منتديات دواوين الثقافية و الفنية منتديات تعنى بالأدب والثقافة والفن.
 

 

 أنثى تستكشف العالم بحس رومانسي

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
ابراهيم الرامي
نائب المدير العام
نائب المدير العام
ابراهيم الرامي


المدينة : العرائش
عدد المساهمات : 3588
معدل النشاط : 4910
تاريخ التسجيل : 27/06/2010
الموقع : www.da-wawin.com
أنثى تستكشف العالم بحس رومانسي 3atae10
أنثى تستكشف العالم بحس رومانسي Oouu2110

أنثى تستكشف العالم بحس رومانسي Empty
مُساهمةموضوع: أنثى تستكشف العالم بحس رومانسي   أنثى تستكشف العالم بحس رومانسي I_icon_minitimeالخميس 6 أكتوبر - 11:53


محمد بنعزيز
2011-10-03

حنان درقاوي في "طيور بيضاء"

إذا تأملنا مشهد "الكتابة النسائية" في القصة القصيرة المغربية في الأربعين سنة الأخيرة، سنلاحظ أن الثلاثين سنة التي تلت الاستقلال لم تعرف إلا أسماء قليلة، خلافا عقد التسعينات الذي عرف عددا مهما من الكاتبات، مما يعكس الوضع العام للمجتمع، وضع يعرف مشاركة المرأة بشكل فعال في الحياة الإقتصادية والإجتماعية، إذ عرف عدد النساء اللواتي خرجن للعمل نموا كبيرا، بل إن عدد النساء اللواتي يعلن أسرهن في ازدياد مطرد!

هذا التحول مس الكتابة أيضا، باعتبارها ممارسة مركبة يدخل فيها الذاتي والإجتماعي، ممارسة تنجز ـ حاليا على الأقل ـ كلذة شخصية ليس إلا، بعد تراجع مفهوم الإلتزام ومشتقاته. غير أن هذا لايعني أن الكتابة قد انفصلت عن المجتمع، خاصة إذا كانت هذه الكتابة "نسائية"، إذ أن المرأة أكثر ملامسة لليومي، للمحسوس، للتفاصيل الصغيرة التي تنجدل منها حياتنا، ومن يقرأ روايات توني موريسون، (الأمركية الحائزة على جائزة نوبل لعام 1993)، يندهش لهذه الملاحظات التي لا أعرف كيف يمكن للرجال ان ينتبهوا لها، خاصة في روايتها "أكثر العيون زرقة" الصادرة عن دار الآداب.

هذه "الكتابة النسائية"، تطورت بشكل كبير في التسعينات مقارنة مع فترة (1950-1990) التي عرفت ندرة في الأسماء النسائية، إذ لم تشتهر سوى خناثة بنونة ورفيقة الطبيعة وليلى أبو زيد، وقد صدرت لهن تسع مجموعات قصصية(1). ويمكن التدليل على هذه الندرة، بالمختارات القصصية التي جمعها الأستاذ محمد برادة، والتي لا تضم سوى اسم كاتبة واحدة إلى جانب خمسة عشر كاتبا. (2)

أما السنوات التالية لعام 1990 فقد عرفت بروز عدة كاتبات نشرن مجموعات قصصية خاصة، وهن:

1- لطيفة السباعي أبرجو سمعت "حرب النغم" عام 1990.
2- لطيفة باقا تساءلت "ما الذي نفعله؟" عام 1993.
3- ربيعة ريحان استطابت "ظلال وخلجان" عام 1994 ثم وقفت على "مشارف التيه" عام 1996.
4- زهرة زيراوي تذكرت "الذي كان" عام 1994 وقدرت أن "نصف يوم يكفي" عام 1996.
5- آمنة حصري الشرقي بدأت ب"الإحباط" عام 1994.
6- ليلى الشافعي بدا لها "الوهم والرماد" عام 1994.
7- سعاد الناصر (أم سلمى) أصغت ل "إيقاعات في قلب الزمان" عام 1994.
8- نزهة بنسليمان خمنت "لو قلت كلمتي" عام 1995 وظنت في نفس العان أن "الليل موعدنا".
9- حسنة عدي بدت لها "ملامح آخر الليل" عام 1996.
10- مليكة نجيب رأت "الحلم الأخضر" عام 1997.
11- حنان درقاوي شاهدت "طيور بيضاء" عام 1997.

