تنزل إلى الشاطئ الرملي عبر البوابة المقابلة لمقهى "ياسمينة", إحدى البوابات المتعددة والممتدة من صور الميناء في الجنوب الغربي حتى مربض الخيول قبالة "دار منيوص" شمالا على امتداد ثلاث كيلومترات .
تجلس على الحائط الواقي للكورنيش الذي تفصله بضع عشرات الأمتار عن خط التماس بين الرمال و المياه, تنتزع حذائك الواقي الذي سيطر على رجليك منذ السادسة صباحا حتى حدود السابعة والنصف مساءا في هذا الجو الصيفي القائظ , تسحب قدميك من الجوارب التي امتصت عرقهما طوال هذه المدة , وأججت حرارتهما حتى إنك لتخالهما في مرجل من جراء الحرارة و الرطوبة.
تلامس قدماك اللتان أصبحتا رقيقتين حبات الرمل اليابس, لتغوصا جزئيا متبينتين الحبات الرقيقة الناعمة من الأخرى الغليظة الخشنة , إنه إحساس شبيه بالذي يحسه ويكتشف به الأعمى العالم والأشياء من حوله. بضع عشرات من الأمتار تفصل بين الجدار الواقي للكورنيش ومهوى أمواج المحيط الصيفية الهادئة, التي تتداعى في رفق ولين على رمال دقيقة داكنة كما يتهاوى العشاق على شفاه و صدور عشيقاتهم في لذة محمومة "قلم مشاكس خبيث يرفض الكتابة ".
تقطع هذه المسافة بدبيب السلحفاة, تتعمد تحسس الأشياء تحت قدميك عنوة, تغمض عينيك لتشعر بنعومة الرمال الرقيقة وخشونة القواقع الصدفية التي تخلت عنها حيواناتها لسبب من الأسباب.
تتحسس برودة المياه تحت قدميك و حتى منتصف ساقيك, تتراجع بضعة أقدام حتى لا تبلل الأمواج المتتالية أطراف سروالك.
عند خط التماس بين الماء والرمل تتسمر في مكانك, قدميك في الماء الذي يدب صعودا, يديك مشتبكتين وراء قفاك والعينين في الأفق البعيد حيث تلتحم السماء بالماء في زرقة شبه متجانسة و حيث يصعب التمييز بينهما.
تقفز إلى المخيلة صديقة الطفولة في جلستكما ذات غروب على نفس الشاطئ تنتظر عودتك من آخر غطسة في اليم.
كلما تقدم الموج غمر ساقيك, وفي تراجعه يسحب بساط الرمال من تحت قدميك فتغو صان قليلا و تسري فيك انتعاشة لذيذة, تكتسحك قشعريرة كما لو كانت قبلة من محبو بتك, ونشوة كأس نبيد تأخذك إلى الدنيا الحالمة , تجد نفسك واحدا في موقفك ,وحيدا في متعتك, متحد في تمتعك كمتصوف أدرك الحلول .
و كثمل سكران من النشوة تدندن أغنية, تسترجع أبياتا من قصيدة, تتأمل لوحة تبهرك مناظرها حتى تراك من مناظرها
ماى2009