ملامح فن الزجل في الأدب المغربي المعاصر والعودة إلى التراث
للدكتور المحاضرمرتضى الشاوي.
قصيدة ( مرا ثايرا ) مثالاً للشاعرة المغربية إيمان الونطدي
ولد الزجل في الأندلس في أواخر القرن الربع للهجرة ، ونشأ فيها وتطور مع بقية الفنون الأندلسية الأخرى ، ويعدّ الزجل واحداً من الفنون الشعرية المستحدثة وهي :
( الدوبيت ، والموشح ، والزجل ، والمواليا ، والكان وكان ، والقوما ، والبند ).
وانتقل إلى المشرق - لا سيما إلى العراق والشام ومصر – وقد اشتهر عند شعراء منهم الشاعر العراقي المشهور صفي الدين الحلي ( ت 750هـ ) وكذلك الشاعر من الشام ابن حجة الحموي ( ت 837هـ ) وأيضاً من مصر ابن نبيه المصري ( ت619 هـ) وغيرهم إلا أنّه يعد من اختراع أهل المغرب حصراً .
إنّ الموشحات والأزجال قد عبرت البحر إلى المغرب ، ثم انطلقت إلى المشرق في بداية النصف الثاني من القرن السادس الهجري .
وهذه الفنون لا تلتزم بعمود الشعر المعروف لا سيما ما يتعلق بالأوزان الشعرية .
كان الزجل في أول نشأته مقصوراً على موضوعات منها :
في الغزل وخلع العذار واللهو والمجون ، ثم أصبح يعالج الوصف والزهد والتصوف والرثاء والمديح والهجاء .
وإنّ احتفاظ الأدب المغربي المعاصر بفن الزجل له من دواعي الغبطة والسرور ، ويظهر جلياً عند شاعرتنا المغربية المعاصرة إيمان الونطدي فهل تحاول شد المتلقي بشيء ميسر من تراث ديوان الشعر العربي
والزجل في اللغة الصوت يقال سحاب زجل إذا كان فيه رعد ، ويقال لصوت الأحجار والحديد والجماد أيضاً زجل و قد أخذ من تنغيمة الحمام الزاجل .
وينظم على بحور الشعر المعروفة إلى جانب بحور أخرى ابتدعها الزجالة ، ومن حيث بناء الزجل ( الشكل الهندسي للقصيدة ) يكون البيت كما هو شائع من أربعة أشطر أو المصاريع الثلاثة الأولى من روي معين والرابع من روي مغاير له ، ولكنه ملتزم في كل شطر رابع في القصيدة ويشيع الجناس عادة في القوافي الثلاث الأولى وغير ذلك من الضوابط على مستوى الشكل .
وهذا الفن بعيد عن ظاهرة الإعراب ، إذ يغلب عليه التسكين ، ويصلح للغناء دائما، وقد ينظم الزجل إقفالاً ، ولا يزيد القفل الواحد عن بيتين في الغالب ، وربما يكون للبيت رويان ، أحدهما للصدر والآخر للعجز ، وقد تسوده قافية واحدة ، وقد تفنن الشعراء في هذا المجال بكثرة .
مثال لصفي الدين الحلي في المدح :
أنت يا قبلة الكرام ْ زينة المال والبنينْ الله يعطيكْ
فوق ذا المقامْ
ويعيدك على السنينْ
أنت شامه بين الأنام الله يحرس شمائلك
ويؤيدك بالدوام تانعيش في فواضلك
وتا نطوي ذكر الكرام لما تنشر فضائلك
ونهنيك بكل عام
والخلائق تقول آمين
وهكذا تسير القصيدة 000
وأيضاً قول ابن سناء الملك :
إذا الحبيب جفاني
واصلته بالأماني
يا طبيب وصل فلان
هل أنت مني دان
وهل أراه يراني
وهل يعود كما كان زمان مع فتّان
والى آخر القصيدة 000
و الزجل نوع من الشعر الوسطي تغلب عليه المفردات القريبة من العامية ، وأيضاً يشبه الشعر النبطي في دول الخليج العربي ، ويغلب عليه مخالفة القياس الصرفي أو اللغوي .
مناسبة ومتن القصيدة للشاعرة إيمان الونطدي:
(( قصيدة بالزجل المغربي كتبت لمسرحية أسمس لفنان المسرح المدرسي إدريس بوثنين التي تتحدث عن معاناة زوجات بعد تضحيات قمن بها و لم يُعترف لهن ))
قصّةْ مرَا ثَايْرَا
رشْْفت كِيسَانْ لَمْرارْ
ملِّي ضَايْفَتْ لَضْرَار
حَطِّيتْ النَّفسْ فَلْغِيسْ
بْكِيتْ عْلَى ذَاكْ الرخِيصْ
صبرتْ علَى هَمْ لَمَْقامْ
ملِّي لَوْثُوه قُومَانْ
وْ قُولْتْ أنا لِّي بغْيتْ
قدّامْ هلُو غنِّيتْ
سوْلَتْ النَّاس لَحْكامْ
فتِيوْنِي فهَاذْ الزّْمانْ
جَارْ علِيَا ومَا هَانْ
لكْ سْدَا ملَّاتْ لْمْكَانْ
تكْتباتْ بْلا عُْنوانْ
لْحْجَْرا نْطْقات تعْجبَاتْ
كِيفْ لَجْبَال ترِيْباتْ ؟
كِيفْ لَكْ بْدَا تْفْتْتَاتْ ؟
كِيفْ الرَّاوْيَا تشْتتَاتْ ؟
عَاوَتْ كِيسَانْ لمْرَارْ
وقُلْت لحَيَاة أَسْرَارْ
سدِّيتْ بلْقفلْ بِيبَانْ
وصلِّيتْ بخْشُوعْ وِيمَانْ
غردَاتْ الطّْيُورْ فسّمَا
صمْدِي رَآكِي فَاهمَا
ورقتِي مْعَ الرِّيحْ طَايْرَا
نهَاية قصّة ثَايْرا
عند النظر إلى هذا الفن ، وبالخصوص هذه القصيدة المهداة من الشاعرة المغربية المبدعة ، نجد ملامح فن الزجل واضحة عندها ، بعودتها إلى التراث العربي والأخذ به أو العمل على غراره إذ يشكل منعطفاً في الأدب العربي المعاصر في ضوء الأدب الملتزم ، ويمكن أن نشير إليها بالنقاط الآتية :
1- أسلوب سهل مأنوس قابل للتغني به
2- شيوع المفردة العامية
3- مخالفة القياس الصرفي أو اللغوي يشتمل على كسر قواعد اللغة العربية في الصرف والنحو .
4- تسكين أغلب الكلمات وخاصة في نهايتها لذا لا يستطيع القاري الإعراب
5- تعدد القافية والروي لكل بيتين أو أكثر بقافية واحدة وروي واحد مثل ( الراء والألف ) و( السين والصاد والياء ) وهكذا البقية 000
6- وجود الجناس من أجل ترقيق الألفاظ مثل ( لمرار ، لضرار ، أَسْرَارْ )
7- حذف بعض الحروف من الكلمات واسترسالها على النبر والتنغيم على وفق الاستعمال اليومي المشهور في لهجة المغرب العربي المعاصرة ، وفي ضوء ذلك لقد أفاضت علينا الشاعرة بكرمها الوارف ، وقد عرفتنا على كيفية نطق الكلمات ومدى دلالتها وفاعليتها في المجتمع المغربي خاصة ، ومدى ارتباطها باللهجات العربية المنتشرة في الوطن العربي .
د مرتضى الشاوي...