هذه الطفرة في الكم، تستتبع تطورا في التجارب وتنوعا في الرؤى والتقنيات السردية، وهو ما يستدعي وقفة متأنية لدراسة هذه النصوص. وهذا المقال خطوة في إطار مشروع متكامل لقراءة القصة القصيرة التسعينية. وقد بدأت بالنصوص التي توفرت لي، ومنها مجموعة "طيور بيضاء"(3) لحنان درقاوي..

في البداية أضم صوتي إلى صوت حنان في التأكيد على روعة المكان الذي بدأت فيه الكتابة: مقهى وسط حدائق الوداية، حيث تطل على رأس نهر أبي رقراق وهو يعانق الأطلسي في ظلال الجدران العتيقة. ولم يتم التقاط هذا المشهد في أي زمن، لقد التقط في شهر مارس الذي تتمازج فيه خضرة الربيع برائحة الماء الصاعدة من مجرى النهر.
ليس هذا المشهد ديكورا زائدا، إنه مفتاح لقراءة المجموعة القصصية الأولى لحنان درقاوي، مشهد أثر كثيرا على لغة "طيور بيضاء" التي كتبت بلغة شعرية رومانسية، تحتفي بالفضاءات الجميلة، وتسعى لإشراك الآخرين في متعة هذا الجمال، خاصة وأن القصة الأولى عبارة عن رسالة تكتبها بطلة القصة لصديقتها وفاء التي تزوجت بدل أن تتابع دراستها، هذا الحدث الذي تعتبره بطلة قصة "رسالة" خطأ فادحا، لذا تحكي لوفاء عن مصير وفاء، تتخيل حوارا معها، وهنا توظف حنان درقاوي تقنيات الرسالة، مثل المنجاة التي تحتفظ بحرارة اللحظة، وتحكي عن الزمن الآني بكل الإنفعالات (الفرحة، الخيبة، الأمل، اليأس...) هذه الإنفعالات التي تكون مشتركة بين طرفي الرسالة اللذان يدخلان في حوار/صراع على حافة الأسطر:

1- المرسل الذي يكتب الآن، آخذا بعين الإعتبار ردود الفعل المحتملة ثم يحرض الآخر على الرد "الجواب في الحين".

2-المرسل إليه الذي يتلقى الخطاب ويقرأ المكتوب وما بين السطور ثم يكتب جوابا يراعي فيه شروط الرد الذي ينتظره بدوره.

وهذا الحوار مع شخص غائب يكون مشتعلا لأن المرسل يخمن ردود فعل الطرف الآخر حول كل حرف يكتبه.

كاتبة الرسالة تشتم زوج وفاء، تشتمه بلا مبالاة، "تتزوجي ذلك الأحمق"ص11، لابد أن بطلة القصة تعرف أن وفاء تحتقر زوجها ولا تحبه، وإلا لما تجرأت على شتمه، لكن يبدو أن وفاء سارت في الخيار الذي بدا لها ممكنا، لذا تسخر بدورها من طموح كاتبة الرسالة التي تحلم بكتابة رواية عن الرعب "آي هاي هاي هاذا هيتشكوك.." ص11، واضح إذن أن كاتبة الرسالة تسخر، وتقدر السخرية التي ستتعرض لها من خلال الرسالة الجوابية لوفاء.

يشير تاريخ كتابة الرسالة إلى الفترة التي كانت فيها حنان درقاوي طالبة في الكلية، وسنجد مؤشرات كثيرة على نمط الحياة الطلابية في المجموعة، مما يجعل السيرة الذاتية حاضرة في المجموعة.

