[right]
إلتقيتها ذات يوم ربيعي، رأيتها تتمشى على شط البحر بهدوء وخطوات ثابتة ،كنت جالسة أقرأ رواية ماجدولين، هذه القصة التي قرأتها عشرات المرات، وكل مرة أطالعها أشعر أني أقرأها للمرة الأولى ، وفي نهايتها تنهمر دموعي دائما، وأنا أتعجب من روعتها، لم أشعر بها الا وهي جالسة، قربي تراقبني بعيون فاتنة ،قالت لي :
- أسفة أذا أزعجتك
- لا عليك أهلا بك أنا أمال
- وأنا منى
- تشرفت بمعرفتك
- الشرف لي ماذا تطالعين؟
- انها رواية
ناولتها الكتاب فقالت لي:
- أعرفها فقد سبق لي وأن قراءتها، لقد كنت مدمنة قصص وروايات، قبل أن أتزوج وأتخلى عن أشياء كثيرة من أجل البيت ومتطلباته
- اذا كنت تحبين القراءة فلماذا لا تحاولين تخصيص وقت ولو صغير للمطالعة، ففي رأي أن من يكون شغوف بالقراءة لا يمكنه في يوم من الايام التخلي عند هذا الشغف...
ضحكت بصوت مسموع،لأكتشف أن ضحكتها رائعة وشفافة:
- متأكدة أنك لست متزوجة فهل أنا مخطئة؟
- لا لست مخطئة
- لهذا تقولين هذا لكلام فلنرى ان كنت ستواصلين القراءة بعد الزواج.
كان هذا هو الحديث الذي دار بيننا في ذلك اليوم، تعرفت الى إنسانة رائعة، وشفافة ،أصبحت في مدة وجيزة صديقتي المقربة، دعتني الى بيتها ،وعرفتني بزوجها، ساعتها أدركت لما تخلت عن جنونها بالقراءة ،فهي عوضت حبها للقراءة بحبها لزوجها،إنها متفانية في خدمة بيتها بكل الحب، وهذا يأخد منها كل وقتها ،وجهدها
- قالت لي في أحد الايام:
- أنا إنسانة محظوظة... لاني التقيت بزوجي، فهو إنسان رائع وحنون ،أشعر معه بالأمان، وأعرف أنه لن يتخلى عني مهما كان ،وأنا سأفني العمر في رعايته، أطلب من الله أن يبعث لك بزوج مثله قولي أمين
- أمين
صداقتي بها ملأت على فراغي القاتل الذي كنت أحس به ،فأنا قبلها لم يكن لي صديقات، في رأس أول سنة تمر على صداقتنا قررت أن أهديها مجموعة ألف ليلة وليلة ،كعربون للحبي ،ضحكت ذلك اليوم وهي تقول لي :
- من بين كل الهدايا التي تعرض بالمحلات لم تجدي لي سوى ألف ليلة وليلة ماذا سأفعل بها؟
لوهلة ظننتها جادة في قولها ، وأن هديتي لم تعجبها، فإذا بها تفتح لي ذراعيها وهي تبتسم:
- تعالي الي يا حمقاء ،أنا فقط أمزح معك حبيبتي شكرا لك،وأعدك بأني سأعمل على قرأتها فقط لأجلك
كانت الوحيدة التي بكت عندما علمت أني سأرحل من أجل فترة التدريب الواجب على إجرائها قبل إلتحاقي بالعمل قالت لي ذلك اليوم:
- أنت خائنة تتركينني بعد أن تعلقت بك وترحلين
ضمتني اليها وقالت :
- سأشتاق اليك حقا أتمنىلك كل الحظ الطيب
سافرت وقد أقسمنا على الكتابة لبعضنا كل أسبوع ، كانت هذه فكرتي، العودة الي الزمن الجميل للرسائل ،وقد كانت رسائلها الشيئ الوحيد الذي آنس غربتي في هذه المدينة الباردة ،كنت أنتظر كل خميس ساعي البريد بكل شوق، وكأنني أنتظر رسالة حب من محبوبي البعيد.
قبل شهرين وصلتني منها رسالة أخبرتني فيها بانها تمر بوعكة صحية ،وانها ستجري بعض الفوحصات الطبية لتشخيص حالتها ،ألمني أن تكون مريضة ،وأنا بعيدة عنها... كانت تلك أخر رسالة تلقيتها منها،فأنا أرسلت لها الكثير من الرسائل لكنها لم تجب على أي منها:
- انني مجنونة وغبية لماذ...لما لم أخد رقم هاتفها ...يالي من حمقاء غبية... هل ما زال هناك أحد يتواصل بالرسائل ،الحمد لله بقي أسابيع قليلة فقط وتنتهي مدة التدريب وأعود الي رؤيتها.
