الأحلام تعكس ما نحب وما نكره تعكس مخاوفنا هي صوت عقلنا الباطن
لا تفكر فيما عدا ذلك… ذاك ما قالته المرأة التي أحبها.
بالأمس توصلت لطريقة جديدة توفر الكثير من الوقت والجهد وتعطي نتائج دقيقة في العمل، وبعدما أنهيت شرح هذه الطريقة أمام مديري والمدراء الآخرين في الشركة، انفرد بي مديري وقال لي: انتبه لأحلامك فالأحلام الجميلة تنقلب شرا على أصحابها.
تذكرت أمي ومن قبلها جدتي حين كانوا يستنطقون الأحلام صباحا، ويفسرون ما كانوا قد حلموا به في الليلة السابقة، وكم كنت أتعجب عندما كانوا يؤولون كل شيء جميل رأوه في أحلامهم إلى أشياء وأفكار سوداء بغيضة، مرة سمعت أمي تقول لجدتي أنها رأت أم رياض جارتنا المقعدة التي كانت تستخدم كرسيا للتحرك، تلبس ثوب زفاف أبيض جميل وتزف إلى زوجها المتوفى منذ سنين، تجهم وجه جدتي وقالت لأمي: ترحمي عليها .. ستموت.
مرة أصاب أمي وجع في أسنانها، ولما استيقظت صباحا روت لجدتي أنها حلمت بأنها قد قلعت ضرسها … رأيت الهلع والخوف يتملكان وجه جدتي وتصرخ في وجه أمي : قبحك الله، انتبهي لأحلامك فأحلام الخلاص والفرح والجمال تقود للموت..
كبرتُ وكبرتْ معي فكرة التضاد في رمزية الحلم، كنت أخاف أن احلم ، أي كان نوع الحلم الذي أحلمه، وفي الصباح عندما أستيقظ كنت أدعو الله أن ينسيني أحلامي.
في قريتنا كان أحد الشيوخ مفسرا للأحلام يقصده الناس من القرى المجاورة، وكانت غالبية تفسيراته، تعتمد على مبدأ التضاد في رمزية الأحلام، إلا أن جمله الأخيرة التي يختم بها تفسيراته غالبا ما كانت تثير شيئا من العجز والرهبة، إذ غالبا ما كان ينهي كلامه ب ” والله أعلم ” ثم يردف قائلا: ” الله يجيرنا من أحلامنا الحلوة…. “.
كبرت أكثر، وصار هاجسي الاطلاع على كتب المفسرين، لأرى أي خوف وهلع من الأحلام زُرع في منذ الصغر، فقرأت تفسير الأحلام البابلي والديموطي والمصري و اليوناني، وابن سيرين، والإمام جعفر، وأرتيميدور، وستيكل ويونغ وفرويد، اعتمد جميع هؤلاء المفسرين على فكرة التضاد في تفسيرهم للأحلام ، وسيطرت على ثقافتهم التفسيرية، فالحياة موت، والفرح حزن، والسلم حرب، والحب كراهية، حتى فرويد الجنسي في تفسيراته رد الأحلام إلى عقد جنسية متوارثة كأوديب والخصاء …. الخ.
فعلا، الله يجيرنا من أحلامنا الحلوة، إذا كان ما يقوله المفسرون صحيحا، قالت سعاد وهي تنظر إلي بدهشة وخوف، فبالأمس حلمت أننا اشترينا منزلا صغيرا جديدا، وكنا في غاية السعادة والفرح، فنحن منذ خمسة عشر سنة نتنقل بين بيوت الإيجار، ثم قالت بحرقة وغضب: ” تبا للمفسرين، حتى الأحلام الجميلة يريدون مصادرتها منا”.
لن أحلم بأني أحبك وأحب الأولاد بعد اليوم، خوفا من أن أستيقظ في الصباح لأجدني أكرهكم.
ولن أحلم بسيارة جديدة خوفا من أن تسرق دراجتي الهوائية، ولن أحلم بالصحة خوفا من المرض، ولن أحلم بابتسامتكِ خوفا من غضبك، ولن أحلم بالبحر خوف أن تغتالني الصحراء، ولن أحلم بقبلة صباحية من أي احد خوفا من طعنة خنجر غادرة، ولن أحلم بوطن كبير موحد أسير حرا في أرجاءه خوف أن استيقظ صباحا لأجده مشتتا أكثر مما هو عليه ….
بل سأجعل العفن والسوء والقبح هي مفردات حلمي، علّني أتمتع بصباح جميل، حتى الواقع كان قد حرمني منه.