فرشت فوق ثراك الطاهر الهدبا
فيا دمشق لماذا نبدأ العتبا؟
حبيبتي أنت فاستلقي كأغنية
على ذراعي ولا تستوضحي السببا
أنت النساء جميعاً ما من امرأةٍ
أحببت بعدك إلاّ خلتها كذبا
يا شام إن جراحي لا ضفاف لها
فامسحي عن جبيني الحزن والتعبا
وأرجعيني إلى أسوار مدرستي
وأرجعي الحبر والطبشور والكتبا
تلك الزواريب كم كنزاً طمرت بها
وكم تركت عليها ذكريات صبا
وكم رسمت على حيطانها صوراً
وكم كسّرت على أدراجها لعبا
أتيت من رحم الأحزان يا وطني
أقبّل الأرض والأبواب والشهبا
حبي هنا وحبيباتي ولدن هنا
فمن يعيد لي العمر الذي ذهبا
أنا قبيلة عشّاق بكاملها
ومن دموعي سقيت البحر والسحبا
فكل صفصافة حولتها امرأة
وكل مئذنة رصعتها ذهبا
هذي البساتين كانت بين أمتعتي
لمّا ارتحلت عن الفيحاء مغتربا
فلا قميص من القمصان ألبسه
إلاّ وجدت على خيطانه عنبا
كم مبحر وهموم البر تسكنه
وهارب من قضاء الحب ما هرما
يا شام أين هما عينا معاوية
وأين من زحموا بالمنكب الشهبا
فلا خيول بني حمدان راقصة
زهواً ولا المتنبي مالئ حلبا
وقبر خالد في حمص نلامسه
فيرجف الغبر من زواره غضبا
يا رب حيِّ رخام القبر مسكنه
و رُب ميت على أقدامه انتصبا
يا ابن الوليد سيف تؤجره
فكل أسيافنا أصبحت خشبا
دمشق يا كنز أحلامي ومروحتي
أشكو لك العروبة أم أشكو لك العربا؟
أدْمت سياط حزيران ظهورهم
فأدمنوها وباسوا كفّ من ضربا
وطالعوا كتب التاريخ واقتنعوا
متى البنادق كانت تسكن الكتبا؟
سقوا فلسطين أحلاماً ملونة
أطعموها سخيف القول والخطبا
وخلفوا القدس فوق الوحل عاريةً
تبيح عـزة نهديها لمـن رغبـا
وأعدوها وما جاؤوا لموعدها
وأسكروها وكانت خمرها كذبا
عاشوا على هامش الأحداث ماانتفضوا
للأرض منهوبةً والعرض مغتصبا
تلفتي تجدينا في مباذلنا
من يعبد الجنس، أو من يعبد الذهبا
فواحـدٌ أعمـت النعمى بصيرته
فانحنى وأعطى الغـواني كـل ما كسبا
وواحدٌ ببحـار النفـط مغتسـلٌ
قد ضاق بالخيش ثوباً فارتدى القصبا
وواحـدٌ نرجسـيٌ في سـريرته
وواحـدٌ من دم الأحرار قد شربا
هل من فلسطين مكتوب يطمنني
عمن كتبت إليه وهو ما كتبا
وعن بساتين ليمون وعن حلم
يزداد عني ابتعاداً كلما اقتربا
أيا فلسطين من يهديك زنبقة
ومن يعيد لك البيت الذي خربا
ماذا سأقرأ من شعري ومن أدبي
حوافر الخيل داست عندنا الأدب
وحاصرت آذاننا فلا قلم
قال الحقيقة إلاّ اغتيل أو صُلبا
يامن يعاتب مذبوحاً على دمه
ونزف شريانه ما أسهل التعبا
شردت فوق الرصيف الدمع باحثةً
عن الحنان ولكن ما وجدت أبا
إن كان من ذبحوا التاريخ من نسبي
على العصور فإني أرفض النسبا
من جرّب الكي لا ينسى مواجعه
ومن رأى السم لا يشقى كمن شربا
حبل الفجيعة ملتف على عنقي
من ذا يعاتب مشنوقاً إذا اضطربا
الشعر ليس حمامات نطيرها
نحو السماء ولا ناياً وريح صبا
لكنه غضب طالت أظافره
ما أجبن الشعر إن لم يركب الغضبا
شام يا شام ما في جعبتي طربا
أستغفر الشعر أن يستجدي الطربا....
نزار قباني..