والسيرة كما يقول فيليب لوجون حكي استيعادي نثري يقوم به شخص عن حياته الواقعية، ويمكن أن تكتب هذه السيرة على شكل رسالة أو يوميات، وهو ما تفعله بطلة القصة الأولى. ويستطيع المتتبع المدقق أن يجد أزقة الرباط وحدائقها موصوفة بدقة في المجموعة، إلا أن هذا لا يمنع أن "طيور بيضاء" قائمة على التخيل أساسا، ولا يلعب فيها العنصر السيري إلا دورا صغيرا، يقول شكري "إننا في الكتابة، لا نلتقط صورة طبق الأصل لما يحيط بنا من مشاهد، فالأصوات والمعاني، والحركات وأوضاع الأشياء التي تتلقاها حواسنا في لحظة معيشة أو متخيلة لا تصير هي نفسها عندما نستعيدها فنيا ]خلال الكتابة[" . (4). ويعود هذا التغيير إلى الجهد الذي يبذله الكاتب لتوظيف خبرته الذاتية في صياغة نصوصه، خاصة النص الأول الذي تشكل السيرة الذاتية عادة دعامته الأولى، دون أن يسمح لنا ذلك بالحديث عن مطابقة المحكي السيري للواقع، لأن المبدع " ليس فراغا لترجيع صدى العادي ]الذي يعيشه["(5).إنه ذات تلتقط ما يعنيها وتكيفه ليلائم الكتابة، وهكذا يتجاوز النص اليومي المعيش والمحدود ويدخل في عوالم غنية، ليمس ذوات أخرى غير الذات التي أبدعته.

وأعتقد أن حنان درقاوي قد وظفت عناصر من سيرتها بذكاء، خاصة على مستوى نقل انشغالات النساء من الداخل، وهذا ما قادها لصياغة اطروحة تخترق أغلب قصص المجموعة، أطروحة بصدد العلاقة بين الرجال والنساء، لا أعتقد أن النساء أنفسهن سيتفقن معها، مفاد هذه الأطروحة أن النساء يكن سعيدات بلا رجال ويكن شقيات بسبب الرجال!!

في قصة "آن الأوان"تقدم لنا الفتاة بصفة واحدة على مدار القصة"فتاة مكفهرة"، لأنها حامل والحبيب فر بجلده، فبقيت الفتاة وحيدة في مواجهة القبيلة التي ستصفيها لتتخلص من الفضيحة والعار. لا تستطيع الفتاة ان تنتظر تقرير مصيرها على يد القبيلة، لذا تلقي بنفسها من النافذة. ونجد حالات قريبة من هذه في قصص "رسالة" و"أطفال مخلصون" و"مواعيد"...

أما في قصة "سطل ماء" فإن البطلة العزباء تستخلص "وأنا أعد طبق الكبد بالصلصة، فكرت أنني امرأة سعيدة" ص46، هذه الجملة التي لم تفكر بها أية امرأة أخرى، لأن الرجل الذي تحبه، لا ينفك يخون وينتحر ويخلف المواعيد، مع أنه لاشيء يشعل الحب مثل الإنتظار!!

نتيجة لهذا الوضع، أي كون الرجل سبب شقاء المرأة، تقدم حنان صورة سلبية عن الرجل في قصصها: فهو أحمق ص11، قليل الحياء ص36، أبله ص48، جبان وطماع ص51، لا يحترم المواعيد ص59، ووقح ص76. من أين استقت حنان هذه الصورة؟ من ثرثرة النساء عن الرجال، وهي ثرثرة تكرر الأوصاف اعلاه وكأن هناك امرأة تستطيع أن تعيش دون رجل، أو العكس.

هذه النزعة تجاه الرجل، هي التي تجعل المرأة في قصص المجموعة تدافع عن الخيانة دون أن تتحمل اية مسؤولية أخلاقية، فالزوجة تخون زوجها الغائب وتقضي لحظات كثيفة في حضن العشيق لأن جسدها الصاهل بالرغبة يقهرها، الزوج الذي تحبه هو السبب، لأنه كثير الغياب بحثا عن الرزق!! ص21و67. الحب شيء والرغبة شيئ آخر!
هذا التناقض الذي قد لا يقبله المنطق، يبرز مدى قدرة الكاتبة على التعاطف مع شخصياتها، ومدى قدرتها على التقاط مشاعرها الداخلية. وهذا التعاطف هو الذي يبرر حجم المساحة التي تحتلها المرأة في "طيور بيضاء"، وهذه أول مرة أقرأ مجموعة قصصية بهذا العدد من النساء، بطلات وساردات.

