كان سالم يداعب عصا المطرح بيده ؛ وكأنه يمارس رياضة المسايفة . يواجه فوهة البركان التي تنفث لهبا ؛ والعرق يتصبب من جبينه ؛ كما ينز من مسام جسده . هوايته مواجهة بيت النار ؛ وشغله الشاغل تقديم خدمات للزبائن ؛ ينال من خلالها الرضا والثناء على احترافيته في إنضاج الخبز وأشياء أخرى .
ذات يوم فكر سالم في تغيير وضعه بالمراهنة على سباق الخيول؛ بحكم فضاء المقهى الذي يرتاده عند إنهاء عمله ؛ يعج بالحالمين بربح رهان قد يغير حياتهم رأسا على عقب . تساءل مع نفسه ؛ لم لا أكون من المحظوظين لربح الرهان ؟ . قد يحالفني الحظ لربح ما يمكنني من تملك فرن خاص ؛ عوض الاشتغال تحت إمرة مالك ؛ يحلو له توفير المدخول ؛ دون اعتبار للجهد المبذول ..
راهن سالم على رباعي خيل اعتباطا ؛ دون سابق معرفة بهذا النوع من المراهنة ؛ أمسك بقسيمة الرهان؛ ودسها في جيب معطفه في انتظار ما ستسفر عنه المباراة من خلال النتيجة النهائية .
واصل سالم عمله المعتاد ؛ كاد أن ينسى مشاركته في لعبة رهان الخيول.. مرت أيام على مشاركته. ذات يوم وهو يرتشف قهوته بفضاء مقهاه المعهود؛ تطلع إلى نتائج الرهان ؛ تذكر الأرقام التي راهن عليها. هي المثبتة أعلى السبورة ؛ أسرع الخطو نحو بيته. فتش عن المعطف الذي تتواجد به قسيمة المشاركة عثر عليه ؛ دس يده في جيبه ؛ لم يعثر على القسيمة. ثارت ثائرته ؛ بدأ يقلب ملابسه بطريقة جنونية ؛ إلى أن نفذ صبره. افترش الأرض وضم راحتيه على رأسه ؛ وهو غارق في التفكير بحثا عن المكان الذي وضع فيه القسيمة .
لحظة ؛ أطلق قهقهة سمع صداها من قبل المارة . عقد العزم منتصبا؛ وتوجه نحو سرير النوم ؛ تحت ملاءته وجد القسيمة مطوية على نفسها وفي سبات عميق . برفق حملها ؛ قبل وجهتيها ؛ خاطبها بعزيزتي وهو يكشف عما تضمنته من أرقام ؛ متسائلا في نفسه : هذه هي الأرقام الفائزة. أليس كذلك ؟ كاااخ ؛كااااخ.
أطلق ضحكة مدوية على إثرها؛ دس القسيمة في جيبه ؛ وصفق الباب من ورائه متوجها للتأكد من صحة الأرقام .
هي بالفعل . عشرون مليون.. قيمة الجائزة. سأشتري فرنا ؛ لا .سأبني فرنا ؛ لا... لا... رددها وهو فرح ومنتشي بالفوز.
عاد إلى بيته ؛ لم يصدق نفسه بأنه فاز بالمبلغ الكبير . فكر في العديد من المشاريع. لم ينم تلك الليلة حيث هجم عليه الضياء وهو لا زال يفكر في نوعية الفرن الذي سينشئه .
رواد الفرن من الساكنة بدأت تتوافد عليه ؛ محملة بلوحات الخبز ؛ ومستفهمة عن التأخير الذي جعل سالم غير متواجد بمقر عمله . مالك الفرن تعجب لغيابه ؛ طالب صبيه بالبحث عن الأمر بالذهاب إلى بيته ؛ بحكم سالم يعيش وحيدا ؛ قد يكون مريضا أو أصابه مكروه . في طريقه التقى الصبي بسالم وهو في غير عادته. سأله : ما بك ياسالم ؟ المعلم ينتظرك ؛ لم تأخرت ؟
رد عليه سالم بجفاء . وعند وصوله إلى مقر عمله ؛ نزل سالم بخفة إلى أرضية الفرن ؛ حيث أمسك بعصا المطرح ؛ وهو يلوح بها في الهواء؛ مرددا : وداعا ؛ وداعا بيت النار . استفهم مالك الفرن سالم عن سلوكه غير المعتاد ؛ وعن تأخره . فما كان من سالم إلا أن بدأ يسرد عليه كل ما كبت في نفسيته خلال سنين . من استغلال وتحقير وتقتير...
فنزع عن جسمه القميص ؛ ورمى به في فوهة النار التي التهبته التهابا ؛ صائحا في وجه مالك الفرن : باي ؛ باي الاستغلال ؛ مرحى بالتحرر. سأملك قريبا فرنا خاصا بي. لقد ربحت ملايين ؛ وسأذهب الآن إلى تصريفها . في اللحظة التي يخاطب فيها مالك الفرن بتلك اللهجة ؛ تذكر أنه وضع القسيمة في جيب القميص الذي رمى به في بيت النار . .