وأنا أعد الايام الباقة لي هنا، وصلتني منها رسالة فتحتها وأنا أكاد اقفز من الفرح ،ما أن بدأت بقراءتها حتى ضاقت الدنيا براحبتها علي:
صديقتي الغالية وأختي العزيزة وحبيبتي الرائعة ،أعرف أنك تتسألين لماذا توقفت عن مراسلتك، وأعرف اني قد سببت لك القلق، سامحيني حبيبتي فقد وعدت نفسي الا أكتب لك حتى أشفى نهائيا لكي لا أزعجك وأزيد من متاعبك، لكني اليوم خفت من أن أرحل وأنا لم أودعك، وأخبرك بحال تلك الفتاة المحظوظة،أنا اليوم أتأكد ان القدر خانني قتخلى عني، لقد أجريت الفحوصات الطبية الضرورية وتأكد طبيبي أني مصابة بسرطان الثدي، أتصدقين سرطان الثدي، أتعرفين رغم اني حزنت على نفسي، الا اني كنت أقول الحمد لله، فالله عوضني بزوج محب، سيتحمل معي ما أمر به، وسيخفف عني مصابي، لكن القدر خانني للمرة الثانية ،وأتبث لي أني كنت أكبر حمقاء عندما صدقت كلامه ووعوده لي ، لقد تخلى عني بمجرد أن عرف أني سأخضع لعملية استئصال الثدي المصابة، أخبرني أنه قرر الزواج بغيري، لقد كان كلامه أشد وقعا علي من خبر مرضي ،أنت تدركين انه حب حياتي،لقد خيرني بين القبول أو الطلاق، كم تمنيت أن تكوني معي وأنا أمر بكل هذا، لكني كنت أفرح عندما أفكر في أنك ستعودين وأنت تحققين حلمك، أنت الوحيدة التي كنت أستمد منها الصبر في وقت كهذا، أشثاق اليك غاليتي كثيرا، وافتقدك أكثر في هذه اللحظات، ومن ذكراك أستمد القوة لمقاومة المحن التي أمر بها،أنا الأن راقدة بالمستشفى في انتظار الأسبوع القادم حيث سأخضع للعملية،للمرة الأولى بعد زواجي يتبقى لي الوقت الكافي للقراءة ،وألف ليلة وليلة هي كتابي الذي يؤنس وحدتي في بعدك، أرأيت لقد وفيت بوعدي لك ... لا تنسي أن تتمني لي الحظ الطيب غاليتي، ولا تنسي الدعاء لي في صلاتك، عندما تعودين ستجدينني أنتظرك في المكان الذي جمعنا لأول مرة ، لا تبكي ياغاليتي ولا تحزني لاجلي، أريدك أكثر قوة مني ،عندما تعودين وانت تضمينني اليك ، أريدك أن تكوني أقوىمني و من كل شيء، أعرف أنك بعد قراءة رسالتي هذه ستركضين لدفتر الرسائل، وستبدأين بالكتابة الي ،لا تفعلي يا حمقاء، فرسالتك لن تصلني لأني ماعدت أقيم مع زوجي فأنا طلبت الطلاق، عندما أغادر المسثشفى سأنتظرك كل يوم في نفس المكان الذي التقينا فيه لاول مرة، فأبتسمي حبيبتي وهات لي معك رواية جديدة
كنت كل ليلة أقرأ رسالتها هذه لأشعر بمعاناتها ،وأنا بعيدة عنها...كانت تعاني هناك لوحدها ... وكنت أنا أعاني هنا لوحدي.
أخيرا جاء اليوم الذي انتظرته، غدا سأعود قررت أن أول شيء أفعله بعد رؤية أسرتي ،أن أتجه للمكان الذي التقينا فيه للمرة الأولى،كانت تلك الليلة أطول ليلة عشتها فلم يغمض لي جفن ولو للحظة
عدت... إنتظرت... وانتظرت... لكنها لم تأتي، وكنت كل يوم أذهب لنفس المكان، أجلس وأنا أنتظرها ،وكلما مر يوم ولم تأتي أزداد قلقي وخوفي عليها، فكرت أن أسأل عنها طليقها، فهو الأمل الباقي لي لمعرفة أخبارها،توجهت الى المنزل، طرقت الباب مرات عدة قبل أن يفتح الباب:
- أسفة لاني أزعجتك ،فقط كنت أود أن أسألك عن منى هل أجد معك عنوانها الجديد؟
بدى وكأنه صدم من سؤالي..
- يبدو أنك لا تعرفين الذي جرى فمنى للأسف توفيت الاسبوع الماضي وهي تجري العملية لإس.......
أظلمت الدنيا في عيوني وخانتني أرجلي... لم أعد قادرة على الوقوف ولولا حائط الباب الذي سندني لسقطت من هولي:
- ماذا توفيت لا لا يمكن... لقد وعدتني أن تتنظرني على شط البحر... وعدتني أن تشفى.... لا لا يمكن
- هدئي من روعك أمال الموت قضاء وقدر
- انها خائنة لم تفي بوعودها لي لقد خانتني
- تعالي اذخلي حتى تهدأي قليلا
- لا ...أريد زيارتها على أن قول لها أني أكرها لانها لم تفي بوعدها لي
- انتظري قليلا سأرافقك الي قبرها
رافقني الى قبرها ...الى المكان الذي لم نتفق أن نلتقي به.. وقفت مشدوهة خانتني الكلمات تلك اللحظة... وأنطلقت دموعي لتحكي عن ألمي وعن عذابي الذي احسه لفقدانها أه لغربتي بعدها... ويالشوقي اليها ...
غدوت كل ليلة خميس أكتب لها رسالة أحملها بين يدي ،أزورها أجلس قرب قبرها و أقراء لها رسالتي ،وعندما أنتهي أجلس صامتة ، وأنا أستمع الى كلامها العذب... بعد أن ينتهي حديثنا ،أذهب الى المكان الذي إلتقينا فيه للمرة الأولى عالى شط البحر، أجلس هناك لأقراء لها كل في مرة قصة جديدة
تحية حب وتقدير الي كل النساء بكل العالم... وتحية إجلال وإكبار الى نساء يعانين بصمت ،وبصمت يخفين عذابهن وراء بسمة شاحبة لأجل أن يمنحن القوة والصبر للذين حولهن لأبائهن أو لأبنائهن أولأزواجهن أولأخواتهن... لكل المصابات بمرض سرطان الثدي باقة حب وإعجاب بقوتكن وصبركن مع أصدق المتمنيات بالشفاء العاجل لكن جميعا
أمال 03/11/2010
الرئيسية
موضوع: رسائل الخميس 
الأحد 30 يناير - 19:50