تلتقط حنان درقاوي وعي النساء المرهف الذي راكمه القمع بمختلف مستوياته، وهنا تلعب الدراسة الفلسفية للمؤلفة دورا هاما في إضاءة الزوايا المعتمة في نفسية الشخصيات. ويتجلى هذا الإلتقاط من خلال رصد مشاعر أنثى على مقربة من رجل يوشك أن يعرض عليها مشروعا ما، أنثى دون إسم تتمثل العالم من وضع طبقي لا يقلقه إلا غياب الحبيب وانكسار الأظافر الطويلة، أنثى تنتحر بطريقة متحضرة، تقطع شريان يدها، بدل الطريقة المغربية المعتمدة وهي تباعا: تناول سم الفئران والقفز في بئر عميق وأخيرا وضع الحبل حول العنق...

المرأة التي تقدمها حنان مستقلة اقتصاديا وواثقة من نفسها، وهذا ما ينعكس عى السرد أيضا، بحيث يهيمن صوت هذه المرأة على السرد من خلال ضمير المتكلم الذي يعلي من شأن الذات المتكلمة ويجعلها مرجعا لوصف العالم وتقييمه، إنها شهرزاد جديدة تصوغ مجموعة قصصية للنساء!

وتظهر هيمنة ضمير المتكلم حتى في تلك النصوص التي تحكى بضمير الغائب مثل قصة "مواعيد"، حيث افتتح السرد بضمير الغائب، لكن تم فتح مزدوجتين لإسماع صوت الشخصية الرئيسية وهي تتحدث بضمير المتكلم، والنتيجة النهائية هي نصف صفحات القصة بضمير المتكلم والنصف الآخر بضمير الغائب، وهذا ما أثر حتى على بنية القصة التي تشكلت من عناصر لا رابط بينها، حيث تم تقديم عدد كبير من المواقف والأحداث التي تغطي مدة زمنية طويلة )بفعل الإسترجاعات والتساؤلات التي تكسر وتيرة السرد(، دون أن يكون بين هذه الأحداث رابط واضح، ودون أن يفسر بعضها بعضا، إليكم الأحداث:

ـ امرأة أنيقة تائهة تدخل المقهى.
ـ النادل يطردها.
ـ تخرج وتسأل رجلا لا تعرفه عن شيء ما.
ـ تخبرنا أنها ممرضة.
ـ تستمر في التجول فتجد الرجل الذي سألته مقتولا.
ـ تقول أن هذا الرجل طرده والدها الذي مات منذ مدة!!
ـ تستمر في التجول وتخبرنا انها تسأل عن دكان أخيها.
ـ الأخ في المستشفى.
ـ تذهب إلى موعد مع صديقها، دون أن تجده.

ـ تذهب إلى منزل الصديق "لتقضي يوما رائعا" ص59، تضغط على جرس الباب (ليس لديها مفتاح خاص بعد!) فتقول لها الجارة أن الصديق قتل نفسه البارحة!

لا أستطيع تمثل هذا النص إلا إذا كان الغرض منه التقاط وضع امرأة في حالة شرود قصوى، إلا أن هذا الشرود ليس لديه ما يبرره بالنسبة لشخصيات "طيور بيضاء"، لأنها شخصيات تنتمي إلى البرجوازية الصغرى: طالبات وموظفات، يرتدن فضاءات محترمة: منزل بست شرفات ص61، مقهى فخم، مطعم للبيتزا، منتزه جميل، غرفة لكل فرد وقطة وآلة تنظيف السيقان من الزغب ص62.

إن هذه الشخصيات الأنثوية ملتقطة من وسط واحد، لذا أرجو أن تنوع الكاتبة مستقبلا في الشخصيات والفضاءات، فالمغرب ليس كله منازل بست شرفات ومطاعم بيتزا ترتادها طالبات وموظفات ذوات أظافر طويلة.

لقد مثلت المؤلفة شريحتها بكل دقة، وهذه مسألة أساسية، لأن صوت المؤلف لا يمكن أن يملك فرادته إلا إذا كان مندغما ومعبرا عن خصوصيات الشريحة التي يمثلها، مادام يصوغ مواقفه وخبرته من الوسط الذي يعيش فيه، وهذا شرط تتطلبه الكتابة الروائية أكثر من الكتابة القصصية في الحقيقة.

ويمكن التأكيد على وضع البرجوازية الصغرى التي تعبر عنها "طيور بيضاء" إذا سجلنا التيمة الرئيسية التي تخترق المجموعة من اولها إلى آخرها، تيمة خوف شخصيات هذه الطبقة، بل رعبها:

"لأكتب عن الرعب" ص11، "أخاف في الظلام"ص12،"كم كان مرعبا" ص27، "رأيت بداخلها رعبا لم أره من قبل"35، "هرب الزبناء مرتعبين"ص65، "سمعت الطبيب يقول لأبي منذ سنوات:

ـ ابنتك لديها إحساس فظيع بالخوف" ص70. (تتكون المجموعة من 77صفحة).

