عادل غرفاوي | المغربية
تتعدد طقوس الاحتفال بمقدم المولود الجديد بتعدد وتنوع الموروث الذي ترتكز عليه أعراف وتقاليد كل منطقة على حدة، لتعكس تنوعا هائلا وغنى حضاريا متميزا.
وتتمظهر هذه الطقوس في الاحتفالات التي تصاحب هذه المناسبة والتي تتباين في بعض جوانبها حسب إمكانيات كل عائلة، وإن كانت جميعها تجعل من هذا الحدث فرصة للتعبير عن الفرح والزهو من خلال إقامة الولائم.
وتبدأ الاستعدادات لاستقبال المولود الجديد بمنطقة الشاوية قبل وقت المخاض بمدة ليست قصيرة، إذ تبدأ الأم الحامل ومحيطها (الزوج والإخوة والعائلة ) في إنجاز الأشغال التي يرونها ضرورية، كترميم البيت وتبييضه وتنظيفه، وشراء مستلزمات العقيقة، منها الخروف وملابس المولود الجديد والحلويات.
والتعاقد مع المولدة "القابلة" التي ستتكفل بكل مستلزمات الولادة وغيرها من الأمور الأخرى.
وبمجرد شعور المرأة الحامل بالمخاض، يقول المكي بن ادريس، أحد أفراد الدواوير بمنطقة أولاد سعيد التابعة لإقليم سطات، تتكفل النسوة باستقدام »القابلة« التي غالبا ما تكون من النساء »الخبيرات« في التوليد، إذ تبدأ، وبطرق تقليدية، في مساعدة المرأة الحامل على الوضع، وذلك قبل أن تنتشر ظاهرة اللجوء إلى المستشفيات.
وحسب المكي، فإن عملية الوضع إذا ما مرت بسلام، وكان المولود ذكرا، فإن النساء من أهل الدوار اللواتي يلازمن بيت المرأة الحامل في هذه الفترة الدقيقة يطلقن الزغاريد ثلاث مرات، وهي الإشارة التي تعلن للزوج الذي يكون غير بعيد عن الحجرة التي تلد فيها زوجته أن "العزري قد هل".
وبعد تنظيف الوليد والاطمئنان على صحة الأم يجري تسليمه إلى الفقيه، الذي يؤذن للمولود الجديد في أذنه اليمنى ويكبر ثلاث تكبيرات في أذنه اليسرى.
أما الزوج فيقوم بذبح ديك وتتكلف بعض نساء العائلة بطهيه ويقدم مرقه للنفساء لتشربه، كمقوي يساعدها على استرداد عافيتها.
وبمجرد ذيوع الخبر وسط الدوار، تتقاطر النسوة لمباركة المولود الجديد والاطمئنان على صحة الأم، إذ يحملن في الغالب بعض الهدايا التي هي عبارة عن بيض أو نقود.
تسمى"الزرورة"، تسلم إلى النفساء التي تكون محاطة بأفراد عائلتها، بينما يكون الزوج صحبة معارفه من الرجال في غرفة أخرى يتسامرون حول "الصينية".
وفي اليوم الثالث تجتمع نسوة الدوار بمنزل النفساء، ويجري تهييء وليمة "الرفيسة" المعدة بالدجاج البلدي ونوع خاص من الفطير يسمى "المسمن" أو "الرغايف"، وينظم حفل صغير تغني فيه النسوة بعض الأهازيج الشعبية.
ويشهد اليوم السابع، وهو يوم العقيقة، حركية زائدة في منزل العائلة، حيث تقوم النسوة في الصباح الباكر بمساعدة المرأة النفساء على الاغتسال، قبل أن ترتدي ملابس جديدة تليق بالمناسبة وتتزين.
ويستدعى بعد ذلك فقيه الدوار لذبح الكبش، وهي العملية التي تقترن بإطلاق الاسم الذي اختارته العائلة أو بالأحرى الأب على المولود الجديد.
وفي المساء يجري تنظيم حفل يستدعى إليه أفراد العائلة والجيران ورجال ونساء الدوار، بالإضافة إلى بعض حفظة القرآن الذين يقومون بتلاوة بعض السور من الذكر الحكيم والدعاء للمولود الجديد ولأفراد العائلة، قبل أن يلتئم الجميع على موائد الطعام.
ومن بين العادات، التي ما زالت مترسخة بين سكان منطقة الشاوية، أن لا يغادر المولود الجديد بيت والديه، قبل أن يستكمل الأربعين يوما من عمره، وهي الفترة التي تتزامن مع عادة حلق رأس هذا المولود، أو ما يعرف بـ"الحسانة".
وتصاحب هذه العملية طقوس وعادات، منها أن من يقوم بها هو جد الوليد من جهة الأم في المرتبة الأولى أو جده من جهة الأب في حالة غياب الأول أو فقيه الدوار.
وقبل أن تجري عملية حلق رأس المولود، يدهن شعره بواسطة الحليب المستخرج من ثدي أمه بدل الماء، ثم يقوم بعد ذلك الشخص المكلف بهذه المهمة بحلق الشعر من الأطراف بطريقة دائرية مع ترك "القنة" (قنة الرأس)، كما هي قبل أن يعمد إلى دهن المناطق التي مرر فيها موس الحلاقة بالحناء.
كما توضع في مقدمة رأس الوليد تميمة غالبا ما تكون عبارة عن »خميسة« من ذهب أو فضة لطرد الأرواح الشريرة وحمايته من العين.
بعد ذلك، تقوم النسوة بأخذ شيء من شعر المولود وخلطه ببعض البخور وجمعه في قطعة من القماش، تكون بيضاء اللون، يجري ربطها إلى عنقه، لتظل ملازمة له لمدة قد تطول أو تقصر، باعتبارها تمنع عنه أذى الإنس والجن، ليدخل بعد ذلك في مرحلة جديدة من عمره تصاحبها بدورها عادات أخرى تعكس تنوع الموروث الحضاري للمنطقة.