يبحث عن نفسه التائهة عن جسده...تتلاشى أمام عينيه كل الصور...وكل المعالم...متقوقع داخل فكره الذي تنبعث منه رائحة الكتب الصفراء...التي طالما واظب على قراءتها لدرجة الادمان...وعيناه مسمرتان على الجدار...يتلو طلاسمه وعزائمه اليومية...في محاولة البحث عن ذاته الضائعة ....يستقرئ صمته داخل كينونة الزمان والمكان...يلج باطنه الموبوء لاستكشاف واقعه ...يتفقد عطر شبابه المتآكل على عتبة أيامه المرصودة...يقاوم غربته...يقاوم وجوده....يسامر وحدته ...يناجي طيفه المتلاشي عبر دهاليز المد والجزر..
تعتريه لحظات يتملص فيها من ذاته...تنتابه فترات الانهيار...يهيج ....يصرخ بأعلى صوته ( أنا وحش الغاب ...لا الأسد يضاهيني في القوة...ولا الثعلب في الذكاء...ولا الغوال في السرعة...ولا الانسان في العقل...امتهنت الحرف والكلم...قدت جيوش صلاح الدين...وأبحرت على مثن سفن طارق...جاربت نابليون عشيق جوزيفين البلهاء...وأجهزت على فيالق فرانكو )
دخل المسكين في غيبوبة ...تصلبت عضلاته...تجشأ زبده ...ارتعدت فرائصه...تصفد عرقه...شد على لسانه بطقم أسنانه الاصطناعي...هدأت ثورته شيئا ما بعدما شم رائحة القطران الموشوم على أرنبة أنفه..ليعود الى وعيه المزكوم بشتى أنواع التهميش المبتدل...ليجد مفسه مربوطا الى جذع شجرة قرب قبة الولي بحبال موثوقة باحكام