أخيتي: إذا كنت من عشاق الجمال والزينة، من عشاق الرشاقة والحسن، من عشاق الأناقة وحسن المظهر، فابشري.
فإن الله تعالى لم يعطيكِ في الجنة الصحة فحسب، وإنما أعطاكِ أيضاً الرشاقة والحسن والجمال، فستلجِ دار النعيم إن شاء الله، وأنت على صورة أبيك آدم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام.
فلا أكمل ولا أتم من تلك الصورة والخلقة، التي خلق الله عليها أبا البشر آدم، فقد خلقه الله تعالى بيده فأتم خلقه وأحسن تصويره، طوله في السماء ستون ذراعاً.
عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((خلق الله آدم على صورته طوله ستون ذراعاً، فكل من يدخل الجنة على صورة آدم، فلم يزل الخلق ينقص بعد حتى الآن )).
وإذا حباكِ الله تعالى في الجنة بحسن المظهر، وقوة الجسم وجماله، فإن من كرمه سبحانه وحبه لأوليائه أنه لا يدعكِ حتى يضيف إلى ذلك جمال الباطن، وصفاء النفس، وطهارة الروح.
عن أبي هريرة رضي الله عنه، في الحديث الذي يصف فيه الرسول صلى الله عليه وسلم دخول أهل الجنة، ومنهم الزمرة الذين يدخلون الجنة نورهم كالبدر قال: ((أخلاقهم على خلق رجل واحد، على صورة أبيهم آدم ستون ذراعاً في السماء)).
ولا يزال حسنك في ازدياد فتكوني مكحلة العينين، في عمر القوة والصحة ابنة ثلاث وثلاثين سنة، لا تعديها أبداً.
فعن معاذ بن جبل رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((يدخل أهل الجنة جرداً مرداً، كأنهم مكحلون، أبناء ثلاث وثلاثين)).
جرداً مرداً: خاص بالرجال أي بدون لحية أو شارب.
ثم إنك فوق ذلك كله منزه في دار النعيم عن كل قذارات الدنيا وأذاها:
من بصاق، أو مخاط، أو بول، أو غائط، فإن أهل الجنة كما وصفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يبصقون، ولا يمتخطون، ولا يتغوطون)).
ولكي يكون نعيمكِ فيها دائماً متصلاً، لا يقطعه قاطع، فقد جعلك الله تعالى تحيا فيها في يقظة دائمة، بلا نوم يقطع عليكِ لذات النعيم.
فقد جاء في حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((النوم أخو الموت، ولا ينام أهل الجنة)).
إلى الخيام والقصور:
أخيتي الحبيبة:
بعد تلك الحفلة الملائكية الباهرة، وذلك الاستقبال الرائع في جنات الخلود، آن الأوان أن تذهبي إلى بيتك في الجنة ولعلكِ تظني الآن أن الملائكة ستقودكِ إلى مسكنك الجديد في دار النعيم وعذراً حبيبتي في الله، فأنتِ مخطئة في هذا الظن، إنكِ ستذهبي إليه من تلقاء نفسكِ، وكأنك ولدت فيه، وترعرت في ربوعه.
يقول صلى الله عليه وسلم: ((يخلص المؤمنون من النار، فيحبسون على قنطرة بين الجنة والنار، فيقتص لبعضهم من بعض مظالم كانت بينهم في الدنيا،حتى إذا هذبوا ونقوا، أذن لهم في دخول الجنة، فوالذي نفس محمد بيده، لأحدهم أهدى بمنزله في الجنة، منه بمنزله كان في الدنيا)).
لربما انزعجت قليلاً أيتها المؤمنة من كلمة الخيام، فهل صحيح أن في الجنة خيام، نعم والله إنها خيام، ولكن ليست كالخيام، فما في الجنة من الدنيا إلا الأسماء، أما المسميات فلا تمت لما في الدنيا بصلة.
واسمعي إلى وصف هذه الخيام من رسول الأنام صلى الله عليه وسلم: ((إن للمؤمن من الجنة لخيمة من لؤلوة واحدة مجوفة، طولها ستون ميلاً، للمؤمن فيها أهلون يطوف عليهم المؤمن، فلا يرى بعضهم بعضاً)).
إنها لؤلؤة واحدة طولها ستون ميلاً وهذه هي الخيمة، فما بالكِ بالقصر، الذي أعده الله لكِ في جنات عدن.
قال تعالى يصف لك قصركِ إن كنت من المتقين:
((لكن الذين اتقوا ربهم لهم غرف من فوقها غرف مبنية تجري من تحتها الأنهار وعد الله لا يخلف الله الميعاد)).(سورة الزمر: 20).