أتساءل مِمّ تخاف حنان، ليس حنان هي التي تخاف، بل "الطيورالبيضاء" ]فكروا قليلا في الدجاج الأبيض أفضل[ التي فقدت الأمان بسبب شراسة الحياة، فغدت العزلة والإحتراس من الآخرين طريقة معوجة لحماية الذات، هذه هي وضعية شخصيات حنان، شخصيات تشمل الموظفين والطلبة المنتمين إلى وسط متحرر (متبرجز ذهنيا).

رغم هذا الخوف، تستخلص حنان أن الحياة جميلة، هذا هو الإنطباع الذي يتولد من خلال نصوص المجموعة، إلا النصين الأخيرين لما يقدمانه من أجواء مختلفة تماما. فالبطلة في "مساء غريب" تنزعج من شخص يقول لها بكل ليبرالية "بكم تقضين الليلة معي؟" ص76، وهي أيضا تحاول الإنتحار ص71، وفي نص "رحيل... طريق أخرى" تفكر البطلة في الموت كثيرا ص85 وهي التي كانت زمن الطفولة تلهو بنهديها وتنتظر أن يكبرا معها ص81.

واضح أن النصين الأخيرين مشبعين بالقلق بشكل واضح مقارنة مع النصوص السابقة، إلا أن هذا لا يمنعني من التأكيد من "طيور بيضاء" مجموعة قصصية متفائلة، وأعتقد أن حنان درقاوي، أستاذة الفلسفة كما يخبرنا غلاف الكتاب لم تعش البطالة والإعتصام وزرواطة المخازنية، مما يجعل عالمها مفتونا بالطيور البيضاء التي لا أجد لها أثرا في نصوص الآخرين.

إن صوت درقاوي استثنائي بين أصوات التسعينيين، صوت يرسم الحلم ويبشر بالسعادة، وهو ما تؤكده اللغة الرومانسية التي كتبت بها المجموعة، لغة شعرية رومانسية شفافة، مما حذا بالأستاذ أحمد بوزفور ليصف هذه المجموعة القصصية بأنها عذبة ص5: "من عشقنا للبحر، للسماء يولد حلمنا الأخضر وعشقنا الأول ... " ص13. "الغمام يكاد يحجب الشمس بأشكاله الغريبة ويرسم كف إله، رأس ديناصور، ضفدعة" ص41. "ما هذا السحر الغريب الذي تمارسه الشجرة على الإنسان، لماذا نندفع نحوها كلما أرهقتنا أيامنا الإسمنتية، إنها هنا لتذكرنا أنها الأم التي تستطيع أن تحمينا...وأنا مستغرقة في هذياناتي الحمقاء..." ص 76.

إن هذه اللغة العذبة، مهمة للقصة القصيرة، شرط أن تكون لغة وظيفية تؤدي دورا في تشكيل جماليات القصة، ولا تكون عبارة عن مقاطع إنشائية وهذيانات لا صلة لها بما قبلها وما بعدها، وهذا ليس مضمونا دائما.

وقد سبق لنجيب العوفي أن تحدث عن هذه اللغة الرومانسية/البكائية التي تسيطر على اللغة القصصية لدى الكاتبات المغربيات، خاصة خناثة بنونة ورفيقة الطبيعة، اللواتي يحلقن في غربة لا متناهية (6) ويَدُرْن في حلقة من المونولوجية المفرغة(7). هذا النوع من اللغة المحلقة، يضيع التفاصيل الصغيرة التي تخلق جماليات القصة القصيرة.
رغم هذا النقص، يمكن أن نسجل تجديدا أساسيا على مستوى التعامل مع اللغة (8) لدى الكثير من الكتاب والكاتبات التسعينيات، ويتميز هذا التعامل بتجاوز البنية التقليدية التي يستخدمها الفقهاء والمعلمين القدامى، وهي لغة رصينة متماسكة و"محترمة"، وبدلا منها يتم استخدام تعابير تقترب من الدارجة وتخلط ترتيب مكونات الجملة في اللغة العربية عمدا.
ويمكن تفسير هذه الإستخدامات الجديدة للغة بالإحساس بخشبية التعابير القديمة التي لم تعد تقول شيئا من فرط تكرارها، وبالرغبة في التجديد وتجاوز لغة شيوخ الأدب.
وتتجلى مظاهر هذا التعامل مع اللغة في "طيور بيضاء" في:

1- استخدام جمل طويلة سائبة.
2- خلخلة البنية اللغوية العربية التقليدية التي تقوم على توالي الفعل والفاعل.
3- بدء الجملة بالإسم لا بالفعل "القطة لا لون لها حين أزيل زغبها، البيت لا طعم له حين ذهب أخي"ص63. مع الحرص على خلق إيقاع يتولد من تكرار نفس البنية في أكثر من جملة، كما هو الحال في الاستشهاد الاخير.

لقد حققت حنان درقاوي في مجموعتها "طيور بيضاء" تقدما طيبا على مسارين:

الأول هو ملامسة طزاجة تجربة أنثى تستكشف العالم بحس رومانسي، أنثى ترسم صورتها بتعاطف، دون إدانات إنشائية ودون ثورية زائفة.

الثاني هو استخدام لغة رومانسية تحتفل بالتفاصيل في حياة المرأة، لغة شفافة أشبه بضباب خفيف أواخر الفجر وقبل الصباح، لغة شعرية مضمخة بالأمل، وهذا نادر في النصوص التسعينية. وهو ما سنتأكد منه خلال قراءة نصوص أخرى، نصوص تستخدم لغة شعرية أيضا، إلا أنها لغة منقوعة في الألم، لغة مفجوعة بالحاضر والمستقبل.

هـــــــــــــــوامش:

(1) - محمد قاسمي "ببليوغرافيا القصة القصية المغربية" دار الجسور وجدة ط1 1999.
(2) - محمد برادة "لغة الطفولة والحلم، قراءة في ذاكرة القصة المغربية"، الشركة المغربية للناشرين المتحدين، الرباط ط1 1996.
(3) - حنان درقاوي "طيور بيضاء" دار البوكيلي للنشر القنيطرة ط1 1997. كل الإحالات على المجموعة ترد في المتن.
(4) - محمد شكري القدس العربي 18-11-99 ص 10.
(5) - محمد شكري، م.م. ص 10.
(6) - نجيب العوفي "مقاربة الواقع في القصة القصيرة المغربية" المركز الثقافي العربي الدار البيضاء /بيروت ط1 1987 ص 353.
(7) - نجيب العوفي م.م ص 350.
(8) - يراجع بهذا الصدد مقال الدكتور حميد لحميداني "وضعية القصة النسائية" مجلة "الثقافة المغربية" عدد 16 ماي 2000 ص83-87.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الضريسي الباز حسن
.
.
الضريسي الباز حسن


المدينة : باريس
عدد المساهمات : 1741
معدل النشاط : 2341
تاريخ التسجيل : 29/05/2011
العمر : 62
الموقع : www.da-wawin.com
أنثى تستكشف العالم بحس رومانسي 3atae10

أنثى تستكشف العالم بحس رومانسي Empty
مُساهمةموضوع: رد: أنثى تستكشف العالم بحس رومانسي   أنثى تستكشف العالم بحس رومانسي I_icon_minitimeالخميس 6 أكتوبر - 14:10

شكرا لك أستاذ إبراهيم الرامي لنقل
هذه الإلتفاتة نحو كتاب وأدباء نسوية،
ومقارنة أنشطتهم الثافية بين الماضي
والحاضر، ببلادنا والحمد لله عرفت
المرأة نشاطا ملحوظا في كل المجالات
الثقافية،وهذه خطوة موفقة نحو الرقي
والتقدم بمجتمعنا إلى الأمام خاصة وأن
المرأة هي المدرسة الأولى لتكوين مجتمع
صالح،
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
أنثى تستكشف العالم بحس رومانسي
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» لعب مع أنثى
» هدية لكل أنثى
» هذيان أنثى
» أغنى أغنياء العالم
» أنا آخر أنثى بلورية/سليمى السرايري

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات دواوين الثقافية و الأدبية :: المنتديات العامة :: المنتدى العام-
انتقل الى:  
أركان منتديات دواوين الثقافية و الأدبية