه القصائد الاخيرة تسمى ترحيل الشمس
كما نظموا في مواضيع أخرى عديدة
’وهوما يدفعنا الى القول أن شعراء الملحون لامسوا كل قضايا الحياة اليومية ’ونظموا
في شتى المواضيع.