قال الإمام ابن كثير رحمه الله: (( أخبر عز وجل عن عباده السعداء أن لهم غرفاً في الجنة، وهي القصور الشاهقة ((من فوقها غرف مبنية)) طباق فوق طباق، مبنيات محكمات، من خزفات عاليات))
ويتمم لكِ النبي صلى الله عليه وسلم وصف قصركِ، فيقول: ((إن في الجنة غرفاً يرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها، أعدها الله تعالى لمن ألان الكلام، وأطعم الطعام وتابع الصيام وصلى بالليل والناس نيام)).
دار النعيم كأنك تريها:
والآن يا ولية الله، هل تحبي أن تنزلي من قصركِ لتأخذي جولة في دار النعيم، اسمحي لي إذاً أن أصحبك في تلك الجولة السريعة، عبر آيات الكتاب، وأحاديث الحبيب صلى الله عليه وسلم.
بناء الجنة وتربتها:
يا الله، ما هذا البناء، إن أبنية الجنة كلها من ذهب وفضة، فالقصور لبنة من ذهب، ولبنة من فضة، وأما التراب الذي تمشي عليه، فمن الزعفران الطيب الرائحة، وأما الحصى الذي يتخلله، فمن اللؤلؤ والياقوت.
هذا وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم لدار النعيم لما اشتاق إليها أصحابه كما تشتاقي إليها أنتِ الآن، فقالوا يا رسول الله، حدثنا عن الجنة ما بناؤها، فقال صلى الله عليه وسلم: ((لبنة ذهب، ولبنة فضة، وملاطها المسك، وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت، وترابها الزعفران، من يدخلها ينعم ولا يبأس، ويخلد ولا يموت، لا تبلى ثيابه، ولا يفنى شبابه)).
أشجار وثمار:
وبينما أنتِ تمرحي في دار الخلود، إذ خلت لبك ما ترى من كثرة الأشجار، ووفرة طيب الثمار، وغرائب الأطيار، فأشجارها لا يقدر قدرها إلا الذي خلقها، من كثرة أغصانها، وطول عمودها، وانسياب أركانها وأعوادها ولقد أودع الله تعالى فيها من جمال الشكل، وحسن المنظر، وبهاء اللون، ورونق المظهر، وامتداد الظل، وطيب الثمار، ما لا يخطر على بال، ولا رأته عين، ولا سمعته أذن، ويكفي في ذلك قول رسولنا صلى الله عليه وسلم: (( ما في الجنة شجرة إلا وساقها من ذهب)).
فتصور نفسك أيها المسافر، وأنت تملك واحدة من تلك الأشجار كيف ستكون تشوقك؟ وكيف سيكون سرورك وفرحتك؟ وكيف هي أشجار كثيرة، عديدة ومتنوعة، من رمان إلى أعناب، إلى ما لا يحصى من أنواع الفواكه التي تشتهيها نفسك، ما يربط بينها وبين ثمار الدنيا إلا أسماء لكنها في الطعم أحلى من العسل، وألين من الزبد، كأمثال القلال في الحجم والضخامة، لا فيها بذور أو قشور تنقص تمام التنعم بها.
((إن للمتقين مفازاً، حدائق وأعناباً)) (النبأ: 31- 32)
((وفاكهة مما يتخيرون)) (الواقعة: 20)
((إن المتقين في ظلال وعيونه، وفواكه مما يشتهون)) (المرسلات 41: 42)
يا طيب ها تيك الثمار وغرسها في المسك ذاك التراب للبستان
وكذلك الماء الذي يسقي به يا طيب ذاك الورد للظمآن
فأي نعيم بعد هذا النعيم، وأي تجارة رابحة بعد هذه التجارة، وأطرف ما تقع عيناك من أشجار الجنة، شجرة طوبى التي هي مصنع الملابس الجاهزة، المعد لسكان دار النعيم.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((طوبى شجرة في الجنة، مسيرة مائة عام، ثياب أهل الجنة تخرج من أكمامها)).
فطوبى لمن أحسن غراس هذه الأشجار في الدنيا بذكر الله تعالى، وتهليله، وتسبيحه، وحمده، وتكبيره.
فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( لقيت إبراهيم ليلة أسري بي، فقال: يا محمد أقرئ أمتك مني السلام، وأخبرهم: إن الجنة طيبة ا لتربة، عذبة الماء، وأنها قيعان، وغراسها: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله والله أكبر)).
فاغرسي أخيتي بساتين الأشجار بأسهل الأذكار في كلمات خفيفة سهلة، وما أكثر الغافلين عنها، المشتغلين بلغو الكلام، وربما لهذا الحرام، مساكين هؤلاء الغافلون، شغلهم غراس الدنيا، فاشتغلوا به ونسوا حظهم في الأخرة منقول