وداعا أيها الرجل العظيم .
عن رحيل المفكر المغربي الدكتور محمد عابد الجابري .
لست ادري من أين أبدء الحكاية ؟ الحكاية التي انتهت فبل البداية .
ألان وقد علمت لماذا المّ بي ذاك الصمت الرهيب حين آسر قلبي وتغلغل في كياني وجعلني أرى الدنيا ضيقة قزمة صغيرة، أصبحت فيها ملتوي الفكر واللسان ومعه جف الميداد من الأقلام وكأن كل شيء أحس بأن ما سأحاول التعبير عنه اكبر من تستوعبه السطور والكلمات، تعاطفت معي على الأقل في تلك اللحظة وأنا في دهشة أمتزج فيها الشك باليقين، اسمع الخبر في أثيره الإذاعي " اليوم ودع المغرب أحد رجالاته الكبار في الفكر والسياسة والأخلاق والتربية"
أنا اعرف من يكون، لا احد كبيرا في الفكر والسياسة والتربية والأخلاق غير الدكتور "محمد عابد الجابري" لكن هل هذا صحيح؟ هل الرجالات الذين من حجم الجابري يموتون !
اشتعل لهيب الأسى في داخلي خاصة حين علمت أن موت الجابري يعني انتكاسة العقل و الفكر العربيين، اعتصرت الدموع بالكلمات لعشقها ونقبت عنها في رزم الفكر والسياسة والأخلاق والفلسفة والدين والأدب والتربية قاطعا التاريخ والجغرافيا لأعبر عن الم بداخلي، عن حرقة لست أدري ما إذا كنت أنا نفسي مسئولا عنها أم؟ لا إني وبشكل مبدئي أرفض أن يكون الجابري قد مات لان رجالا من حجم الجابري خلقوا للخلود لكن ماذا سنفعل إذا كان كل إنسان فان والجابري إنسان .
وكأنه من خلف السنين سمع نداء ابن خلدون وابن رشد فاستجاب .
ابن 27 دجنبر 1935 بمدينة فجيج الشرقية اختار قسرا الرحيل من أقصى المغرب 3 مايو 2010 بالدار البيضاء، رحل الرجل تاركا خلفه الحصر والدهشة والشك تاركا خلفه ألاف الأسئلة والتساؤلات التي كان ينتجها في كل المواضيع والمجالات حتى أنني اشك أن يستطيع أحد رصد مسار حياته الفكرية والسياسية .
إن الانطلاقة الحقيقة في مسار الفكر والسياسة والإنتاج العلمي والمعرفي لدى الجابري كانت عام 1971 حين اخرج للقارئ أطروحته حول "فكر ابن خلدون عن العصبية والدولة" لتنطلق بعدها سلسلة الانتاجات توجها برباعية "نقد العقل العربي" في التكوين والبنية والسياسة والأخلاق وعنها كتب " فاجأتني فكرة تأليف كتاب في نقد العقل العربي، لكن بعد الفراغ منه وجدت أنه من الضروري أن اجعله في جزأين الأول في التكوين والثاني في البنية، لم أكن امسك القلم عند كتابة خاتمة هذا الأخير حتى وجدتني أمام موضوع جديد يستحثني بل يستفزني في موضوع "العقل السياسي العربي" بينما أنا منهمك في مراجعة أخيرة له حتى وقفت الأخلاق أمام ناظري منادية : ليست الأخلاق جزءا من السياسة ؟ الم يكن تدبير النفس مرتبط بتدبير المدينة ؟
ما أروعه من تقديم هذا الذي قد به الجابري اكبر وابرز مشاريعه الفكرية والذي إن ذل على شيء فإنما ذلك على آن الرجل كان منشغلا بالتأليف والكتابة والبحث الذي أخد منه كل شيء حتى نفسه، وفي إهداء مشروعه في تفسير وفهم القران الكريم قال: "إلى العظيمة حقا وصدقا: زوجتي التي تكلفت بشؤون البيت والأولاد لتفسح لي المجال للبحث والكتابة، دون آن ترى في الكتاب منافسا لها ولا متطاولا على حقوقها، بل كانت تعامله كواحد من أبنائها "
ذكراك أيها الرجل العظيم ستبقى راسخة الأذهان والعقول، ها هي الأربعينية الأولى على وداعك قد مرت، وهاهم رفاقك وأصدقاءك ومحبوك وطلبتك وقراءك .. من آل الفكر والسياسة يعتصرون عقولهم وقلوبهم ليثروا وداعك بكلمات اقل ما يقال عنها أنها اصغر من ان توفيك حقك فوداعا أيها الرجل العظيم

عثمان حسيني
8/6/2010
الرباط

أيها القرئ والمثقف ادعوك لقراءة هذا المقال